فتحَ بيانُ  صادرُ عن  وزارة الخارجية الأمريكية   يحذُر الرعايا الامريكيين والاوربيين   من السفر الي موريتانيا منذ أسابيع  الملفَ الأمني من جديد  في هذا البلد الافريقي الذي يواجه العديد من التحديات  علي كل الاصعدة,ورغم الخطة الامنية التي وضعتها موريتانيا منذ وصول رئيسها الحالي محمد ولد عبد العزيز لسدة الحكم والتي ساهمت الي حد كبير وفق المراقبين في عودة الأمن لهذه الركن القصي من العالم العربي الا أن تحديات الارهاب العابر للحدود وتجارة المخدرات وتهريب الأسلحة أمور من بين اخري تشكل اكبر التهديدات  لبلد  اشتهر  بانقلاباته العسكرية .

 

تحدياتُ جغرافية

يري بعضُ المراقبين ان منطقة جنوب  الصحراء  تبرز باعتبارها مرتعاً لعدم الاستقرار وانعدام الأمن. إذ يثير تقاطع مجموعة من العوامل، من الثورات في شمال أفريقيا وانتشار الأسلحة، إلى تهريب السلع غير المشروعة العابر للحدود الوطنية والأنشطة الإرهابية التي يقودها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، اهتماماً شديداً بهذا الجزء من العالم.

وتواجهُ الدولُ في هذه المنطقة، والتي ظهرت إلى الوجود وهي في حالة من الفقر المُدقع وبإحساس ضعيف بالهويّة المشتركة، تحدّيات تنموية هائلة. فالحكومات ضعيفة بصورة مزمنة وتعاني من وجود مؤسّسات سياسية  ضعيفة ، وتوترات عرقية - سياسية حادة، ونقص في الخدمات الأساسية والسلع العامة وفساد مستوطن. وفي سياق صراعها مع الاضطرابات الداخلية، تبدي هذه الدول قدرة محدودة على مراقبة حدودها والحفاظ على احتكار الاستخدام المشروع للقوة، حيث تتدخّل الجريمة المنظّمة لملء الفراغ.

وتجسّد ُموريتانيا المخاطر التي تطرحها هذه الدول غير المستقرّة، والتي تتمتّع بقدرات ضعيفة، على الأمن الإقليمي والدولي. وثمّة ثلاثة ضغوط تبرز بوصفها حاسمة بالنسبة إلى وضع موريتانيا الحالي من عدم الاستقرار: ضعف وفساد مؤسّسات الدولة؛ التوتّرات الاجتماعية والسياسية المتجذّرة في الهياكل القبليّة القديمة والانقسامات العرقيّة والعنصرية التاريخية، وتنامي التشدّد في أوساط الشباب الموريتاني. وتتفاقم مشكلة التطرّف الداخلي بسبب ترابطها مع القوى العابرة للحدود الوطنية مثل عمليات التهريب غير المشروعة والشبكات الإرهابية الإقليمية. هذه العوامل يعزّز بعضها بعضاً، وتخلق حلقة مفرغة يجب كسرها من أجل استعادة شيء من الاستقرار-وفق الكثير من المراقبين-

 

تحدياتُ سياسية

يعتبرُ الاستقرارُ  السياسي في موريتانيا شرطا أساسيا للاستقرار الامني و لمواجهة مد التطرف والإرهاب ,و حققت موريتانيا رقما قياسيا في عدد الانقلابات العسكرية في الوطن العربي , حيث شهد هذا البلد أكثر من 10 انقلابات قام به العسكر وقد اعتادت المؤسسة العسكرية , الحكم في موريتانيا سواء بشكل مباشر عبر سلطات إستثنائية , أو من وراء ستار في ظل حكم شمولي.

ويمكن تقسيم حكم العسكريين منذ 1984 إلي مرحلتين تميزت الأولي بالتدخل المباشر للعسكر في إدارة النظام السياسي , في حين شهدت المرحلة الثانية الإشراك النسبي للمدنيين في اللعبة السياسية ولكن تحت وصاية القيادات العسكرية . 

وفي الحقيقة كانت الصدمة التي شكلها الانقلاب الأخير الذي عرفته موريتانيا عام 2008 غير مبررة لأن كل الانقلابات التي عرفتها موريتانيا في كفة والانقلاب العسكري الأخير في كفة أخري , ذلك أن دلالاته كانت قاسية ومحبطة , فبعد أن حققت موريتانيا منذ قرابة العام وأربعة أشهر المفاجأة المذهلة التي أسالت الكثير من المداد , إعجابا وتقديرا لتجسيدها المبهر لأول انتخابات حقيقية وحرة ونزيهة لا غبار عليها وشهد بشرعيتها القاصي والداني , تعود موريتانيا إلي نقطة الصفر وكأن تلك الولادة الحقيقية لتجربة ديمقراطية كانت وهما ونضجا عابرا . 

لذلك فإن الانقلاب الذي أطاح بالرئيس  سيدولد الشيخ عبدالله , أول رئيس منتخب ديمقراطيا ودستوريا منذ 47 عاما من الاستقلال في موريتانيا , كان في الحقيقة انقلابا علي روح التغيير وعلي جوهر الديمقراطية الناشئة , وعلي الامن .

