تواصل تركيا سياسة التعنت فيما يخص الملف الليبي من خلال الاصرار على مواصلة التدخل في البلاد ومحاولة تأجيج الصراع بين الأطراف الليبية بما يضمن لأنقرة موطئ قدم في البلد الغني بالنفط،في وقت تتواصل فيه الجهود الدولية لكبح جماح الأطماع التركية التي تهدد بتحويل ليبيا الى بؤرة توتر ستكون لها تأثيرات كارثية على المنطقة والعالم ككل.
وبالرغم من التعهدات التي وقع عليها الرئيس التركي في مؤتمر برلين السابق والتي تنص أساسا على وقف التدخلات في الشأن الليبي،فان نظام أردوغان واصل الالتفاف على هذه التعهدات وخرقها من خلال الدفع بالمزيد من الأسلحة والمرتزقة الى الأراضي الليبية خدمة لأجنداته التي لم تعد خافية على الجميع.


وأعلن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن ارتفاع أعداد مرتزقة أردوغان في ليبيا إلى 4700 شخص منهم 2900 مرتزق وصلوا بالفعل إلى العاصمة طرابلس و1800مرتزق وصلوا للمعسكرات التركية لتلقي التدريب.وأكد عبد الرحمن في تصريح لبوابة إفريقيا الإخبارية تواصل عملية تسجيل أسماء الراغبين بالذهاب إلى طرابلس بالتزامن مع وصل دفعات جديدة من المرتزقة إلى هناك.
 وأشار عبد الرحمن إلى أن المرصد السوري علم أن "نحو 64 مقاتل من ضمن الذين توجهوا إلى ليبيا، باتوا في أوروبا، كما وثق مزيداً من القتلى في صفوف الفصائل الموالية لتركيا في معارك طرابلس، ليرتفع عدد القتلى جراء العمليات العسكرية في ليبيا إلى 72 مقاتل من فصائل لواء المعتصم وفرقة السلطان مراد ولواء صقور الشمال والحمزات وسليمان شاه.وأوضح المرصد السوري أن القتلى قتلوا خلال الاشتباكات بمحاور حي صلاح الدين جنوب طرابلس، ومحور الرملة قرب مطار طرابلس بالإضافة لمحور مشروع الهضبة، فيما يتم إسعاف الجرحى إلى 3 نقاط طبية، تعرف باسم مصحة المشتل ومصحة قدور  ومصحة غوط الشعال.


وسرعت أنقرة من عمليات نقل الأسلحة،وبث الناطق باسم الجيش الليبي أحمد المسماري،الخميس، عبر صفحته بموقع "فيسبوك" تسجيلا مصورا يظهر معدات عسكرية وأسلحة ودبابات كانت على متن سفينة تركية قامت بإنزال حمولتها  في ميناء طرابلس مساء الثلاثاء الماضي.وقال المسماري إن القيادة العامة أكدت أن هذا غزو تركي ينافي كل القوانين والأعراف الدولية وينتهك وقف اطلاق النار في المنطقة الغربية.
وأكد مسؤولون دوليون صحة التقارير التي تحدثت عن نقل تركيا للأسلحة والمقاتلين الى ليبيا،وقالت ناطقة باسم وزارة الخارجية الفرنسية، آنييس فون دير مول،في حديث لقناة "العربية"،"منذ فترة هناك أعمال واضحة تقوم بها تركيا ولم تحترم من خلالها التزاماتها بوقف إرسال الرجال والسلاح إلى ليبيا. هناك إمدادات تركية مستمرة نحو هذا البلد، وقد وثّق جنودنا قبل أيام مواصلة الأتراك تسليم معداتٍ إلى جهات في ليبيا، وهذا الأمر تواصل أمس (الجمعة) واليوم (السبت)".مشيرة الى أن هذا مخالف أولاً للالتزامات التي قُطعت خلال قمة برلين، وثانياً إنه مخالف لحظر الأسلحة المفروض من الأمم المتحدة نحو ليبيا.

