وصف الكاتب الصحفي علي الهلالي، المفكر الليبي الراحل الصادق النيهوم، بأنه "ظاهرة فكرية ثقافية لن تتكرر على المدى القريب.

كما وصف الهلالي، النيهوم بأنه "المتمرد" والفارس في معركة القضايا الجدلية، ولذي كان يتسلح بثقافته ويتكأ على معرفته للدفاع عن أطروحاته وأفكاره غيرالتقليدية والتي تسبق عصره.

وللحديث بشكل أكثر تفصيلا عن الراحل "الصادق النيهوم"، كان لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية" حوار مع الكاتب الصحفي علي الهلالي لتسليط الضوء على مشروع النيهوم الفكري، ونظرته للمجتمع الليبي والغربي وغيرها من النقاط... وإلى نص الحوار:  

 

 

في البداية.. حدثنا عن نشأة الصادق النيهوم.. ونبذة عن مشروعه الفكري؟

الصادق النيهوم يمثل شخصية الليبي الذي نشأ في شوارع بنغازي، ومدينة بنغازي في تلك الفترة كانت توصف بأنها "ربايت الذايح" بمعنى أن بنغازي كانت تحتضن الجميع أو أنها المدينة الحاضنة، فليبيا مرت بها سنوات عجاف في بداية الستينات وواجهت عدد من الأزمات مثل المجاعة، والفقر، والجوع، والحرمان، ولكن بنغازي كانت تتميز بنوع من الطبيعة سواء في تكوين أهلها البدوي الجميل، فكانت البداوة تتميز بسمات جميلة جدا مثل أن تكرم الضيف وتعاون الجار وتغيث الملهوف، وبنغازي لم تكن استثناء عن باقي المدن الليبية في ذلك الوقت.. والصادق النيهوم نشأ من هذه القيم الجميلة والتي انعكست على تكوين شخصيته ومعاملاته مثله في ذلك مثل أي شباب أو أي طفل أو أي مولود شات له الظروف أن يعيش في بنغازي فنشأة النيهوم لم تكن استثناء، ولكن النيهوم يمثل استثناء في مرحلة ما بعد ذلك، وذلك حين دخل معترك الثقافة والأدب، لكن في بدايته نشأ في حواري بنغازي، التي كانت تضم جميع أطياف الشعب الليبي من مختلف المدن والمكونات الثقافية، فلم يكن يوجد في هذا الوقت مسألة الانتماء الضيق، وحتى الخطاب القبلي لم يكن معمولا به في تلك الفترة.

كيف كانت رؤية النيهوم تجاه المجتمع الليبي؟

الصادق النيهوم باختصار كان ثورة في عالم الإبداع الفكري والثقافي، وهذا نستقرأه ونستشفه من نتاج عمله الإبداعي الفكري، ويمكننا أن نضع عنوان لهذا الرجل بأن نقول إنه رجل كان يسبق عصره، وذلك باعتبار أن ما قدمه النيهوم كان يسبق تلك الفترة بكثير، مثل طرحه لأفكار كانت تعتبر "تابو" بالنسبة لليبيين أو بالنسبة للعرب أو المجتمع الإسلامي في ذلك الوقت، كما قدم النيهوم مشاريع كانت مثار جدل كبير جدا، فالصادق النيهوم كان مثير للجدل، ولكنه كان يقدم نموذج يمكن أن يعيش فيه العالم العربي الآن.

وماذا عن نظرته للغرب؟

الصادق النيهوم، كان كاتب متمرد، لكن التمرد عند النيهوم كان يحمل قيم ثقافية وأخلاقية، فالتمرد هنا لم يكن بالمعنى السيء للتمرد، فعندما يتمرد الإنسان على قيم بالية يعتبر تمرد جميل، فالله خلق الإنسان ليبحث عن الأفضل ويستشرف المستقبل ويبحث عن آمال أخرى، والمبدع عادة هو الشخص الذي يتخيل عالم ويبنيه وينسجه من خيالاته، ويحاول أن يجعله واقع ملموس على الأرض، فالصادق النيهوم كان متمرد على كل الأشياء التي لا ترقى إلى مستوى الإبداع الفكري، ولكنه لم يجد في تلك الفترة من يجاريه في أطروحاته وطرحه للأفكار، ويمكننا القول إنه كان لديه اقتراب جذري بينه وبين المعطيات التي خرجت في ليبيا بعد ذلك حيث تمازج الخطاب الثقافي والإعلامي مع الخطاب السياسي في ليبيا.

 

الصادق النيهوم واجه انتقادات كثيرة.. فكيف كان يرد على تلك الانتقادات؟

النيهوم كان محل انتقاد باستمرار لأنه تعرض لأشياء تسمى بـ"مسكوت عنها"، ففي المجتمع العربي عموما نجد قضايا تعتبرها الشعوب بأنها "تابوهات مخيفة" لا يجب الاقتراب منها، مثل مسألة الدين، وعلاقة الإنسان بربه، والإنسان بدينه ووطنه، والكثير من الأشياء التي تعتبرها الشعوب العربية خط أحمر لا يجب تجاوزه، ولا يجب أن يتم الاقتراب منها حتى الاقتراب، فهي جميعها تدخل في إطار "المسكوت عنها"، لكن الصادق النيهوم، تجاوز هذه الحدود، فهو كاتب يستطيع أن يدير دفة الحوار وكانت معاركه كلها رابحة، لأنه كان يتكأ على قاعدة صلبة، وهي ثقافته العالية واطلاعه على الكثير من الثقافات العربية والأوروبية أيضا، مما جعله يحمل رؤية مغايرة، وكان يؤكد دائما أنه لا علاقة للعرب بالتخلف، بل بالعكس العرب مبدعين ومتقدمين أكثر من الغرب.

