تتسارع الأحداث في العاصمة الليبية طرابلس مع تصاعد حدة الاشتباكات بين الجيش الوطني الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق والتي يبدو أنها دخلت مرحلتها الأخيرة بعد اعلان القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر انطلاق "ساعة الصفر" لتحرير المدينة بالكامل في مؤشر على أن الساعات القليلة القادمة قد تكون حاسمة في الصراع الدائر منذ أشهر على تخوم طرابلس.

وأعلن القائد العام للجيش الوطني الليبي، مساء الخميس، عن انطلاق  "ساعة الصفر" لجميع الوحدات العسكرية الليبية لتحرير العاصمة طرابلس. وقال حفتر، في كلمة متلفزة:"إن طرابلس أصبحت وكرًا للمجرمين يستضعفون فيها الأهالي بقوة السلاح منذ صارت مؤسسات الدولة فيها أداتهم لنهب الثروات الليبية جهارًا نهارًا وعلى رؤوس الأشهاد، ومنذ تنصيب العملاء من الخونة الطامعين لينفذوا أوامر أسيادهم، ليضيع الوطن وهم أذلاء صاغرون".

 وأضاف قائلًا:"إننا نستعيد اليوم الوطن العزيز. ليبيا أرض الجهاد والكفاح بعد أن كاد الإرهاب يفك وحدتها، ويمزقها إربًا، لولا تضحيات شهدائنا، ودفع القبائل الشريفة أبناءها إلى معركة الكرامة، لولا أن رفضنا الذل والمهانة. وقبل كل ذلك لولا إرادة الله التي شاءت أن ينتصر الحق ويزهق الباطل. اليوم نعلن المعركة الحاسمة والتقدم نحو قلب العاصمة. وتعود طرابلس كما عهدها التاريخ منارة وعاصمة للحضارة".

 وتابع موجها حديثه لأفراد الجيش الليبي:"إننا نطوي صفحات البؤس والظلم والقهر، ونعلن مع النصر والتحرير ميلاد عصر جديد، فتقدموا الآن أيها الأبطال كل إلى هدف معلوم، لتحطموا القيود وتنصروا المظلوم. وأوصيكم باحترام حرمات البيوت والممتلكات، وقواعد الاشتباك، ومبادىء القانون الدولي الإنساني".

بعد هذا الخطاب تسارعت الأحداث على الأرض مع اعلان القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية،أن جميع الجنود والضباط بدأوا في تنفيذ ما أسمته بـ "أوامر الموت".وقالت في بيان نشرته شعبة الإعلام الحربي عبر صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، "إن بدء تنفيذ الأوامر جاء بعد تلقي القوات الأوامر بشكل مباشر من قياداتهم العليا، حيث تقدمت كافة الوحدات العسكرية في المحاور المكلفة بها وبدأت باقتحام مواقع وتمركزات العدو، وزلزلت الأرض تحت أقدام مجموعات الحشد المليشاوي الذين لم يجدو ملاذا غير التراجع وترك مواقعهم أمام كثافة نيران أبطال القوات المسلحة"، بحسب تعبيرها.

ونجح الجيش الليبي في التقدم في عدة مواقع حيث أكد المتحدث باسم اللواء 73 مشاة التابع للجيش المنذر الخرطوش، اليوم الجمعة ،أن قوات الجيش الليبي حقّقت تقدّما ميدانيا كبيرا في كافة محاور القتال جنوب طرابلس ،سيتم الإعلان عنها خلال الساعات القادمة حسب الآوامر.وأوضح الخرطوش ،أن قوات الوفاق منيت بخسائر كبيرة في محاور عين زارة والخلة وطريق المطار والعزيزية بعد اشتباكات مع الجيش الذي غنم آليات وأسلحة.

 وقبل ذلك أعلنت شعبة الإعلام الحربي أن الفرق العسكرية بالقوات المُسلحة تُحكم السيطرة على امتداد الطريق الرئيسية بمنطقة الساعدية وصولًا إلى منطقة التوغار.مؤكدة في بيان مقتضب على صفحتها الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أن قوات الجيش بسطت سيطرتها على مقر كلية ضباط الشرطة في منطقة صلاح الدين.

كما تمكنت قوات الجيش الليبي، من فرض سيطرتها على معسكر حمزة جنوب العاصمة طرابلس.وأكدت مصادر عسكرية مطلعة، أن قوات الجيش الليبي سيطرت على معسكر حمزة، الواقع بمنطقة مشروع الهضبة بالجنوب الشرقي للعاصمة والذي يبعد بمسافة 4 كم تقريبا عن طريق الشط المؤدية لقلب طرابلس، لافتة إلى أن الاشتباكات متواصلة في أكثر من محور بجنوب طرابلس.

وتشير هذه التطورات الى تفوق ميداني كبير للجيش الليبي وهو ما أكده اللواء أحمد المسماري، المتحدث باسم القيادة العامة،الذي قال إن "الجيش الليبي يمتلك التفوق العسكري، والجوي تحديدًا على العدو".وأضاف المسماري في بيان نقلته وسائل إعلام:"لدينا سيطرة جوية ومدفعية كاملة على العدو في طرابلس".وأوضح أن "الجيش الليبي،يقوم بعمليات نوعية ضد أهداف لميليشيات الوفاق في طرابلس"، مشيرًا إلى أن "نداء القائد خليفة حفتر للميليشيات، من أجل إلقاء السلاح هو الأخير".

