في ظل الأزمة التي مزقتها،تحولت ليبيا إلى ساحة مفتوحة أمام نشاط عصابات الإجرام،والتنظيمات المسلحة، وعلى رأسها الجماعات الدارفورية،والتي أسهم أنشطتها في تعميق الانقسام وإذكاء الصراعات بين القبائل، وزيادة الفوضى الأمنية من خلال عمليات النهب والتجارة بالمخدرات والأسلحة واختطاف الرهائن، ونهب حقول النفط وتوسيع عمليات الهجرة غير المشروعة.

وتعود إلى الواجهة الاتهامات بمشاركة الحركات المسلّحة الدارفورية في الحرب الليبية،من بوابة المواجهات في جنوب ليبيا،حيث أطلق الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر عملية عسكرية باسم "غضب الصحراء" ضد مسلحي حركة العدل والمساواة، المتمردة في إقليم دارفور غربي السودان، وذلك بعد يومين على مقتل 6 عسكريين جنوب واحة الجغبوب القريبة من الحدود المصرية.

وقال الناطق الرسمي باسم القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية، أحمد المسماري، في تدوينة على صفحته بـ"فيسبوك"، إن "وحدات من القوات المسلحة العربية الليبية مدعومة بالقوات الجوية تنفذ عملية في الجنوب الشرقي جنوب غرب الكفرة أُطلق عليها عملية "غضب الصحراء"، تستهدف العصابات الإجرامية المنتشرة في المنطقة والتي تقوم بخطف المواطنين وتمارس الحرابة والسرقة وتكبدهم خسائر فادحة".

ونقل المسماري عن آمر المنطقة العسكرية بمدينة الكفرة، اللواء المبروك الغزوي، أنه "بعد تصفية 6 عسكريين، تم إرسال عدة دوريات في اتجاهات مختلفة لغرض منع عصابات حركة العدل والمساواة السودانية التي تقوم بالحرابة في الصحراء من الانسحاب إلى الغرب، وتمكنت طائرات السلاح الجوي الليبي المقاتلة من تدمير كافة الآليات والقضاء على جميع المجرمين التابعين لهذه العصابة".مضيفا أن عملية غضب الصحراء وملاحقة العصابات ستستمر حتى يتم القضاء عليها بالجنوب الشرقي للبلاد بشكل نهائي، وفرض هيبة الدولة الليبية على كافة إقليمها الجغرافي.

وتعد واحة جغبوب التي تقع جنوب شرق مدينة طبرق وغرب واحة سيوة المصرية، من أهم المناطق التي تستخدمها عصابات تهريب السيارات والأسلحة والبشر والمخدرات، والتي تستغل معرفتها الجيدة بالممرات والدروب الصحراوية الممتدة لأكثر من 300 كم، وكذلك غياب الرقابة الأمنية، لممارسة نشاطها بحرية.

ونقلت "العربية نت" عن  مصدر أمني مطلع، أن "هذه المناطق تعج بعصابات التهريب خاصة التشادية والسودانية التي تقوم بتهريب السلاح والمخدرات إلى مصر، كما يستعمل عناصر داعش ممراتها للتنقل بين مصر وليبيا"، مضيفا أن "قوات الجيش تقوم بين الحين والآخر بدوريات استطلاعية ولكنها لا تمتلك الإمكانيات الكافية لمراقبة المساحة الشاسعة للصحراء والحدود الممتدة كل اليوم".

وتتهم ليبيا حركة العدل والمساواة السودانية بالمشاركة في عمليات الخطف والابتزاز للمواطنين والأجانب التي تحدث بمنطقة بحر الرمال الشاسعة جنوب شرق الجغبوب مقابل الحصول على الفدية، وكذلك بتورطها في عمليات تهريب السلاح والمخدرات والمواد البترولية، مستغلة حالة الفراغ الأمني الموجودة على الحدود السودانية – الليبية.

وتتخذ حركات التمرد المسلحة التشادية والسودانية من الصحراء الليبية مقرا لها،ويسيطر الجيش الليبي على جزء من الجنوب في ما يقع جزء آخر تحت نفوذ قبائل التبو والطوارق وبعض القبائل العربية كأولاد سليمان والقذاذفة. وسبق أن أعلنت قوات الجيش الليبي أكثر من مرة اشتباكها مع هذه الحركات، فيما أعلن المتحدث باسمها العميد أحمد المسماري قبل أشهر قصف طائراتهم لمسلحي جبهة "التوافق والبديل" التشادية على الحدود بين البلدين.

