سلطت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية الضوء على قضية المحتجزين السابقين في معتقل جوانتانامو سيء السمعة، بعدما أصبح مصير اثنين من المعتقلين السابقين غير معروف في أعقاب ترحيلهما إلى ليبيا.

وكان لبوابة أفريقيا السبق في الكشف عن مخطط السنغال لترحليه اثنين من مواطني ليبيا هما معتقلين سابقين في معتقل جوانتانامو، في اخلال واضح من واشنطن بالتزاماتها  تجاه هؤلاء الأشخاص الذين قضوا سنين طويلة من عمرهم في المعتقل دون أي إدانة أو حتى محاكمة.

وقالت الصحيفة إنه في مسعى الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لإغلاق معتقل جوانتانامو عقدت إدارته صفقات مع حوالي ثلاثين دولة لاستقبال معتقلين ليسوا عالي الخطورة ينحدرون من دول خطرة، وإعادة توطينهم في أماكن مستقرة من شأنه أن يزيد من فرص العيش بسلام -حسب قول المسئولين- بدلاً من مواجهة الاضطهاد أو الانجراف نحو التشدد.

وأضاف الصحيفة لكن قرار السنغال هذا الشهر بترحيل محتجزين سابقين إلى بلدهم الأصلي ليبيا في ظل الفوضى هناك قد أثار احتمال أن نظام إعادة التوطين بدأ في الانهيار تحت حكم الرئيس ترامب، وأوضحت الصحيفة أنه بعد رحلة مؤلمة  وقع الاثنين في أيدي زعيم ميليشيا متشدد اتُهم بسوء معاملة السجناء ثم اختفيا.

وقال المسؤولون الأمريكيون الحاليون والسابقون إن القضية تشكل سابقة مقلقة، ويكمن الخطر كما يقولون  في أن دولاً أخرى قد تتبع السنغال في نقل أكثر من 150 معتقلاً سابقًا تم إعادة توطينهم إلى أماكن غير مستقرة حيث يتعرضون لخطر القتل  أو قد يمثلون تهديدا.

يفتح المصير غير المؤكد للمواطنين الليبيين فصلاً جديداً في تداعيات قرار إدارة بوش بجلب المئات من الرجال في أعقاب هجمات 11 سبتمبر إلى معتقل خليج جوانتانامو واحتجازهم هناك لسنوات عديدة دون محاكمة. اعترفت إدارتا بوش وأوباما أن العديد من المعتقلين كانوا بمستوى منخفض للغاية بحيث لايستدعي استمرار احتجازهم ، لكنهم سعوا لتجنب إرسال أولئك الذين أتوا من أماكن خطرة مثل ليبيا واليمن إلى بلادهم مرة أخرى.

وقالت نيويورك تايمز ويبدو أن انهيار إعادة التوطين في السنغال هو على الأقل جزء من الفوضى التي أصابت وزارة الخارجية منذ تولي الرئيس ترامب السلطة، وكانت إدارة أوباما قد أنشأت مكتبًا مركزيًا عالي المستوى مكلف بمراقبة المعتقلين السابقين إلى أجل غير مسمى والتعامل مع أية مشكلات، لكن ريكس تيلرسون  أول وزير خارجية في عهد ترامب أغلقه وأضيفت هذه الوظيفة إلى القائمة الطويلة للأشياء التي من المفترض أن تتعامل معها السفارات بشكل فردي.

وقال السفير الأمريكي السابق دانييل فريد –أول مبعوث خاص تفاوض على عمليات نقل المعتقلين في إدارة أوباما "هذا ما سيحدث عندما تغلق مكتب جوانتانامو لأسباب سياسية"، مضيفا "تخلص الدول إلى أننا لا نهتم بعد الآن ، ولا توجد متابعة".

وتابعت الصحيفة الأمريكية أن بعض عمليات إعادة التوطين سارت بشكل جيد، إذ تعلم المعتقلون السابقون لغات مجتمعاتهم المحلية الجديدة ووجدوا وظائف بل وتزوجوا أيضا، فيما عانى محتجزون آخرون في أوروجواي وكازخستان ودول أخرى خلال عملية الدمج واشتكوا من عدم كفاية الدعم  والبعد عن الأقارب والتعامل القاسي للأمن، في بلدان أخرى مثل غانا  يبدو أن المعتقلين السابقين يقومون بعمل أفضل ، لكن الحكومة تعرضت لانتقادات شديدة من خصوم سياسيين لموافقتهم على إعادة توطينهم.

