تعتبر فئة الشباب في تونس من أكبر المتضررين من انتشار ظواهر خطيرة بدأت تنخر النسيج الحيوي للمجتمع في أهم رافد, أو بالأحرى في أبرز مكون له, خلال السنوات التالية لسقوط النظام السابق.

ويعد ارتفاع مؤشرات البطالة والمخدرات والإرهاب في صفوف الشباب ثلاثية مفزعة ومؤرقة للتونسيين, سواء بالنسبة للسلطات الحاكمة, أو للمواطنين, وذلك بالرغم من التحسن الأمني اللافت منذ وصول الحكام الجدد إلى السلطة إثر انتخابات أكتوبر 2014, إلا أنه, وبالرغم من انخفاض مؤشر التحاق الشباب التونسي بالتنظيمات الإرهابية في بؤر النزاع منذ 2015, تظل ظواهر استهلاك المخدرات, وأساسا القنب الهندي, أي ما يسمى في تونس بـ "الزطلة", بالإضافة إلى البطالة والجريمة والعزوف التام عن المشاركة في الشأن الوطني, من السلوكيات المحفوفة بالمخاطر التي تطرح أكثر من تساؤل و تدق بشدة ناقوس الخطر لبلد يعيش مرحلة إنتقال ديمقراطي هش مقابل تحقيق بعض المنجزات والمكاسب, كما يخوض حربا على افة الإرهاب, بالتوازي مع الحرب على تردي منسوب التنمية, خاصة بالمناطق الداخلية وإنعدام فرص العمل بالنسبة لخريجي الجامعات, التي تعتبر بطيئة جدا, أو متعثرة التنفيذ, وفق مراقبين.

عن جميع الظواهر أنفة الذكر وآليات التصدي لها ومجابهتها, تحدثت وزيرة شؤون الشباب والرياضة التونسية ماجدولين الشارني لـ "بوابة إفريقيا الإخبارية" في الحوار التالي:

بداية كيف تشخصون تعرجات واقع الشباب التونسي خلال السنوات الأخيرة في علاقة بظواهر البطالة والجريمة والمخدرات والهجرة غير الشرعية والإرهاب؟ وهل من حلول لمجابهة هذا الوضع؟

هذه الظّواهر موجودة في سائر الدّول العربية وفي العالم عموما وليست حكرا على الشباب التونسي، لذا فالإرهاب اليوم أصبح ظاهرة منتشرة في كل مكان، إقليميا ودوليا.

أما بالنسبة لظاهرة المخدرات، فتونس لديها اليوم قانون مخدرات جديد يرتكز أساسا على الإحاطة والعقوبة البديلة ويقطع مع الطابع الزّجري والرّدعي لقانون 52، ونحن دُعينا من قبل لجنة التّشريع العام بالبرلمان للإدلاء بتصوّراتنا ومقترحاتنا لحماية الشباب من هذه الآفة.

الإحصائيات التي أذنا بها بمناسبة الإعداد للمؤتمر الوطني للشباب تفيد بأن 93 بالمائة من الشباب التونسي لم يصرّح باستهلاك المخدرات، لكننا نعلم أن العديد من الشباب جرّب ولو لمرة واحدة هذه المادة، ولهذا نحن اليوم مُطالبون بإيجاد حلول لوقاية شبابنا من هذه الظاهرة المُتفشية مع التمييز في التعامل بين مستهلك المخدرات لأول مرة وبين المدمن عليها وبين المروج لها، لأنه لا بد من معالجة المُدمن والإحاطة به في حين يجب معاقبة المروّج، وفي هذا الإطار يتنزّل القانون الجديد، الذي بدوره ينصّ على العديد من الآليات لإنزال عقاب بمروّجي المخدرات.

أما عن بقية السلوكيات المحفوفة بالمخاطر، على غرار الجريمة والهجرة غير الشرعية والإرهاب ، فهي ناتجة عن تهميش الدّور المركزي للمحيطين الأسري والمدرسي وعن غياب الإستثمار في الشباب، الذي خلص به الأمر إلى فقدان الثقة والجرأة والطموح . في تونس اليوم، 60 بالمائة من الشباب يفضل العمل في الوظيفة العمومية، وهذا يبين أنّ الشاب التونسي مُتخوف من تبعات المبادرة الخاصة ولم يعد يألف المجازفة وروح المبادرة.