وفي المقابل،نفى عبد المالك المدني، الناطق الرسمي باسم مكتب الإعلام الحربي التابع لقوات حكومة الوفاق في تصريح صحفي اليوم الجمعة تقدم الجيش الليبي وسط طرابلس. وأكد في تصريحات للحرة  أن الأوضاع تحت سيطرة قوات حكومة الوفاق الوطني، مشيرا إلى أن عمليات الكر والفر مستمرة بالوتيرة ذاتها التي جرت خلال الأسابيع والأشهر الماضية.وأضاف المدني أن قوات الوفاق دفعت بتعزيزات إلى محاور القتال للتصدي لمحاولة قوات الجيش الأخيرة، مبينا أن هذه المحاولة للتقدم ستنقلب إلى "فشل جديد" كما جرى في الأشهر الماضية على حد تعبيره.

ياتي ذلك فيما أعلنت غرفة عمليات بركان الغضب التابعة لقوات الوفاق، اليوم الجمعة، أن قواتها فرضت سيطرتها على منطقة التوغار جنوب العاصمة طرابلس بعد اشتباكات خاضتها مع الجيش الليبي.وقالت الغرفة، عبر صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، إن قواتها قامت أيضا بتدمير آليات ومدرعات تابعة للجيش الليبي.

الصراع العسكري تزامن أيضا مع صراع سياسي محتدم كشفت عنه حرب البيانات بين الحكومة المؤقتة،شرق البلاد،وحكومة الوفاق في العاصمة.ففي بيان لها دعت وزارة الخارجية والتعاون الدولي بالحكومة المؤقتة كافة السفارات والقنصليات والبعثات والمندوبيات الليبية بالخارج للانحياز إلى الشرعية المتمثلة في الحكومة المؤقتة المنبثقة عن مجلس النواب وإلى القوات المسلحة. 

وطالبتهم الوزارة بأن يعلنوا ذلك بشكل واضح و أمام العالم ،قائلة انه لا حياد في معركة الوطن ومحاربة الإرهاب ونهاية المليشيات،مؤكدة ان القوات المسلحة الليبية  تسطر ملاحم البطولة و التضحية بالعاصمة طرابلس لتحريرها من الإرهاب والمليشيات نحو استعادة الدولة، أمنة مستقرة، في ظل ليبيا الجديدة دولة القانون والمؤسسات.

وفي المقابل،نفى مكتب الإعلام بوزارة الخارجية بحكومة الوفاق صحة البيان الذي تم تداوله عبر بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والذي يشير إلى أن موظفي السفارة الليبية في القاهرة انحازوا إلى الحكومة الليبية المؤقتة.واكد مكتب الإعلام أن هذا البيان مزور ويحمل ختمًا مزورًا وأن من كتب وأعلن هذا البيان هم مجموعة اقتحمت السفارة في محاولة منها للابتزاز والحصول على المال، وأن هذه المجموعة لا تنتمي للسفارة ولا تربطها أي علاقة وظيفية معها.

بأتي ذلك فيما قلل رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق،فايز السراج، اليوم الجمعة، من أهمية إعلان خليفة حفتر ساعة الصفر.وقال السراج في بيان متلفز: "لا ساعة صفر سوى صفر الأوهام ولا سيطرة ولا اقتحام لطرابلس وأحيائها".وانتقد رئيس المجلس الرئاسي الليبي من سماهم بـ"المتدخلين الخارجيين الداعمين للحرب ولمغامرات العسكر"، داعيا إياهم إلى ترك الليبيين وشأنهم.وفق تعبيره.

ومنذ أبريل الماضي، أطلق الجيش الوطني الليبي عملية "طوفان الكرامة" بهدف إنهاء نفوذ المليشيات المسلحة في العاصمة الليبية.لكن حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج سارعت لعقد تحالفات مع المليشيات لصد قوات الجيش الليبي التي نجحت خلال الأيام الأولى للمعركة في السيطرة على عدة مدن ومناطق إستراتيجية على تخوم العاصمة طرابلس ليتباطئ تقدمها بعد ذلك وأرجع مسؤولون عسكريون تأخر الحسم الى اصرار الجيش الليبي على حماية المدنيين.

وتشير التطورات الحالية الى أن المعارك المحتدمة تعتبر المرحلة الأخيرة في معركة طرابلس بعد دفع الجيش الليبي بالتعزيزات والدعم خلال الأيام الماضية،وهو ما يؤكد أن الساعات أو الأيام القليلة الماضية ستكون حبلى بالأحداث والتطورات.ويرى مراقبون أنه وبالرغم من التحالفات التي كونتها المليشيات ضد الجيش الليبي فإن الأخير يمتلك نقاط قوة أبرزها التنظيم العسكري في مقابل فوضوية المليشيات ناهيك عن الخبرة التي اكتسبها خلال المعارك الماضية في شرق وجنوب البلاد،وهو ما يجعله قادرا على حسم المعركة في المرحلة القادمة.