هذا ونشطت عدد من المنظمات الليبية بإصدار عدداً من البيانات تطالب بالتعامل بقوة مع هذه العصابات.وكانت مؤسسات المجتمع المدني الكفرة أعلنت رفضها أعمال الخطف والحرابة التي تمارس على الطريق بين الكفرة ومدن الشمال التي تمارسها عصابات ومرتزقة الحركات الدارفورية والمعارضة التشادية المسلحة.ووصفت مؤسسات المجتمع المدني الكفرة في بيان لها،في اغسطس 2017، هذه الأعمال بالإرهاب لأنها تتسبب في وترويع المواطنين داخل وخارج منطقتي الكفرة وتازربو.

وفي أغسطس الماضي،أصدر أعيان ومشائخ وشباب قبيلة ازوية بيانا استنكروا خلاله جرائم الخطف والقتل والترويع التي تنتهجها العصابات التشادية في المنطقة الواقعة على طريق مدينة الكُفـــرة وجالو أكبر حواضر الجنوب الشرقي، بين حقلي الشعله والسرير. واعتبر البيان أن ما يحدث في مدينة الكُفرة وحولها ما هو إلا مخطط لافتكاك الجنوب الليبي برمته لإقامة دولة عرقية ترى في كافة مكونات الشعب الليبي عدوا يجب استئصاله.

وطالب البيان الذي جاء على إثر اجتماع عقده مشائخ وأعيان زوية في مقر منتدى شباب القبيلة في أجدابيا،أجهزة ومؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية باتخاذ إجراءات حازمة وحاسمة لاستئصال هذه العصابات وإلا سيضطر أبناء قبيلة ازوية لتنظيم صفوفهم وتوحيد كلمتهم وجمع كل من له القدرة على حمل السلاح ليتولوا بأنفسهم مهمة ملاحقة هذه العصابات.

وتُعتبر مدينة الكفرة من أكبر المدن الليبية مساحة، وتقع على الحدود مع دولة تشاد من جهة الجنوب، ومن الجنوب الشرقي مع السودان، ومع مصر من جهة الشرق. وهي تمثّل القلب النابض للتجارة مع السودان وتشاد، كما تمثّل نقطة لنقل المساعدات الدولية من الأمم المتحدة إلى إقليم دارفور. وللمدينة، وفق خبراء عسكريين، أهمية قصوى لأي خطط موضوعة للسيطرة على الحدود بين السودان وليبيا.

ولاتزال حدود ليبيا غير مضبوطة إلى حد كبير، كما يشكّل تأمين الأطراف أحد أكبر التحدّيات التي تواجهها البلاد. ويتيح ضعف مراقبة الحدود لأسواق السلاح والبشر والمخدرات أن تزدهر، إلى جانب عمليات الاتجار غير المشروع اليومية بالوقود والبضائع،والتي تمارسها العصابات المنتشرة هناك،وهو مايترتّب عنه عواقب وخيمة على ليبيا والمنطقة ككل.

وتعرف منطقة الجنوب اللليبي نشاطا واسعا للمهربين والجماعات المسلحة، والتي تتنازع فيها قبائل ليبية بالجنوب الغربي للسيطرة على طرق التهريب التي تقطع الصحراء الليبية.وتنشط عصابات تهريب البشر إلى أوروبا وتجارة المخدرات والسلاح.كما تؤكد عدة أطراف على الخطر الذي تمثله  العناصر الإرهابية التي تتربص في الجنوب الليبي بعد هزيمتها في معاقلها السابقة.

وبعد نجاحه في تحرير عدة مناطق في البلاد من سطوة التنظيمات الارهابية،يبدو الجيش الليبي سائرا بخطى ثابتة نحو مزيد من الإنجازات الميدانية وذلك في ظل مساعيه المتتالية لدحر الجماعات المسلحة في الأراضي الليبية.وهو ما جعله يحظي بترحيب وثقة كبيرين على الصعيد الداخلي، كما حظي باعتراف دولي وإقليمي بدوره المحوري في أي حل مستقبلي يخص عملية التسوية وبناء الدولة الليبية.