  وفي هذا السياق، ارتأينا كوزارة شؤون الشباب والرياضة أن نتعاون مع البنك العالمي والإتحاد الأوروبي لفتح آفاق جديدة للشباب في سوق الشغل ولتنمية قدراتهم الذاتية في إطار المبادرة الخاصة، وستكون الأولوية في هذا المشروع لشباب المناطق الحدودية والريفية وذات الكثافة السكانية العالية حتى ننجح في فكّ العزلة عن شباب هذه المناطق. كما عملنا على توفير الفضاءات -أكثر من 660 مؤسسة شبابية- وأيضا الآليات التي تمكن الشاب من النشاط ومن فرض ذاته كعنصر فاعل وفعّال في المجتمع, وفي هذا السياق، أمضينا 15 اتفاقية مع جمعيات مدنية لإرساء أسس العمل التطوعي عند الشباب, نذكر على سبيل الذكر لا الحصر: الإسعافات الأولية ومجابهة مشاكل التلوث على غرار التلوث في مدينة قابس الواقعة جنوب البلاد، حيث وقع تفعيل تشاركية بنّاءة بين الدولة والشباب والمجتمع المدني للتصدي لإشكال التلوث.

ذكرتم المؤتمر الوطني للشباب، ما هي الدوافع لعقده ؟

 المؤتمر يمثل نقطة تحول كبرى ونوعية في تعامل الجمهورية الثانية مع ملف الشباب، فلقد كان لزاما علينا أن نقترب أكثر فأكثر من الشباب وأن نتحاور معه وأن نستمع إلى مشاغله, و في هذا الإطار أعطى رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي إشارة انطلاق المؤتمر الوطني للشباب الذي يعد مسارا متكاملا للإصلاح وإعادة بناء جسور الثقة بين الدولة وشبابها في كل شبر من تراب الجمهورية, فكانت البداية بالحوار الوطني للشباب الذي شهد مساهمة 70 ألف شابا من المشاركين في النشاط الصيفي ومشاركة 20 ألف شابا عبر الوسائط الافتراضية وقرابة 41000 شابا من مختلف المحافظات التونسية عبر 1250 منبرا التي أقمناها بكامل تراب الجمهورية. لا بد من الإشارة أيضا إلى أننا حرصنا على التنقل إلى كل الفضاءات التي يؤمها الشباب من مدارس ومراكز التكوين المهني والسجون, كما تنقلنا لمحاورة شبابنا في المهجر، وأصغينا أيضا للشباب ذوي الإحتياجات الخصوصية.

لقد حاورنا شبابا يرفض التواصل مع الدولة، شبابا لم تتحقق مطالبه في التشغيل والتنمية بعد، وهو الذي كان شرارة انطلاق "الثورة".  قناعتنا هي اعتبار ملف الشباب شأنا وطنيا، وهدفنا هو الإصلاح على المدى القصير والمتوسط والطويل، وفي هذا الإطار كان علينا الإنصات إلى الشباب لوضع الإستراتجية التي ينخرط فيها, فكان المؤتمر الوطني للشباب في 27 و 28 ديسمبر 2016, ومن أهم مخرجاته إعلان رئيس الحكومة يوسف الشاهد تفعيل المجلس الأعلى للشباب ومراجعة تركيبته وصلاحياته، وتنظيم المؤتمر الوطني للإستثمار للشباب وإحداث وكالة وطنية للعمل التطوعي وأيضا سنّ قانون توجيهي للأنشطة الشبابية والثقافية.

 بماذا تفسرون عزوف الشباب التونسي عن الشأنين السياسي والحزبي؟ هل الأمر بسبب فقدان الثقة في السياسيين والحكام؟

أجل الشاب التونسي غير مهتم بالشأنين السياسي والحزبي بسبب فقدان الثقة. الإحصائيات التي تم إعدادها بمناسبة الحوار المجتمعي تبين أن 42 بالمائة فقط من الشباب يرون أنفسهم في مسار القيادة، بينما نسبة الشباب الذي يرى نفسه في مسار القيادة في المجال الحزبي تقدر بـ 2,2 بالمائة فقط، أما بالنسبة للمشاركة في مُنظمات المجتمع المدني فنجد أن 84 بالمائة من الشباب لم يشارك ضمن أي جمعية تابعة للمجتمع المدني.

 ألا ترون أن هذه القرارات والإجراءات, وبالرغم من أنها تؤشر على نوايا حسنة للإحاطة بالشباب, تبقى نظرية ومثالية جدا بالنظر إلى قتامة واقع شباب تونس اليوم المتسم بالأساس بالارتماء في أتون الجريمة بمختلف تشكلانها والموسوم الأول بالإرهاب وفق إحصائيات دولية؟

كلنا مسؤولون عن التسويق السلبي لصورة الشباب التونسي منذ اندلاع "الثورة". إذا أردنا أن يتقدم شبابنا علينا أن نقدم له عينات من شبان تونسيين ما بعد "الثورة" بادروا اجتهدوا وفنجحوا. نحن إكتفينا بالحديث عن السلبيات ولم يقع تثمين الإيجابيات وهي  عديدة وجمة، وفي محمد غديرة دليل قاطع على ذلك، فمحمد غديرة يعد أول شاب تونسي وعربي يمثل الشباب في الأمم المتحدة، أليس هذا نجاح لافت وكبير للشاب التونسي وجب التسويق له؟. مثال اخر يحتذى به لشباب تونس عاينته شخصيا لدى مرافقتي لرئيس الحكومة خلال  زيارته إلى مدنية جندوبة’ بالشمال الغربي للبلاد، حيث نجحت امرأة شابة في أن تصبح امرأة أعمال في مجال الفلاحة انطلاقا من الاستثمار في أشياء بسيطة وفي منتوج المنطقة.

