تجاوز الأربعينات بسنوات قليلة ،متخرجٌ من كليّة عسكريّة ليبية وحاصل على رتبة نقيب في العام 2009 ،ثمّ رُقيّ في العام 2017 الى رتبة رائد ،يقف محمود الورفلي وسط دائرة الأضواء في المشهد الليبي المأزوم بإنقسام سياسي وعسكري حاد ،على خلفيّة ما يواجهه من إتهامات متجدّدة بقيامه بإعدامات وتصفيات خارج القانون ودون محاكمات .

الورفلي آمر الدوريات في كتيبة الصاعقة ،التشكيل العسكري الأقوى في صفوف الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر والتابع لمجلس النواب الليبي المنعقد في مدينة طبرق الساحليّة شرق البلاد ،والمنتمي لتيارٍ "سلفيّ" يقاتل الكثير من المنتمين له إلى جانب قوات الجيش الليبي وضمنه ،يواجه إتّهامات من محكمة الجنايات الدّوليّة على خلفيّ تقارير قالت أنّها تثبت إدانته في أعمال قتل خارج القانون وإرتكاب جرائم حرب .

آخر المشاهد التي أعادت الورفلي الى دائرة الأضواء ،وعلى هامش الحدث الكبير الدّامي في ليبيا هذه الأيّام ،أي التفجير الإرهابي المزدوج الذي إستهدف مسجد بيعة الرضوان في مدينة بنغازي والذي خلّف أكثر من 30 قتيلا وعشرات الجرحى ،هي قيامه بتصفية 10 أسرى في نفس مكان التفجير ،حيث انتشرت صور للورفلي على مواقع التواصل الإجتماعي وهو يعدم عشرة أشخاص يرتدون أزياء زرقاء بالرّصاص.

وكانت محكمة الجنائية الدولية أصدرت أمرا في أوت/أغطس من العام الماضي باعتقال محمود الورفلي، موجهة له اتهامات بإعدام عشرات السجناء.

وقالت المحكمة في تقريرها إن الورفلي متهم بارتكاب إعدامات تصنف كجريمة حرب خلال سبع وقائع شملت 33 سجينا في يونيو/حزيران، ويوليو تموز 2017 في بنغازي ومناطق قريبة منها.

وهي دعوة ردّت عليها القيادة العامة للجيش الليبي بإعلان إيقاف للورفلي وإحالته للتحقيق .

وقال حينها الناطق الرسمي بإسم قوّات الجيش الليبي العميد أحمد المسماري أنّ الإيقاف كان بأمر من القائد العام المشير خليفة حفتر ،مضيفًا في كلمة مسجّلة متوجها بها الى مجكمة الجنايات الدّولية "ونحيطكم علما بأن المتهم في دعوتكم القضائية الرائد محمود مصطفي الورفلي يخضع الآن للتحقيق أمام المدعي العام العسكري في ذات القضايا المنسوبة له في صحيفة الدعوة وهو رهن التوقيف منذ تاريخ التكليف الصادر بالتحقيق من السيد القائد العام للقوات المسلحة العربية الليبية".

إجراء ردّت عليه فاتو بنسودا، المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، أمام مجلس الأمن الدولي في إفادتها الدورية بشأن الوضع في ليبيا  في نوفمبر الماضي بالقول أن "بعض التقارير تشير إلى اعتقال الورفلي، فيما تلقى مكتبها تقارير أخرى تفيد بأنه لا يزال طليقا".

وقالت المدعية العامة في إفادتها: " أؤكد أنه بغض النظر عما أفيد عن إجراء تحقيق داخلي محتمل في الوقت الراهن، فإن على ليبيا التزاما قانونيا ينبع من قرار مجلس الأمن رقم 1970، يحتم اعتقال وتسليم السيد الورفلي إلى المحكمة الجنائية الدولية على الفور".

مطالبة القائد العام للجيش الليبي أن "يظهر عبر القيام بعمل حاسم الاحترام للعدالة الدولية من خلال ضمان نقل السيد الورفلي على الفور إلى السلطات الليبية، كي يسلم إلى المحكمة من دون تأخير" وفق تعبيرها.

وكان الورفلي قد ظهر في مقاطع فيديو تظهر قيامه بإعدامات ميدانيّة قيل أنها عناصر تنتمي لـ"الجماعات الإرهابيّة" التي تقاتل الجيش الليبي في مدينة بنغازي شرق البلاد ،والتي أدانتها منظمات حقوقية دولية ومحليّة كثيرة .

الورفلي الذي كان قد قدّم إستقالته سابقًا من قوّات الصاعقة على خلفيّة إتهامات داخليّة  بالهجوم مركز للشرطة في بنغازي ،عاد للظهور من الجديد بعد أشهر ،بعمليّة اعدام جماعي جديدة لعشرة أشخاص على خلفيّة تفجير مسجد بيع الرضوان الثلاثاء في بنغازي.

ويعتبر الورفلي من أكثر القادة العسكريين في صفوف الصاعقة الذي خاضوا معارك ضد الجماعات المسلحة في المدينة ،ومن القيادات العسكريّة الهامة التي ساهمت في هزيمة هذه الجماعات ودحرها من كل معاقلها في ثاني كبرى المدن الليبية  ،كما يحضى الورفلي بشعبية كبيرة في صفوف المقاتلين خاصة التابعين منهم لـ"التيار السلفي" الذي ينتمي الكثيرون من "أتباعه" الى القوات المساندة للجيش الليبي شرقا وغربا أو حتى المنضوية تحته .

وبرز "نجم" الورفلي كقائد عسكري ناجع من خلال كتيبة "التوحيد" السلفيّة في العام 2014 مع انطلاق عملية الكرامة التي أطلقها القائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر في منتصف مايو من نفس العام ،قبل أن يتسلّم مهاما قيادية في القوات الخاصة (الصاعقة) ،والتي كانت تستهدف حينها "تطهير مدينة بنغازي من الجماعات الإرهابية" التي ظلت لأكثر من ثلاث سنوات تسيطر على المدينة وتنفّذ عمليات اغتيالات واسعة لعسكريين ومدنيين ومثقفين وصحفيين ونشطاء في المجتمع المدني .

محمود الورفلي الذي ينفّذ عمليات التصفية بخلفيات دينيّة واضحة من خلال سرده للتبريرات الفقهية والعقائدية بشكل يرتقي الى ما يشبه "طُقوسا" تمسرحُ المشهد ،قبل كلّ عمليّة قتل واعدام لمن يسمّيهم بـ"الخوارج" ،ومحمود الورفلي المطلوب -متّهمًا- من محكمة الجنايات الدّوليّة ،ورغم كل ما صدر في حقّه من قرارات ايقاف وتحقيق من قبل قيادة الجيش الليبي ،يواصل تنفيذ عملياتَ تصفيةٍ بالرّصاص ،تثيرُ في كلّ مرّة عشرات البيانات المحليّة والدّولية المشحونة بالإستكنار والتنديد .