الحروب لها آثار كارثية ومدمرة لكل شئ ، وتزداد آثارها تدميرا مع التطور الذي يطرى على ترسانات الأسلحة وقوتها التدميرية ، وتتعاظم آثارها على الأبرياء وأخص هنا المدنيين والأطقم الطبية وجميع أفراد الخدمات الصحية الذين يقدمون حياتهم من أجل سلامة ضحايا الحروب ، ولهذا نشأ قانون الحرب الذي تغير بعد ذلك للقانون الدولي الإنساني  ، والذي كان في مؤتمر جنيف الأول  لعام  ( 1863 ) تناول حماية أفراد الخدمات الصحية أثناء النزاعات المسلحة وفي عام ( 1864 ) نصت إتفاقية جنيف على تحسين حال جرحى المعارك ، وحماية العاملين الصحيين ، وعلى أهمية حمل شارة مميزة من أجل توفير الحماية ، وكان أول تطبيق للاتفاقية في حرب النمسا وبروسيا عام ( 1866 ) وثلثها عدة إتفاقيات بعدها لحماية العاملين الصحيين ومنها إتفاقيات جنيف الأربعة عام ( 1949 ) والبرتوكولات الإضافية لعام ( 1977 )

ونصت المواد 18 و 19 من إتفاقية جنيف الاولى المنوطين بتوفر الحماية للمنشآت الصحية والعاملين الصحيين على النحو التالي 

المــادة (18)

لا يجوز بأي حال الهجوم على المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والنساء النفاس، وعلى أطراف النزاع احترامها وحمايتها في جميع الأوقات.

على الدول الأطراف في أي نزاع أن تسلم جميع المستشفيات المدنية شهادات تثبت أنها مستشفيات ذات طابع مدني وتبين أن المباني التي تشغلها لا تستخدم في أي أغراض يمكن أن يحرمها من الحماية بمفهوم المادة 19.

تميز المستشفيات المدنية، إذا رخصت لها الدولة بذلك ، بواسطة الشارة المنصوص عنها في المادة 38 من اتفاقية جنيف لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان، المؤرخة في 12 آب / أغسطس 1949.

تتخذ أطراف النزاع، بقدر ما تسمح به المقتضيات العسكرية، التدابير الضرورية لجعل الشارات التي تميز المستشفيات المدنية واضحة بجلاء لقوات العدو البرية والجوية والبحرية، وذلك لتلافي إمكانية وقوع أي عمل عدواني عليها.

وبالنظر للأخطار التي يمكن أن تتعرض لها المستشفيات نتيجة لقربها من الأهداف العسكرية، فإنه يجدر الحرص على أن تكون بعيدة ما أمكن عن هذه الأهداف.


المــادة (19)

لا يجوز وقف الحماية الواجبة للمستشفيات المدنية إلا إذا استخدمت، خروجاً على واجباتها الإنسانية، في القيام بأعمال تضر العدو. غير أنه لا يجوز وقف الحماية عنها إلا بعد توجيه إنذار لها يحدد في جميع الأحوال المناسبة مهلة زمنية معقولة دون أن يلتفت إليه.

لا يعتبر عملاً ضاراً بالعدو وجود عسكريين جرحى أو مرضى تحت العلاج في هذه المستشفيات، أو وجود أسلحة صغيرة وذخيرة أخذت من هؤلاء العسكريين ولم تسلم بعد إلى الإدارة المختصة.

واستهداف الجرحى والمصابين والمرضى من المدنيين والأطقم الطبية يرقى لمستوى جرائم الحرب التي تقع تحت طائلة المادة الثامنة ( 8 ) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية

ولهذا يعتبر انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني أي استهداف للمنشآت الطبية وسيارات الإسعاف وأفراد الخدمات الصحية من أطباء وتمريض وفنيين وإداريين والمرضى والجرحى والمترددين وسائقي سيارات الاسعاف والانقاذ والطوارئ

، والمستشفى الأهلي العربي المعمداني والذي انشئ في عام ( 1882 ) ويقدم خدماته الطبية من ذلك التاريخ لجميع سكان حي الزيتون ، وكافة سكان مدينة غزة المكلومة ، وما حدث له يوم 17 أكتوبر 2023 من استهداف مدمر مباشر ومتعمد من الكيان الصهيونى ، هو جريمة حرب ومجزرة حقيقية ، راح ضحيتها المئات من   القتلى والالاف من الجرحى من المدنيين وأغلبهم من النساء والأطفال وكبار السن الذين مزقت أجسادهم وجعلتهم أشلاء متفرقة ومحترقة ومتفحمة ، وتحول المستشفى لبركة من الدماء وامتلاءت ساحته بالجثث والاشلاء ..

والجرائم  الاخرى وتعتبر اعدام جماعي متعمد هي قطع الكهرباء والمياه عن المنشآت الصحية ، ومنع دخول الأدوية والمستلزمات والمعدات الطبية للمستشفيات ، وإنذار المستشفيات بالإغلاق وبالإخلاء الطبي، هذه جرائم بشعة غير مسبوقة ..

ويموت كل لحظة الطبيب والمسعف والجريح ، وتدمر المدارس والمساجد والكنائس ومقرات الهلال والصليب الاحمر ومقرات الإغاثة الانسانية الدولية على رؤوس الناس الأبرياء ..

إن القانون الدولي الإنساني ، إن لم يجد الاستجابة التلقائية من أطراف النزاع ، أو التطبيق الفوري والصارم على المتنازعين أو ردع المعتدي ستظل المستشفيات والعاملين الصحيين والمرضى وجرحى الحروب والمدنيين في خطر.