إشكالات عدّة لا تزال تدور حول هذا الرجل الظاهرة الذي تمكن من طرح العديد من الأسئلة،  ليس فقط على الجيل الذي عاصره،  بل على الأجيال القادمة التي ستأتي.

 الصّادق النيهوم تمكّن من خلال الرصيد المعرفي الذي راكمه من أن يستهدف أطوارًا  من حياة وتاريخ العرب والمسلمين في حالة صعود وهبوط مستمرة،  وبالتالي فقد صمم لها في ما أتاحه له عمره القصير فضاءات تتحرك فيها مفكرة فيها ومحللة لتعقيداتها ومفككة لتفاصيلها.

وكان النيهوم يعدّ الجهل نقيضاً للصحة العقلية وليس نقيضاً للمعرفة،  فالجاهل في رأي النيهوم ليس دماغاً أبيض ممسوحاً لا يضمّ في داخله سوى الفراغ بل يفترض أن الجاهل يمتلك دماغاً ممتلئاً حتى حافته بأشكالٍ خاصةٍ من المعارف الخاطئة،  ولذلك يكون "الجهل أشد فتكاً من الجنون أو العقل الفارغ".

من ذلك، إرتكز المنحى التنويري لدى النيهوم على أساس القضاء على الجهل و الخوف لدى الفرد العربي المسلم المعاصر الذي لا يزال منخرطا في منظومة في فكرية متخلفة قوامها الصراع مع الجن والأرواح الغامضة ووسطاء السحرة وأعمال المشعوذين.

يمكن أن نستشفّ هنا أن نظرة المفكّر للتنوير بأنه قائم أساسا إعادة "سلطة العقل إلى العقل وحده" وليس سلطة الشيخ على العقل أو سلطة الدكتاتور على العقل بالتالي فإن المنظومة الفكرية التي لا تستند على  وعي الحياة والوجود من خلال مفهومات تستند إلى العلم التجريبي يصنّفها على أنها تنوير غير حقيقي وغير فاعل.

الرؤية التنويرية لدى النيهوم القائمة على تفكيك الوعي السائد و إعادة تركيبه على أسس عقلية علمية جعلت منه في صراع محتدم مع القوى التي تتناقض مع مشروعه الفكري داخل مجتمعه و التي لمست تهديدا لوجودها من خلال مشروع النيهوم و هو أساسا تيار الإسلام السياسي الذي "الذي يدعي لنفسه فكرة العودة إلى الأصالة ورفض المعاصرة،  متجاهلاً حقائق مادية ملموسة تدلّ على درجة تطور العلم والمعرفة والحياة لدى الآخر".

فهذا التوجّه الرّجعي يقف حائلا أمام الإسلام السياسي لممارسة نقد التراث أو الهروب من الفعل النقدي خوفا من الخسائر السياسية و الإلتجاء للمناورة من خلال إلباس هذا التراث حللاً حداثية.

لم يكن النيهوم تجريديًّا أو مطنبًا في التنظير حيث لم تنفصل مباحث التنوير لديه عن بيئته الاجتماعية والسياسية والفكرية إذ تناولت دراساته التنويرية مسائل  التخلف الاجتماعي وتخلف الفكر الديني السائد.

وناقش تنوير النيهوم مسائل مهمة كموضوع الحجاب لدى المرأة المسلمة وطبيعة المجتمع العربي الذكورية،  إضافة إلى نقد الإسلام السياسي والموقف من الديمقراطية.

وتناول الكاتب قضايا مجتمعية مفصلية كتشخيصه لطبيعة هذا المجتمع بأنه مجتمع رجالٍ أي مجتمع تقوم رؤاه وممارساته على أساس ثقافة ذكورية لا ثقافة إنسانية يبنيها الرجل والمرأة على السواء.

حيث يقول النيهوم في مقدمة كتابه "فرسان بلا معركة": "مجتمعنا مجتمع الرجال،  وذلك لا يعني بالطبع أن جميع مواطنينا من الذكور فقط،  بل يعني بتفصيل أكثر أنه إذا أُتيحت لك الفرصة ذات مرةٍ لكي تتعرف على ثقافتنا من الداخل فلا بدّ أن تكتشف فوراً أنها غير محايدة تسودها وجهة نظر الرجل وحده،  إنّ الفكر الذي ينظر إلى العالم من وجهة نظر الرجل وحده هو فكر متحيّز وغير قادر على التزام الحياد وفق خاصيته،  لكنه يرى الأشياء بعين الرجل ويتجاهل عين المرأة والطفل،  ويتجاهل أيضاً أن هذا الخطأ بالذات يجعله يبدو من الخارج بمثابة فكرٍ أعور،  إنه مُعد لكي يرى نصف الحقيقة فقط".

من جانب آخر، يعتبر النيهوم أن"مشكلة الحجاب ليس بكونه فكرة يهودية خالصة وإنما في القيمة التي يسعى إليها الفقيه المسلم ومعلمه العبراني من قبله إلى إلباسها للمرأة بوجودها الجسدي والمعنوي،  تماماً هذا هو السرُّ الذي يُخفيه الحجاب خلفه فيجعل من المرأة عاراً وجسداً نجساً يجب ستره. على هذا يبدأ مسار تحرير المرأة من فك الرموز والأحجيات التي تحوم حول وجودها لنصل بعد ذاك إلى (المرأة الجديدة) التي يحدثنا عنها المفكر المصري الراحل قاسم أمين".

بالتالي فإن إلزام المرأة بحجب شعرها فضلا عن إستبعاد صوتها بحكم أنه عورة لا يجوز كشفها لا يعدّ حسب النيهوم إلا بروباغندا رجالية بغاية إقصاء المرأة من لعب دور مجتمعي مرموق من خلال حرمانها بحكم الشريعة من تولي مناصب مهمة.

لذلك يقول النيهوم: "حُرمت المرأة المسلمة شرعاًمن حق المشاركة في مسائل الدين وتمّ إقصاؤها عن ميدان التشريع الذي سخره الفقهاء لخدمة أمراء الإقطاع على غرار ما حدث في الكنسية الكاثوليكية. ويرى النيهوم أن النص القرآني: "وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا".

كما أن رؤية النيهوم التنويرية تضع ضمن أولوية إهتماماتها مسألة التعليم في العالم العربي  حيث وجّه سهام النّقد لمناهج التعليم المسخّرة لخدمة السلط السياسية من خلال توجّه برمجة العقول و تسطيحها لمنعها من تكوين ملكة نقديّة من خلال تسييجها في إطار تفاسير فقهاء الدّين إذ أشار النيهوم في هذا الإطار:"خلال الخمسين عاماً التالية كان نظام التعليم قد أصبح وسيلة شرعية لتسليم ملايين الأطفال العرب في عهدة فقيه جاهل يتولى حشو أدمغتهم بمعلومات موجهة عمداً لشلّ عقل الطفل وتدمير قدراته على التفكير المنطقي".

لقد طرق النيهوم مواطن الإنسداد الحضاري الذي يعيشه العالم العربي المسلم و كان له مشروعا تنويريا متفرّدا إلا أنه  رحل قبل أن يصل إلى خاتمة مقاله البحثي في نقد "الفكر الديني"والمساهمة في تحرير الإسلام من الأسر.