وقالت الصحيفة إن جميع المعتقلين السابقين يشكلون نوع من الصداع لحكومات الدول المستضيفة التي تقدم المساعدة الأساسية بشكل عام وتراقبهم. وعادة وافقت الدول المستقبلة أيضا على عدم السماح للمعتقلين السابقين بالسفر لمدة سنتين أو ثلاث سنوات تاركةً غامضاً لما سيحدث بعد ذلك. على هذه الخلفية هناك أسباب للاعتقاد بأن السنغال قد تكون أول دولة في العديد من الدول  قد تسعى إلى التخلص من هذا العبء من خلال ترحيل المحتجزين الذين أعيد توطينهم.

وعلى سبيل المثال يكافح رجل يمني أعيد توطينه في صربيا في عام 2016 لتعلم اللغة المحلية بينما كان يشكو من أن وصمة معتقل جوانتانامو تدمر وظيفته وآفاقه في الحياة الاجتماعية، على الرغم من أنه أخذ دروسًا جامعية مؤخرًا. وقد أعيد توطينه إلى جانب معتقل سابق من طاجيكستان وقد تأقلم بشكل أكثر سهولة.

وأضافت نيويورك تايمز كلاهما يفتقر إلى الوضع القانوني السليم، وأخبر مسئول صربي محامي أحدهما  بأن الحكومة بدأت مراجعة ما إذا كانت ستقوم بترحيلهم هذا الصيف  بعد انتهاء حظر السفر لمدة عامين. وقال متحدث باسم الحكومة الصربية إنه لم يتخذ قرار بعد.

وقالت بيث جاكوب  -محامية المواطن اليمني- إن موكلها يخشى من العودة إلى الوطن، موضحة أنها "لا تجد حتى شخصًا في الحكومة الأمريكية لمناقشة مخاوفنا معه". وقال ماثيو أوهارا  -احامي المعتقل السابق الآخر- إن موكله من المحتمل يتعرضون للاضطهاد أو التعذيب في طاجيكستان  التي أسقطت عنه الجنسية، وأضاف  "قلقي لا يوصف بعدما رأيت ما حدث في السنغال".

واستقبلت السنغال المعتقلين السابقين الاثنين من ليبيا في أبريل 2016 كخدمة شخصية من الرئيس السنغالي ماكي سال للرئيس أوباما. وقد منح الرجلان سالم عبد السلام غريبي وعوض خليفة  شقتين سكنيتين في نفس المبنى في العاصمة السنغالية داكار مع وجود حارس في مكان قريب.

وعندما زار أحد مراسلي نيويورك تايمز الرجلين  في 3 أبريل الحالي ، اشتكى السيد غريبي من أن السنغال لن تسمح لزوجته وأطفاله في ليبيا من القدوم معه. ولكن كانت هناك أيضا علامات على إعادة التوطين تسير بشكل جيد فالسيد خليفة لمثال استقبله جيرانه بحرارة وقال إنه مخطوبًا لامرأة تعمل كمدبرة منزل في المبنى.

وتابعت الصحيفة لقد رفض مسئولون سنغاليون مناقشة ما دفعهم إلى التفكير في إبعاد الرجلين،و تدهورت العلاقات بين الدول الأفريقية والولايات المتحدة بشكل عام في ظل حكم ترامب، لاسيما بعد التقارير التي ظهرت في يناير الماضي  عندما سب الدول الأفريقية باستخدام مصطلح قاسي للغاية.

ومن جانبه قال رمزي قاسم  -دكتور القانون في جامعة مدينة نيويورك- وهو محام متطوع لدى السيد خليفة إن موكله أُخبر لأول مرة في يناير أنه قد لا يُسمح له بالبقاء في السنغال. وقد قام السيد قاسم بإرسال بريد إلكتروني إلى اثنين من المسؤولين في السفارة الأمريكية ولكن لم يتلق أي رد، وفي 26 مارس أُبلغ الرجلين كتابياً بأنه سيتم ترحيلهم.

وبينما لم يعترض السيد غريبي بشدة على ما يبدو لأنه قد يتم لم شمل عائلته على الأقل في ليبيا ، إلا أن السيد خليفة كان مرعوبًا  وقال لمراسل صحيفة تايمز إنه يخشى أن يُقتل في ليبيا. وبعد ساعات من هذه المقابلة  قال الجيران  إن رجال الأمن السنغاليون قادوا الرجلين إلى مكان غير معلوم.

وفي وقت لاحق من ذلك الأسبوع اتصل السيد غريبي بمنظمة حقوق الإنسان من مطار في تونس-على ما يبدو أثناء توجهه إلى ليبيا- لكنه اختفى بعد ذلك. فيما مصير السيد خليفة أكثر غموضا في البداية  أخبر مسئول سنغالي لصحفي نيويورك تايمز وللسيد ولوسكي-المبعوث الخاص السابق لوزارة الخارجية لغوانتانامو الذي كان قد تفاوض على تفاصيل إعادة توطين الليبيين- بأن السيد خليفة لن يتم ترحيله قسراً.