وتصاعدت الانتقادات الدولية للتحركات التركية المشبوهة في ليبيا،وسط تحركات لكبح جماحها،حيث قدّمت بريطانيا لشركائها في مجلس الأمن الدولي الجمعة مشروع قرار معدّلاً بشأن ليبيا يُطالب بسحب المرتزقة من هذا البلد.وذلك في مسعى لتطويق التجاوزات التركية التي تهدد بتأزيم الأوضاع في ليبيا واغراقها في مستنقع العنف والفوضى.
ويُعرب مشروع القرار البريطاني "عن قلق المجلس من الانخراط المتزايد للمرتزقة في ليبيا".ويُذكّر بالالتزامات الدوليّة التي تمّ التعهّد بها في برلين في 19 يناير من أجل احترام حظر الأسلحة المفروض على ليبيا منذ العام 2011 "بما يشمل وقف كلّ الدعم المقدَّم إلى المرتزقة المسلّحين وانسحابهم".كما يُطالب النص "جميع الدول الأعضاء بعدم التدخّل في النزاع أو اتخاذ تدابير تُفاقمه.
 ويشير  إلى أهمّيّة دور "الاتّحاد الإفريقي وجامعة الدول العربيّة والاتّحاد الأوروبي" في حلّ النزاع الليبي، على عكس المسوّدة الأولى لمشروع القرار التي اكتفت بالإشارة إلى أهمية دور الدول المجاورة والمنظّمات الإقليميّة في حلّ هذا النزاع.ولم تتضمّن النسخة الأولى من مشروع القرار البريطاني التي تعود الى 24 يناير، أيّ إشارة إلى مقاتلين أجانب مسلّحين.
وسياق متصل،حذرت مصر من نقل الإرهابين والمرتزقة من سوريا إلى ليبيا.واشار نائب وزير الخارجية المصري للشئون الأفريقية حمدي سند لوزا  في كلمة مصر خلال أعمال الدورة الثامنة للجنة الأفريقية رفيعة المستوى حول ليبيا، والتي عُقدت بالعاصمة الكونغولية برازافيل إلى الأدوار الخارجية الهدامة والمقوضة لفرص الاستقرار في ليبيا ودول الجوار ومنطقة الساحل، وعلى وجه الخصوص ما يتم من نقل للإرهابين والمرتزقة من سوريا إلى ليبيا.
وكان الرئيس الفرنسي ماكرون أكد،أن "تركيا أخلت بتعهداتها التي قطعتها على نفسها خلال مؤتمر برلين"، مضيفا "خلال الأيام الأخيرة رصدنا سفنا تركية تحمل مرتزقة سوريين وصلوا إلى ليبيا".واتهم ماكرون نظيره التركي رجب طيب أردوغان بالاستمرار في دعم  ماوصفها الميلشيات المسلحة في ليبيا عبر إرسال اسلحة ومرتزقة.

وسبق أن أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف،إن عددا كبيرا من المسلحين في إدلب بسوريا يتوجه إلى ليبيا، في خرق للقرارات الدولية.وأضاف لافروف في مؤتمر صحفي مع وزيرة خارجية جنوب السودان "عدد كبير من المسلحين يسافرون إلى ليبيا، خلافا لقرارات مجلس الأمن، للتدخل في الشؤون الداخلية الليبية (..) ولذلك تواصلنا مع وزير الخارجية التركي" في هذا الشأن.
وبالرغم من هذه التحركات والانتقادات الدولية،يواصل الرئيس التركي تعنته والاستمرار في سياسته العدوانية في ليبيا وهو ما كشفت عنه تصريحاته الأخيرة حيث شدد إردوغان في كلمة خلال اجتماع لرؤساء فروع حزبه (العدالة والتنمية الحاكم) ، أمس، على أن تركيا ستبقى في ليبيا حتى تجد استقراراً كاملاً فيها،"ولن تدخر جهداً في دعمها للحكومة الشرعية".على حد زعمه.
وواصل إردوغان هجومه على قائد الجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر، قائلاً: "حفتر يحصل على الأموال... ومستمر في هجومه على طرابلس، وهناك دول... لا تزال تدعمه بالسلاح والعتاد والأموال والمرتزقة".زاعما أن الوقوف إلى جانب قائد الجيش الليبي بدلاً عن الوقوف إلى جانب الحكومة الشرعية والشعب الليبي هو "خيانة للديمقراطية" على حد تعبيره.
محاولات تركيا اغراق ليبيا بالمتطرفين بعد اغراقها بشحنات السلاح لم تكن كافية لنظام أردوغان الذي لا يبدو أنه يثق في قدرة حكومة الوفاق والمليشيات الموالية لها على الصمود في معركة طرابلس وهو ما دفعه للزج بعدد من قيادات ومسؤولي الجيش التركي لادارة خطط المليشيات المسلحة في طرابلس ومنع سقوطها.
ويشير مراقبون الى أن أردوغان المهزوز داخليا على وقع أزماته السياسية والاقتصادية،ناهيك عن تضييق الخناق عليه في سوريا حيث سقطت أجنداته التي أسسها عبر التعويل على التنظيمات الارهابية هناك،بات يتشبث بليبيا سعيا لدعم الميليشيات الإخوانية التي تحكم طرابلس على أمل أن توفر له موطئ قدم في المنطقة وتمنحه مجالا لنهب ثروات ليبيا أملا في انقاذ اقتصاد بلاده المتدهور.