حذرت العالمة البريطانية كيس هيلمان سميث المتخصصة في شؤون البيئة من احتمال انقراض سلالة حيوان وحيد القرن بعد الإعلان مؤخرا عن نفوق آخر ذكور وحيد القرن الأبيض الشمالي في كينيا والذي يطلق عليه اسم "سودان".

وأوضحت العالمة البريطانية أنها عكفت على وضع برنامج خاص لإنعاش هذه السلالة في محمية جارامبا بجمهورية الكونغو الديمقراطية طيلة 20 عاما حتى أنها أصدرت كتابا بعنوان "جارامبا والحفاظ على الحيوانات وقت السلم والحرب" في عام 2015، وبعد أن شهد عددهم ارتفاعا ملموسا تسببت الحرب في انخفاضه بشكل ملحوظ مرة أخرى مطلع الألفية الثانية ولكن برغم كل ذلك مازالت هناك بارقة أمل.

وأشارت سميث في حوار خاص مع صحيفة "لوموند" الفرنسية أنها تلقت نبأ نفوق سودان آخر ذكور وحيد القرن الشمالي بحزن شديد، موضحة أنه كان أمرًا متوقعًا عاجلًا كان أم آجلا لكنه محزن بحق إذ إن سودان هو آخر الذكور في تلك السلالة.

وأضافت أنها شهدت قدوم "سودان"، وثلاثة من السلالة ذاتها إلى محمية (آل بيجيتا) بكينيا في عام 2009 وكان أمل الحفاظ عليهم وقتها كبيرا إلا أن المجهودات المبذولة من أجل الحفاظ على هذه السلالة لم تكلل بالنجاح مع الأسف الشديد وهو الأمر الذي من شأنه إثارة الخوف في النفوس من فقدان سلالات أخرى غير عادية من الحيوانات بنفس الطريقة.

وأكدت سميث أن ما حدث كان نتيجة متوقعة لأجواء الحرب المهيمنة على المنطقة هناك، موضحة أنه منذ قديم الأزل كانت سلالات وحيد القرن الأبيض الشمالي تعيش في جمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان وجمهورية وسط أفريقيا حتى جنوب تشاد.

وكان هناك ما يزيد على ألف حيوان من سلالة وحيد القرن على سبيل المثال لا الحصر في محمية جارامبا بجمهورية الكونغو الديمقراطية إبان حقبة الستينيات من القرن الميلادي الماضي نفق أكثر من 90% منهم إثر اندلاع حركة سيمبا التمردية المسلحة في عام 1964 واتبعتها حرب أهلية في السودان إضافة إلى عدد من عمليات الصيد غير المشروع التي اجتاحت غرب ووسط أفريقيا مطلع الثمانينيات من القرن الماضي ليصبح إجمالي عددهم في محمية جارامبا 15 حيوانا فقط خلال عام 1984.

وعما إذا كان كثرة تنقل تلك الحيوانات بين المحميات سببا في نفوقهم ومن ثم تعرضهم للانقراض، قالت سميث إن هذا الأمر عار تماما عن الصحة وأن كثرة تنقلهم تسمح بمعرفة طبيعتهم على نحو أفضل، ولكن علينا أن نقر بأن الحفاظ على السلالات النادرة من الأمور الغائبة تماما عن أذهان البشر.

وعن النتائج التي تمخضت عن الأبحاث التي أجرتها في محمية جارامبا خلال فترتى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي قالت سميث إنها وفريق عملها تمكنوا من مضاعفة عدد حيوانات وحيد القرن بالمحمية فبعد أن وصل عددهم إلى 15 حيوانا في عام 1984 شهد هذا العدد ارتفاعا بواقع الضعف خلال 8 أعوام فقط.

وبشأن ما يتعين فعله لمساعدة حيوان وحيد القرن على التكاثر، قالت العالمة البريطانية المتخصصة في شئون البيئة كيس هيلمان سميث أن هذا الأمر يقوم في البداية على حماية المحمية ككل ومن ثم إعادة تأهيلها إذ إن تراجع إعداد حيوان وحيد القرن والأفيال أدى في النهاية إلى إهمالها إلى حد كبير، فلا بد من إعادة إطلاق الأنشطة المناهضة للصيد غير الشرعي هذا ما علينا القيام به وبخلاف ذلك فان الطبيعة قادرة على استعادة رونقها دون الحاجة لتدخل البشر.

وعن السبب الرئيسي في عدم نقل تلك الحيوانات إلى بلاد أكثر استقرارا، قالت سميث إن تلك البيئة هي الأنسب لحياتهم وأنه إذا ما كان تم نقل حيوان وحيد القرن إلى مكان آخر لما كانت محمية جارامبا حظيت بأي اهتمام ولكانت سلالات الأفيال والزراف التي تعيش هناك تعرضت هي الأخرى للإهمال ومن ثم النفوق ومواجهة خطر الانقراض.

وأضافت أن الجهود المبذولة وقت الحرب كانت تهدف إلى استقرار تلك الحيوانات ومن ثم خفض احتمالات تأثرها بتلك الأجواء التي خيمت على جمهورية الكونغو الديمقراطية ثم السودان ولكن بعد صدور قرار بوقف إطلاق النار في عام 2004 أسهم رحيل الجماعات المسلحة المتمركزة بالقرب من الحدود في دخول القناصين غير الشرعيين إلى محمية جارامبا بسهولة ويسر الأمر الذي أسفر عن خسارة عدد كبير من حيوان وحيد القرن.

وحول إمكانية إنعاش سلالة وحيد القرن الأبيض الشمالي عن طريق التلقيح الصناعي، قالت سميث إن ما يهم في هذه المسألة هو الحفاظ على الخصائص الوراثية التي من شأنها التمييز بين سلالتي وحيد القرن الأبيض الشمالي والجنوبي، موضحة أن التقدم التكنولوجي الذي يشهده العالم اليوم يسمح باللجوء إلى مثل هذه الطرق لتحقيق تكاثرهم والحفاظ على خصائصهم الوراثية في الوقت ذاته.

وتقوم مبادرة المنظمات غير الحكومة مثل "سيف ذا رينو" أو "أنقذوا وحيد القرن" على جمع التبرعات بغية إنقاذ سلالات أخرى من حيوان وحيد القرن لكى لا تلقى المصير ذاته.

وقالت سميث إن تلك الأموال تخصصها المؤسسات المعنية مثل معهد ليبنيز ومختبر "وايلد لايف" الألمانيين للدراسة والبحث فقط لا لحماية هذه الحيوانات على أرض الواقع، موضحة أن المبلغ اللازم لاستمرار الأبحاث الرامية إلى تكاثر حيوان وحيد القرن ومن ثم توفير السبل اللازمة لحمايته يصل إلى عشرات الآلاف من اليورو إن لم يكن أكثر من ذلك.