يبدو أن حالة الفوضى العارمة بين الميلشيات وتصارع المصالح الشخصية، التي تعلو على المصالح الوطنية عادت من جديد لتغرق العاصمة الليبية طرابلس، بعد انفراط عقد التحالفات التي شكلتها لمواجهة الجيش الوطني الليبي بالتعاون مع المرتزقة والعناصر الارهابية التي دفعت بها تركيا خلال الأشهر الماضية لدعم حلفائها في طرابلس.
فمن جديد عادت الاشتباكات بين مليشيات مسلحة متنافسة للاحتدام طوال ليل الخميس ويوم الجمعة في مشهد ماساوي جديد تعيشه العاصمة الليبية طرابلس منذ سنوات.اشتبكات كشفت على حالة الاحتقان والصدامات المستمرة، التي تعيشها الميليشيات المتناحرة لتحقيق الأهداف الشخصية والحصول على المكاسب المالية والمنافع السلطوية.
ووقعت اشتباكات عنيفة، مساء يوم الخميس، بين عناصر الميليشيات في عدة مناطق بضواحي العاصمة الليبية طرابلس.وأفادت تقارير اعلامية ان منطقة جنزور غربي طرابلس شهدت اشتباكات مسلحة بين الميليشيات وذلك بهدف السيطرة على محطات الوقود التي تعرف محليا "بالنافطة"،ما اسفر عن مقتل عدد من قيادات هذه المليشيات.
ونقل موقع "ارم نيوز" الاخباري عن الضابط في مديرية أمن جنزور محمد الشافعي،قوله أن الاشتباكات أسفرت عن مقتل الأخوين محمد ومحمود فكار القياديين في ميليشيا ثوار طرابلس، بعد هجوم من قبل ميليشيا فرسان جنزور.وأشار الشافعي،إلى أن الهجوم الذي شنته ميليشيا فرسان جنزور على منزل الأخوين فكار أسفر عن مقتل والدتهما و6 من الأطفال، كما لحقت الأضرار بعدة منازل في نفس الشارع.


وبحسب الشافعي، فإن سبب الاشتباكات الصراع على السيطرة على محطة وقود خاصة بوقود (الديزل)، مشيرًا إلى أن الجثث تناثرت في شوارع جنزور وحرقت السيارات.وأضاف الشافعي أن الاشتباكات حدثت على بعد 2 كم من مقر البعثة الأممية لدى ليبيا، التي يقع مقرها في جنزور، وهي أيضا مقر سكن وإقامة المبعوثة بالوكالة "ستيفاني ويليامز".
وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد للاشتباكات حيث تناثرت الجثث وحرقت المنازل مشيرة الى مقتل حامد أبوجعفر الملقب " بالكبش" والمقرب من متطرفي مجالس الشوري.وقالت تقارير اعلامية الجمعة،أن منطقة جنزور شهدت انفجارا ناتجا عن قنبلة يدوية امام مقر وزارة الإقتصاد ادى الى مقتل شخصين وجرح ثالث في وضع حرج نقل لتلقي العلاج.
وعادت الصراعات الدامية بين المليشيات المسلحة في طرابلس للواجهة من جديد، بعد أن خرج الجيش الوطني الليبي من تمركزاته في قلب العاصمة طرابلس، احتراما للمطالبات الدولية وإنجاحا لمساعي الحل السلمي للأزمة.وسبق أن وجه الجيش الوطني الليبي تحذيرات بتحول العاصمة الى ساحة لعربدة التنظيمات المسلحة والتي تحولت الى عمليات تصفية فيما بينهم.
وكانت مثل هذه الخلافات قد اختفت لوقت طويل أثناء تحالفهم المؤقت ضد الجيش الليبي، إلا أن عدة احداث أكدت استمرار الضغائن والخلافات المؤجلة بين المليشيات، خاصة بين مليشيا الردع، ومليشيا البقرة -التابعة لتنظيم الإخوان بقيادة الإرهابي بشير خلف الله، ومليشيات مصراتة ضد مليشيات ثوار طرابلس في اطار حرب النفوذ المحتدمة في المدينة.
