منذ الانقلاب العسكري الذي أطاح ب"سيد ولد الشيخ عبد الله" أول رئيس منتخب لموريتانيا عام 2008 والبلاد تعيش علي وقع أزمة سياسية مستفحلة ,ورغم إعلان الفر قاء السياسيين في موريتانيا عن توقيعهم في العاصمة السنغالية داكار بعد أشهر من الانقلاب علي اتفاقية يتم بموجبها تنظيم انتخابات رئاسية شفافة وتشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية لتسيير شؤون البلاد آنذاك ,وهي الاتفاقية التي كان يأمل الموريتانيون من خلالها ان تضع حدا للاحتقان السياسي  الذي شل جميع مناحي الحياة الاقتصادية منها والاجتماعية وحتي الأمنية .

 

انتخابات استثنائية

مهد اتفاق داكار الشهير لاجراء انتخابات 2009 الرئاسية وهي الانتخابات التي شاركت فيها المعارضة الموريتانية بعد تلبية مطالبها والتي علي راسها تشكيل حكومة وحدة وطنية من 26 وزيرا، نصفهم من الفريق الموالي لولد عبد العزيز الذي يملك أغلبية برلمانية، والنصف الآخر من المعارضة بشقيها الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية وحزب تكتل القوى الديمقراطية.على أن تكون وزارات الداخلية والمالية والإعلام والأمانة العامة لرئاسة الجمهورية من نصيب المعارضة.وهو ماتم بالفعل ,وبعد اجراء الانتخابات الرئاسية 2009 جاءت صناديق الاقتراع بضربة قوية للمعارضة حيث اختار الموريتانيون في تلك الانتخابات الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز لمنصب رئيس الجمهورية بعد حصوله علي نسبة 52 في المائة من الأصوات دون اللجوء الي شوط ثاني,وهي النتيجة التي شكلت صدمة للمعارضة وقسمتها الي قسمين,جناح رافض لنتيجة الانتخابات متهما النظام بالتزوير, وآخر اعتبرها شفافة رادا  خسارة المعارضة الي ضعف تأطيرها وعمق خلافاتها الداخلية والتي علي راسها ترشيح اكثر من مرشح بدل مرشح واحد كما كان متفق عليه.

 

المعارضة الموريتانية نادمة

شكل الاعتراف الدولي بانتخابات 2009 الرئاسية والتي فاز بها الرئيس الموريتاني الحالي محمد ولد عبد العزيز ضربة قوية للمعارضة التي كانت تعول علي عدم الاعتراف الدولي بتلك الانتخابات وهو مادفع بقادة المعارضة الي التصريح اكثر مرة عن وقوعهم في فخ اتفاق داكار ورغم ذلك تقول منسقية المعارضة ان وعي المعارضة انذاك  بمصالح البلاد وبمسؤلياتها التاريخية استوجب منها البحث عن كل ما يضمن حلا سلميا لأزمة  انقلاب السادس أغسطس 2008 مضيفة أن اتفاقية داكار كانت متوازنة وكفيلة بحل أزمات البلاد وخلق الثقة بين الأطراف السياسية،  مشيرا إلى أن ذلك كان الفضل فيه للمعارضة، التي انتشلت البلاد من "هاوية النظام يسوقها إليها بعقليته العسكرية ونشوته بتفوقه العسكري علي القوي الديمقراطية". وأوضح  المعارضة في بياناتها المتتالية عقب الانتخابات  أن الانقلاب  علي اتفاقية داكار  أفرغها من محتواها وجعلها عديمة الجدوى ولم تثمر مراميها. واعترفت المعارضة الموريتانية اكثر من مرة بان مشاركة المعارضة في الانتخابات، بعد ما وصفته بمرسوم الوزير الأول الانقلابي، خطأ عليها الاعتراف به، وبين أن هذه المشاركة، جاءت علي أساس تقديرات للواقع كانت خاطئة، حيث اغترت المعارضة بالوضع السياسي الذي تولد عن اتفاق دكار المتمثل في ظاهرة التحرر لدي المواطنين في اخذ مواقفهم السياسية والتخلي عن مساندة ولد عبد العزيز، مما جعل المعارضة تجزم علي ان ولد عبد العزيز  لن ينجح مهما زور, وهو التوقع الذي عكس تماما نتيجة انتخابات 2009 الرئاسية.

