نشرت مجلة فوربس الأمريكية تقريرا حول الأطماع التركية في ليبيا، واصفة تحركات وتصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنها نذير نزاع ضخم في منطقة البحر المتوسط.

وقالت المجلة إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من استفاد من حالة الإلهاء والانشقاق الداخلي التي يشهدها العالم الغربي ، ويبدو أنه يستعد لتدخل عسكري تركي متزايد في ليبيا، ويأتي هذا بالتزامن مع سلسلة من الاستفزازات الإقليمية الأخرى التي  يمكن أن يؤدي إلى نشوب صراع أكبر.

وخلال السنوات القليلة الماضية تركزت التوترات في ليبيا بجنوب البحر الأبيض المتوسط على معركة شاقة بين حكومة الوفاق الوطني التي تتخذ من طرابلس مقراً لها والتي تدعمها الأمم المتحدة من جهة، والجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر. ومنذ عام 2014 حظيت حرب الجيش الوطني الليبي على الميليشيات الإرهابية والمحلية بدعم من عدد من الدول  بما فيها مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وفرنسا. على الجانب الآخر يشمل المؤيدون الأجانب لحكومة الوفاق الوطني كل من تركيا وقطر. وقدمت الدولتان دعمًا عسكريًا وماليًا حاسمًا للمتمردين الليبيين في بداية ثورة 2011 ضد الرئيس الراحل معمر القذافي، قبل تحويل ثقلهما إلى ميليشيات متطرفة على حساب حكومتين منتخبتين لاحقًا. ومدفوعًا برغبة الأمم المتحدة في عقد مؤتمر وطني آخر حول ليبيا وعلامات على التصعيد التركي شن المشير حفتر هجومه على طرابلس.

إن المصالح والعلاقات التجارية لتركيا في ليبيا طويلة الأمد بالفعل. لكنها استخدمت مؤخرًا نفوذها في ليبيا -ومؤخرًا سوريا- كنقطة ارتكاز لإبراز سلطتها في البحر المتوسط. ودخل أردوغان مؤخرًا في شبه اتفاق مع روسيا في الوقت الحالي للتخلي عن محاولات الإطاحة بالأسد السور، في مقابل فرصة للتغلب على خصومه الأكراد السوريين -الحلفاء الرئيسيين للغرب في الحرب ضد تنظيم داعش-. ومكنت الولايات المتحدة ذلك من خلال إزالة القوات الأمريكية المتمركزة على طول الحدود السورية التركية حتى بعد أن تسلمت تركيا أنظمة الدفاع الصاروخي المتقدمة من روسيا وهي خطوة عارضتها بشدة مؤسسة الدفاع الأمريكية. وعملية الشراء الأخيرة التي تضع الأسلحة الروسية داخل الناتو تسببت في أن يشير الرئيس ترامب -لفترة وجيزة- إلى أنه يفكر في فرض عقوبات على تركيا. وردت تركيا بتهديدها بمنع الولايات المتحدة من الوصول إلى قاعدة إنجرليك الجوية التي تضم أسلحة نووية أمريكية.

وفي أواخر نوفمبر وقعت تركيا وحكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج اتفاقات استفزازية للغاية: أحدهما حدد "المناطق  الاقتصادية الخالصة" لكل من ليبيا وتركيا والتي تغطي مساحة كبيرة من البحر الأبيض المتوسط، وتنتهك بوضوح الأراضي اليونانية . وعرض اتفاق تعاون عسكري دعم حكومة الوفاق وهو الأمر الذي قبله السراج بسرعة. الاتفقا الأول لا ينتهك فقط الحقوق السيادية لليونان -عضو آخر في حلف شمال الأطلسي- بل إنه يتحدى أيضًا حرية الملاحة القبرصية والمصرية والإسرائيلية، وكذلك المطالبات باحتياطيات الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط. ورفضت كل هذه الدول والاتحاد الأوروبي بشدة المناطق الاقتصادية الخالصة الخاصة بتركيا وليبيا  كما تم تعريفها مؤخرًا. وفي مايو من العام الماضي أعلنت تركيا أنها سوف تبحث عن الغاز داخل المياه التي تطالب بها قبرص، وهي خطوة وصفتها وزارة الخارجية الأمريكية بأنها "استفزازية للغاية". كما تنتهك مقاتلات تركيا بانتظام المجال الجوي اليوناني. يبدو أن البحرية واجهت سفن دول البحر المتوسط في المياه الصديقة.