ورغم ان وزير داخلية الوفاق فتحي باشاغا تعهد بداية الشهر الجاري بتطبيق توصيات أميركية لحل الميليشيات وذلك عقب لقائه بالسفير الأميركي وقيادة الأفريكوم لكن يبدو ان ذلك صعب للغاية بعد ان تمكنت تلك المجموعات من الحصول على اسلحة متطورة.وترفض تلك المجموعات الخضوع للقرارات السياسية لحكومة الوفاق وتعتبر نفسها فوق القانون في وقت تتدهور فيه الأوضاع الأمنية والاقتصادية وتنهار فيه الخدمات في مناطق سيطرتها.
وفي غضون ذلك،تستمر تركيا في تحركاتها التصعيدية في ليبيا بالرغم من المطالبات الدولية بانهاء التدخلات الخارجية في البلاد.وكشف موقع إيطالي متخصص في رصد حركة الطيران الحربي استمرار تركيا في إرسال طائرات شحن عسكرية إلى غرب ليبيا، في وقت كشفت فيه وسائل إعلام قريبة من الحكومة التركية عن احتمال نشر منظومة صواريخ "إس 400" الروسية إلى ليبيا لتجنب عقوبات أميركية منتظرة، وللحفاظ في ذات الوقت على علاقات جيدة مع روسيا.
من جهة أخرى،تواصل تركيا التحشيد تحضيرا لمعركة سرت وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان أن أكثر من 10 آلاف مقاتل سوري تدربهم تركيا استعدادا للمعركة.وكان المرصد السوري، قد أفاد في وقت سابق بإرسال تركيا دفعات جديدة من مقاتلي الفصائل السورية الموالية لها إلى ليبيا، مشيرا إلى أنه تم رصد عودة دفعة جديدة من "مرتزقة الحكومة التركية" إلى الأراضي السورية قادمين من ليبيا، بعد انتهاء عقودهم.


وأكدت تقارير اعلامية وجود تحشيدات كبيرة لميليشيات مصراتة وطرابلس لاستهداف مدينة سرت وسط البلاد وقاعدة الجفرة الجوية، مشيرة إلى دعم تركيا لهذه العملية بمستشارين عسكريين سيتولون الإشراف على تلك العملية.بدوره، قال الجيش الوطني الليبي إن بوارج حربية تركية تحاول الانتشار قرب سواحل سرت تمهيداً لاستهداف المدينة، مشيراً لوجود تحركات مشبوهة تقوم بها أنقرة لنشر بوارجها الحربية قرب سرت.
وحذر المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري، القوات التركية، من تداعيات الهجوم على مدينة سرت وقاعدة الجفرة.وأكد المسماري في مداخلة على قناة "صدى البلد" المصرية، أن "مسرح العمليات تحت أعين الجيش الليبي، وعلى أنقرة أن تعي جيدًا أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لا يتحدث بل يفعل".وتوعد بأنه في حال نفذت تركيا هجوما ضد مدينة سرت، فإن "رد الفعل العربي والدولي سيكون قاسيا، فهناك تحالف دولي ضد تركيا"، على حد قوله.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قال لن نسمح بتجاوز الصراع في ليبيا خط سرت مضيفا أن سرت والجفرة بالنسبة لأمن مصر خط أحمر لن نسمح بالمساس به.وأكد أن أي تدخل مباشر من مصر في ليبيا باتت تتوفر له الشرعية الدولية مشددا على وجوب حل الميليشيات المسلحة في ليبيا التي ‏ لن يدافع عنها إلا أهلها مردفا ‏ سنقوم بتدريب وتسليح القبائل الليبية ولن نكون غزاة وليس لنا أطماع في ليبيا.
ويشير مراقبون الى أن أطماع أردوغان في السيطرة على الحقول النفطية في ليبيا ونهب ثروات البلاد لانقاذ اقتصاد بلاده المتداعي تهدد باحتمال نشوب حرب اقليمية ستكون تداعياتها خطيرة ليس على ليبيا فقط وانما على المنطقة والعالم عموما.ويشير هؤلاء الى أن الاوضاع المتردية في البلاد تسمح بانتشار التنظيمات الارهابية في ظل وجود آلاف من المرتزقة الذين جلبتهم أنقرة وهو ما يتهدد دول الجوار وأوروبا التي أعلن مسؤولوها أكثر من مرة رفضهم للتدخل التركي في ليبيا.