ما هو دور وزارة شؤون الشباب والرياضة في إطار تفعيل الخطة الوطنية لمكافحة الإرهاب؟

قمنا بإرساء جيل جديد من المؤسسات الشبابية والترفيهية و حرصنا على تفعيل دور المركبات الشبابية, وذلك بتوفير الفضاءات والآليات المناسبة وكثفنا من تنظيم الندوات والمؤتمرات التحسيسية لإحتضان الشباب حتى يتمكن من إثبات ذاته وتحصينها. فأول خطوة في مسار مكافحة الإرهاب تتمثل في التصدي للعنف وللتطرف ولعدم قبول الاخر في الوسط المدرسي، نحن نحرص على غرس  ثقافة القبول بالاخر حتى وإن اختلفنا معه.

 نحن نعتمد في مكافحتنا على الإرهاب على الرياضة أيضا باعتبارها عاملا من عوامل التنمية ورافدا من الروافد الأساسية للتصدي لآفة الإرهاب. وفي هذا السياق قمنا مؤخرا بتنظيم تظاهرة "الكاف عاصمة للرياضة المدرسية"، وهي مدينة في الشمال الغربي للبلاد التونسية، حتى نؤكد حرصنا على تعميم الرياضة نشاطا ومبادئ سامية في جميع المدارس لتنمية قدرات أطفالنا البدنية والذهنية.

هل بالإمكان أن تنجح المساعي المبذولة للإحاطة بالشباب، والحال أن أغلب دور الشباب مغلقة وغير مجهزة، خاصة في المناطق الداخلية؟

نحن كسلطة إشراف لاحظنا سوء تصرف وسوء استغلال للفضاءات التابعة لوزارة شؤون الشباب والرياضة، هذا إلى جانب نقص لافت في التجهيزات بمختلف دور الشباب، وخلال أربعة أشهر من العمل، حققنا تطورا في الأشغال الخاصة باستغلال هذه الفضاءات بنسبة 38 بالمائة.

نحن أذنا بتجهيز وفتح 60 مؤسسة شبابية بقيمة 900 ألف دينار اعتمادا على طرق علمية تُراعي خصوصية كل منطقة وكل جهة، على غرار عدد المُجازين في النوادي الرياضية وعدد المنخرطين في المؤسسات الشبابية في كل محافظة تونسية وواقع البنية التحتية ومؤشرات التنمية.

وهل من إجراءات للنهوض برياضة النخبة؟

نحن نعمل بطريقة تشاركية مع اللجنة الوطنية الأولمبية التونسية و نحرص على متابعة رياضيي النخبة بأصنافها الثلاثة: النخبة العالية والنخبة والآمال, كما  نمكن كل رياضي نخبة من تنفيذ برنامجه السنوي الذي يضمن في عقد. رياضيو النخبة العالية يتمتعون بمنح وبتغطية مصاريف التأطير الفني والطبي والإعاشة ولو خارج الوطن والقيام بمعسكرات بتونس وخارجها, أما بالنسبة إلى المشاركة التونسية خلال كأس إفريقيا للأمم الغابون 2017، فهي لم تحقق ما يأمله وما ينتظره التونسيون من منتخبهم.  

في تقديركم, ما هي أسباب إنسحاب المنتخب التونسي لكرة القدم من المسابقة الإفريقية الأخيرة؟

تقصدون كأس إفريقيا للأمم الغابون 2017 ؟, التونسيون -وبالرغم من الظروف التي تمر بها البلاد- تابعوا المباريات وسُعدوا بالتأهل إلى الدور الثاني وعاشوا حلما لذيذا خاصة بعد مقابلتي الجزائر والزمبابوي ثم أفقنا جميعنا على خيبة مقابلة البوركينا فاسو، ورغم ذلك لا بد من تشجيع فريقنا الوطني، فالهزيمة تفرض تقييم السلبيات والنقائص ومحاولة تفاديها في قادم الاستحقاقات, ويبقى واجبنا كوزارة شؤون الشباب والرياضة هو السهر على توفير أفضل الظروف لمنتخباتنا مهما خيبت النتائج آمالنا.