وأعطت معاهدة التعاون العسكري التركية الليبية لحكومة الوفاق أملًا بفترة تأجيل، في حين يتعامل الجيش الوطني الليبي مع الأصول التركية الموجودة بالفعل في ليبيا  أو التي تتجه صوب طرابلس –احتجزت قوات الجيش الوني الليبي  في وقت سابق من هذا الأسبوع على سفينة تركية كانت متجهة إلى المحور الليبي الغربي بمصراتة، ثم سمح لها بالابحار-. يبدو أن الهدف الرئيسي لإعلانات تركيا لحكومة الوفقا الوطني هو خلق كل من الهاء والذريعة لما يبدو من التصريحات والأعمال التركية أنه تصعيد عسكري كبير لتركيا مخطط له في ليبيا مع التحقق من رد فعل الغرب.

وبالنسبة لتركيا فإن التدخل في ليبيا هو أساس الموقف التوسعي المتنامي الذي يمكّنه الربيع العربي ويقوده كل من الإيديولوجيات والضرورات الاقتصادية. أولاً وعلى الفور توفير الوقت لعملاء تركيا الإسلاميين والمصراتيين في ليبيا وحلفائهم  كجزء من قاعدة أردوغان الذي يريد تضمان وجود تركيا كطرف فعال في أي تسوية مستقبلية في ليبيا؛ ثانياً من المرجح أن تعتمد تركيا على مشاريع الطاقة والبنية التحتية المستقبلية. ولمواجهة التدخلات الأخرى اشترت حكومة الوفاق الوطني كميات كبيرة من المعدات العسكرية التركية بما في ذلك 25 طائرة مقاتلة على الأقل تم تدمير معظمها في القتال.

وفي الوقت الذي دعمت فيه روسيا الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير حفتر حتى الآن، يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين راضٍ عن تصرفات تركيا في غربي ليبيا لأنها تخدم أولويات أعلى - ليس أقلها تقويض الناتو-. ومع افتراض عدم وجود رد فعل كبير من الولايات المتحدة أو أوروبا يمكن أن تساعد تركيا في فرض تقسيم نهائي لليبيا بين الغرب الذي يسيطر عليه حلفاء تركيا حتى مصراتة والشرق الذي يحكمه الجيش. إذا أرسلت تركيا قوات إلى غربي ليبيا -حيث تهدد- وتسعى للدفع أبعد إلى شرق ليبيا الغني بالنفط فمن المحتمل جداً أن تجر مصر إلى حرب شاملة  كما أشار الرئيس المصري السيسي بالفعل إلى أنه سيتدخل عسكريًا في ليبيا لحماية مصالح مصر. قد يؤثر ذلك  -من بين أمور أخرى- على حركة المرور عبر قناة السويس.

ومنذ توليه منصبه في أوائل عام 2017 كان موقف الرئيس ترامب من ليبيا في أحسن الأحوال غير واضح . من ناحية ينظر إليه على أنه متعاطف مع المشير حفتر ومحاولته تعزيز السلطة في ليبيا. من ناحية أخرى قاد وزير الخارجية مايك بومبو الدعوة التي أطلقتها وزارة الخارجية الأمريكية لجهود الأمم المتحدة لتحذير حفتر وتنفيذ وقف إطلاق النار الذي من المحتمل أن يطيل الصراع في ليبيا ولكن مع حالة غليان أقل. ويدرك ترامب أن الولايات المتحدة لا تتأثر على الفور بالقضايا التي تحفز سياسات أوروبا قصيرة الأجل بشأن ليبيا أي الهجرة الأفريقية على نطاق واسع وتهديد الإرهاب. وقد أوضح الرئيس ازدراءه لحلف الناتو.

وفي حين أن إدارة ترامب قد تفضل مراقبة هذه الديناميكيات وهي تنطلق من مسافة بعيدة، فإن موقع أردوغان الأخير يهدد بسحب القوى الخارجية حتى إلى عمق ليبيا وتوسيع نطاق الصراع إلى ما هو أبعد من ليبيا. وقد تفضل الولايات المتحدة وحلف الناتو إرجاء الكراهية إلى ما بعد موسم الأعياد لكن قد لا يتمتعان برفاهية الوقت.