 

النظام يدعو الي الحوار

بعد سنتين من انتخابات الرئاسة التي أوصلت الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز لسدة الحكم في البلاد,وجه الحزب الحاكم في موريتانيا دعوة لاحزاب المعارضة بهدف الدخول في حوار مع النظام ينهي حالة الانقسام السياسي في الشارع الموريتاني وذلك تزامنا مع الانتخابات التشريعية والبرلمانية 2011 ,والتي اعلن تأجيلها لإفساح المجال أمام حوار المعارضة والنظام بحثا عن كلمة سواء ,توحد ولاتفرق ,ورغم الليونة التي ابداها النظام الموريتاني من خلال استعداده للدخول في حوار مع المعارضة الا أن شروط احزاب معارضة كاتحاد قوي التقدم والتكتل شكلت شروطا تعجيزية كما وصفها النظام خاصة وانها تدعو للحوار انطلاقا من اتفاق داكار  وهو الشرط الذي رفضه الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز معلنا استعداده لبدء حوارجديد بأجندة جديدة  واصفا اتفاق داكار بمنتهي الصلاحية منذ سنوات

 

المعارضة تتصدع

لقيت دعوة النظام الموريتاني لبدء حوار مع المعارضة قبول 5 احزاب رئيسية من المعارضة الدخول في حوار مع النظام انتهي  بالتوقيع علي اتفاقية يلتزم النظام الموريتاني من خلالها بتأجيل الانتخابات البرلماني التي كانت مقررة عام 2011 وتشكيل لجنة مستقلة للانتخابات ومرصد للانتخابات والحد من استغلال موارد الدولة في الحملات الانتخابية بالتعارض وحياد الإدارة وتفعيل وتعميم عمليات تقييد المواطنين في سجل الحالة المدنية وتسريع وتيرة إنتاج وتوزيع بطاقات التعريف، والدعوة إلى تمديد الإحصاء ذي الطابع الانتخابي لتمكين المواطنين المتواجدين في الأماكن التي لم يشملها التقييد من التسجيل على اللائحة الانتخابية، وعدم تقييد أعضاء القوات المسلحة وقوات الأمن في غير أماكن إقامتهم أو في المقاطعات والبلديات التي يمكن أن يشكل ذلك تأثيرا على التوازنات المحلية وعلى إرادة السكان,وهي الشروط التي قبلها النظام الموريتاني تمهيدا لإجراء الانتخابات التشريعية والبرلمانية.

ورغم قبول أحزاب المعارضة للدخول في حوار مع النظام ,أبدت بقية احزاب المعارضة الموريتانية أسفها علي شق النظام لاجماع المعارضة ,بتأكيد 10 احزاب من المنسقية رفضها للاتفاق الذي ابرمته بقية احزاب المعارضة مع النظام وبرفع شعار جديد عنوانه الأبرز رحيل النظام.

 

محاولة لاستنساخ الربيع العربي

تأثرا بالثورات التي شهدتها بعض الدول العربية تزامنا مع حراك المعارضة الموريتانية ,حاولت منسقية احزاب المعارضة استنساخ تجربة مايوصف الربيع العربي في موريتانيا علي طريقتها الخاصة حيث  خرجت مساء السبت 23-06-2012 في مسيرة حاشدة  جابت شوارع نواكشوط رفعت المعارضة خلالها  شعارات تنادي بسقوط النظام الحاكم ,وتكررت خرجات المعارضة المطالبة برحيل الرئيس الموريتاني اكثر من مرة خلال شهرين , غير ان عدم تجاوب الشارع الموريتاني معها شكل ضربة موجعة للمنسقية التي اعلنت في مابعد انها اخطئت في تقديراتها حين رفعت شعار رحيل النظام.