ولكن يبدو الآن أنه تم إرساله أيضاً إلى تونس  وأن الرجلين نُقلا جواً إلى طرابلس وتم احتجازهما من قبل ميليشيا معادية  وفقاً لمسئول استخباراتي مع حكومة الوفاق الوطني الليبية وموظف في الخطوط الجوية الليبية.

ومن ناحية أخرى قال متحدث باسم الخطوط الجوية الليبية إن الرجلين استقلا رحلتهما من تونس إلى طرابلس، رغم أنه لم يعرف ما حدث لهما بعد ذلك. وقال السيد ولوسكي إن المسئول السنغالي أبلغه فيما بعد أن السيد خليفة لم يعد في السنغال  رغم أن المسئول أشار إلى أن السيد خليفة غادر بعد عدة أيام من السيد غيربيبي.

بينما كان في مطار تونس  أحد الرجلين - لم يتضح أيهما- بدأ في الاحتجاج بصوت عال وسالت دمائه بعدما ضرب رأسه في سطح صلب  بحسب مسئول الاستخبارات وموظف الطيران. وقال أحد الطيارين إنهم رفضوا نقله إلى طرابلس وكان لابد من تحديد بديل.

وكان المعتقلان السابقان يريدان الطيران جواً إلى مصراتة - مدينة تبعد حوالي 130 ميلاً شرق طرابلس- كما قال المصدران ، وسعيا إلى تجنب مطار طرابلس لأنه يسيطر عليه عبد الرؤوف كارا وهو قائد ميليشيا يدير معسكراً لاحتجاز الإرهاب. وتقول جماعات حقوق الإنسان إن سوء المعاملة منتشر، لكن السيد كارا كان مصمما على احتجاز الرجلين  وأرسل مجموعة من الحراس إلى تونس لمرافقتهم  على حد قول المصدرين.

وأنكر المتحدث باسم ميليشيا كارا أحمد بن سلام أنها تحتجز الرجلين "أعتقد أنهم مع المخابرات"، ورفض الخوض في التفاصيل.

وقال السيد قاسم  مشيرا إلى أن القانون الدولي يحظر إرسال أشخاص قسرا إلى أماكن قد يتعرضون فيها لسوء المعاملة إن كل من السنغال والولايات المتحدة هما المسئولان عن أي ضرر قد يعاني منه موكله، وعقب لكن القضية أكبر من ذلك.

وأضاف  قاسم "إذا كانت الدول الأخرى التي إعادة توطين معتقلي جوانتانامو تفسر الصمت الأمريكي تجاه كارثة السنغال كإشارة إلى أن إدارة ترامب لم تعد تهتم بالمشاريع السابقة ، فقد نشهد قريبا هجوم مفتوح على هؤلاء المعتقلين السابقين"، موضحا "لا يمكن أن يكون أي شيء أقل مواتاة للمُثُل الإنسانية التي تدعيها الولايات المتحدة ، ولا حتى الأهداف الأمنية التي تعلنها غالبًا" من ما حدث.

وفي بيان قالت وزارة الخارجية إنها "كررت لحكومة السنغال توقعها بأنها ستلتزم بالتزاماتها الدولية فيما يتعلق بكل من الرجلين" ، مضيفًا "نتعاون بشكل وثيق مع شركائنا الأجانب لضمان عدم تشكيل معتقلي جوانتانامو السابقين خطرا على الولايات المتحدة ".

لكن السيد ولوسكي –الدبلوماسي الأمريكي السابق- قال إنه يعتقد أن وزارة الخارجية في ظل الإدارات السابقة  كانت ستقنع السنغال باتخاذ خطوات للحفاظ على سلامة الرجلين مع جعل قادتها يشعرون بأن الولايات المتحدة لا تزال مهتمة بإعادة توطينهما بنجاح. وقال إن مخاوف حقوق الإنسان التي أثيرت في معرفة حقيقة أن الرجلين انتهيا على ما يبدو في زنزانات في طرابلس يجب أن تكون بمثابة إنذار.

وتابع "لقد حاولت الإدارتان الأخيرتان الإفراج بشكل مسئول عن الأفراد بطريقة تأخذ في عين الاعتبار المصالح الأمنية الشرعية للولايات المتحدة وكذلك حقوق الإنسان وسيادة القانون"، واختتم تصريحاته بقول "هذه النتيجة تحبط تماما هذه السياسة".