 

كان النيهوم متقنا للغات الميتة.. كيف أثر ذلك في كتاباته وقراءته للتراث؟

عندما يمتلك الكاتب أدوات عدة، تكون كلها بمثابة الأسلحة في معركته، والكاتب عادة يحمل رسالة ويحمل رؤية أو يكون لديه رؤية لما يحدث وتكون رؤيته تجسيد أو تخيل للواقع، لكن الصادق النيهوم كان خارج هذا الأسر فهو لم يكن مأسور بهذه الفرضية، فكان يتمرد من خلال أدبه والذي كان متميز جدا، وكان يمثل ثورة في عالم الثقافة، لدرجة أن يمكنا القول إنه أكثر أديب عربي تعرض للانتقاد والهجوم، وذلك لأن الآخرين لم يكونوا في مستوى مجارات هذا الطرح، فما كان يطرحه الصادق النيهوم كان يسبق تلك الفترة وبالتالي قدرة الآخرين من المثقفين أو النقاد في تلك الفترة التي كان بها النيهوم كانت أقل أو أدنى مستوى من هذه الرؤية، وبالتالي كانوا قاصرين على ما يرمي إليه أي قاصرين على رؤية الحقيقة، ومن هنا خلقت حالة الصدام بينهم وبين الصادق النيهوم.

ماذا عن مشروع الصادق النيهوم الروائي؟

الصادق النيهوم كان يمثل ثورة في عالم الفكر، والثقافة، والأدب، والقصة، والرواية، وحتى ما يطرحه من رواية كانت تسبق ذلك العصر، بمعنى أن الصادق النيهوم قدم رؤية مختلفة جدا خصوصا فيما يتعلق بكتبه إسلام ضد الإسلام، والإسلام في الأسر، ومجموعة الكتب التي أثارت جدل كبير جدا، ولكن لابد وأن نشير إلى أن مسألة الابداع في ليبيا في السنوات التي سبقت 2011 كانت مسألة طبيعية جدا، وكان هناك إمكانية ووسائل تساهم في فتح آفاق الإبداع، وذلك لأن من كان يدير الأمور في ليبيا – وهنا نشير إلى القائد معمر القذافي- ومن كان يقوم حتى الثورة السياسية في ليبيا كان مبدع، وكانت له علاقة بالكتابة وبالأدب والثقافة، فالقذافي لم يكن مجرد رجل سياسي أو عسكري بل كان يحمل مشروع ثقافي ومشروع سياسي ومشروع اقتصادي، وبالتالي وجد الصادق النيهوم في هذه البيئة ما مكنه من تحقيق جزئية من طموحاته، فكان الصادق النيهوم آنذاك هو رسول بنغازي أو رسول ليبيا إلى العالم، وحمل رسالة إلى العالم بأننا شعب قادر على الإبداع عن طريق تجاوزه للأفق الضيقة التي وضع العرب تحديدا أنفسهم بها، فحين يكون الإنسان متمكن عميق الثقافة ويمتلك المفردات والأسلوب الذي يمكن أن يعبر به عن أفكاره ويطرحها يصبح المشروع حقيقي وقائم.

 

ماذا عن جدالات النيهوم الفكرية ورده على خصومه عبر المجلات والصحف؟

يمكنا القول بإن الصادق النيهوم كان فارسا، أو كان الفارس الذي عندما يدخل المعركة يكون انتصاره قوى، وخاصة في القضايا الجدلية، لماذا؟ لأن النيهوم لم يكن دخيل أو لم يكن يقدم فكر طرفي أو فكر صالونات بل كان يقدم فكر من الشارع ورؤية للناس وهو من الناس وإلى الناس، فحتى القضايا التي يمكن أن يفكر بها الإنسان بينه وبين نفسه تناولها النيهوم في كتاباته، ونحن الآن في عصرنا الحالي بدأنا في الاقتراب بعض الشيء من قضايا كانت تناولها النيهوم في السابق.

 

كان للنيهوم رسائل كثيرة.. فما هي رسالة الأقرب إليك.. وهل لديك رسالة تختلف معه فيها؟

من أكثر رسائل النيهوم التي أؤمن بها، عندما كان يقول "إن الإنسان إذا أراد أن يبدع فسيكون قادر على الإبداع" وأيضا "يجب ألا نغلق تفكيرنا على نمط أو سقف معين أو درجة معينة لأن الله خلق فينا عقل ومنحنا القدرة على التفكير والأشياء التي خلقها الله كاملة مكملة وتسعى إلى الكمال"... وبالنسبة للاختلاف مع أحد رسائله، فلا يوجد شيء، فأنا أتمنى أن أكون بما يرتقي أو بما يستطيع أن يستوعب ما يكتبه الصادق النيهوم، ولا اختلف معه بل بالعكس أن اعتز أنني من بلد أنجبت الصادق النيهوم وأنجبت مثل هؤلاء من كبار الأدباء والمثقفين.