 

انتخابات 2013 تزيد  شرخ المعارضة

بعد توصل النظام الموريتاني و5من احزاب المعارضة المحاورة  الي اتفاق تم بموجبه تنظيم الانتخابات البرلمانية في  ال23 نوفمبر 2013 بعد عامين من التأجيل,قررت منسقية المعارضة الموريتانية مقاطعة تلك الانتخابات باستثناء حزب تواصل الاسلامي الذي اعلن خروجه عن اجماع المنسقية ومشاركته في الانتخابات رغم انه لم يكن من احزاب المعارضة التي دخلت في حوارمع النظام قبل تحديد موعد الانتخابات ’وهو القرار الذي اثار حفيظة منسقية المعارضة الموريتانية حين وصفت حزب تواصل الاسلامي بالباحث عن نصيبه من الكعكة من خلال مشاركته في انتخابات محسومة نتائجها سلفت كما تقول المعارضة في كل المناسبات ,ورغم تلك الدعوات توجه الناخبون الموريتانيون يوم ال23 نوفمبر 2013 إلي صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم   في الانتخابات النيابية والبلدية التي يتنافس فيها الحزب الحاكم'الإتحاد من أجل الجمهورية' وأحزاب معارضة أخري أبرزها حزب' تواصل' المعبر عن الإخوان المسلمين وأكثر من ستين حزبا سياسيا بينها أربعة من المعارضة. بينما قاطعت الانتخابات10 أحزاب أخري تضمها تنسيقية المعارضة لعدم توفر ما اسمته الشروط والضمانات الكافية لشفافيتها ونزاهتها.

 

نتائج الانتخابات تربك النظام و تظهر قوة الإسلاميين

أظهرت نتائج الانتخابات البلدية والنيابية في موريتانيا  اكتساح الحزب الحاكم للبرلمان الموريتاني بغالبية مريحة  وصلت 76 نائبا في البرلمان عن اقرب منافسيه حزب تواصل الاسلامي الذي حصل علي 16 نائبا و18 عمدة و شكلت النتائج التي تحصل عليها  الاخوان في انتخابات نوفمبر مفاجئة في الشارع الموريتاني وهو مادفع بقيادات في الحزب الحاكم الي التصريح اكثر من مرة  بأن المستفيد الأكبر من غياب منسقية  المعارضة عن انتخابات نوفمبر  هم الإخوان المسلمين, الذين برزوا في  الانتخابات كقوة ثانية بعد الحزب الحاكم, وحملت تلك القيادات  المعارضة الليبرالية واليسارية مسئولية التخلي عن دورها التاريخي بمقاطعتها للإنتخابات وترك مقاعدها لمن وصفتها ب' القوي المتطرفة'

 

رئاسيات قريبة ومواقف متصلبة

تستعد موريتانيا في شهر يونيو المقبل لإجراء الانتخابات الرئاسية وسط حالة انقسام شديد داخل النخبة السياسية التي يتمسك كل طرف منها بمواقفه,ورغم ان النظام الموريتاني دخل منذ ايام في اتصالات فردية مع قادة المعارضة الراديكالة من اجل اقناعهم بالمشاركة في الانتخابات المزمع إجراؤها بعد اشهر,الا ان شروط المعارضة والتي علي راسها تشكيل وحدة وحدة وطنية تشرف علي الانتخابات وتأجيلها  لقيت رفضا من النظام الذي ابدي استعداده لتوفير بقية شروط المعارضة كحياد الدولة والقوات المسلحة ودعم الاحزاب المشاركة ماديا .

,وامام تصلب مواقف المعارضة والنظام تبدو كل الاحتمالات مفتوحة  في بلد يعرف منذ استقلاله عام 1960 عن فرنسا  حالة من عدم الاستقرار السياسي بفعل الانقلابات المتلاحقة والتي وصلت الي 10 انقلابات في اقل من خمسة عقود.

ويري بعض المراقبين ان المعارضة الموريتانية في حال مانجحت في توحيد صفها في الانتخابات المقبلة واتخاذها قرارا موحدا بمقاطعة الرئاسية ,فان ذلك سيشكل ضربة قوية للنظام الموريتاني الذي يعول كثيرا علي مشاركتها والتي يأمل من خلالها    الي اعتراف دولي بنتائج تلك الانتخابات ان اجريت  في وقتها  خاصة وان اغلب شركاء موريتانيا في التنمية وعلي رأسهم الاتحاد الاوروبي يربط تقديم مساعدات مالية لحكومة نواكشوط  باستقرار موريتانيا سياسا,وهو  الاستقرار الذي لن يتم وفق المراقبين الا اذا دخلت المعارضة والنظام في عملية سياسية ترضي جميع الأطراف المتنازعة وفي انتظار ما ستستفر عنه الاشهر القادمة تبقي الأزمة السياسية في موريتانيا مفتوحة علي كل الاحتمالات.