وفي ظل انشغال العسكر في موريتانيا بتثبيت اقدامهم في مفاصل الدولة كانت أيادي الارهاب الخفية تنخر جسم الدولة الضعيفة وتعبث بها وهي نتيجة حتمية لشل المؤسسة العسكرية وتقزيمها في الشأن الداخلي وانشغالها عن التحديات الخارجية والتي علي رأسها الارهاب.

 

تحدياتُ أمنية في ظل مواجهة مفتوحة

بعد الانقلاب العسكري الفاشل الذي حاول الاطاحة بنظام ولد الطايع عام 2003 وانشغال المؤسسة العسكرية الموريتانية في تصفية ضباطها المتورطين في تلك المحاولة, تلقت موريتانيا أول صفعة مباشرة  من الجماعة السلفية للدعوة والقتال  في هجوم لها  على حامية عسكرية في بلدة "لمغيطي" في 4 يونيو 2005، جلب إلى طاحونة الأوضاع الأمنية في موريتانيا  المترتبة عن الانقلاب نصيبا هاما من القلق و مثله معه من الريبة و الشك.

فعندما تعرضت وحدة من الجيش الموريتاني في الشمال الشرقي حوالي 150 كلم من الحدود مع مالي، لهجوم كاسح أدى إلى مقتل 15 جنديا و جرح 17 و 2 في عداد المفقودين، اعتبرها الرأي العام حينذاك مجرد مناورة سياسية من طرف نظام ولد الطايع، للتلويح بتهديدات إرهابية قصد تبرير التضييق على الحريات العامة و الحصول على معونات سخية من صندوق الحرب على الإرهاب.

ثم توالت العمليات المحسوبة على القاعدة في موريتانيا. في 24 دجمبر 2007 اغتيل أربعة مواطنين فرنسيين من أسرة واحدة قرب مدينة "ألاك" في هجوم نفذه ثلاثة شبان موريتانيين ينتمون إلى تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي. و في 27 دجمبر 2007 وقعت سيارة استطلاع تابعة لثكنة "الغلاوية" في الشمال، قرب مدينة وادان في كمين للقاعدة أسفر عن مقتل 4 عسكريين. و في مارس 2008 هوجم مقهى قرب السفارة الإسرائيلية في انواكشوط و جرح فيه شخصان، و في 6 و7 إبريل 2008 جرت اشتباكات دامية في شوارع نواكشوط بعد أن انتقلت المعاركة إلى العاصمة. و في 9 سبتمبر 2008 وقعت وحدة من الجيش الموريتاني في كمين قرب بلدة "تورين" بالشمال، أسفر عن مقتل 11 جنديا موريتانيا في شهر رمضان و مثل بجثامينهم. و في 23 يونيو 2009 قتل مواطن أمريكي في انواكشوط ضمن عملية تبنتها القاعدة بعد يومين. و في سبتمبر 2009 استهدفت السفارة الفرنسية في انواكشوط بتفجير انتحاري. و في 29 نوفمبر 2009 اختطف ثلاثة رعايا إسبان على الطريق السريع الرابط بين انواكشوط و انواذيبو و تم اقتيادهم إلى معسكرات تنظيم القاعدة في شمال مالي، قبل أن يفرج عنهم بعد ذلك في إطار صفقة دولية معقدة. و في 25 أغسطس 2010 هاجمت القاعدة بسيارة مفخخة مقر قيادة المنطقة العسكرية في مدينة النعمة شرقي موريتانيا على الحدود مع مالي، وقد أسفرت العملية عن مقتل جندي موريتاني و جرح آخرين.

 

موريتانيا أكثرَ أمنا في ظل مقاربات جديدة

بعد سنتين من انتخابات 2009والتي أوصلت الرئيس الموريتاني الحالي محمد ولد عبد العزيز الي سدة الحكم ,قرّر الجيش الموريتاني اعتماد إستراتجية جديدة في مواجهته مع تنظيم القاعدة، تقوم على نقل المواجهات من الأراضي الموريتانية إلى شمال مالي، حيث توجد معاقِـل ومُـعسكرات التنظيم المسلّـح الذي يتحرّك في مساحة جغرافية واسعة، فشلت الدول التابعة لها إداريا في بسْـط السيطرة عليها، وتشمل مناطق شاسعة من ولايتيْ تَـمنراست وآدرار في جنوب الجزائر، ومناطق شاسعة من شمال مالي وغرب وشمال النيجر.

وقد نفّـذ التنظيم انطلاقا من تلك الصحراء، عدّة عمليات في عُـمق الأراضي الموريتانية، أسفرت عن مقتل عشرات الجنود الموريتانيين والاستيلاء على كميات كبيرة من الذخيرة والعتاد واختطاف وقتْـل عدد من الرّعايا الغربيين. وقد ظل الجيش الموريتاني في السابق، يكتفي بموقف الدِّفاع عن النفس، فيما تولّـت أجهزة الأمن ملاحقة عناصر التنظيم، الذين يتسلّـلون إلى الأراضي الموريتانية.

غير أن النظام الحاكم في نواكشوط  الخرج لتوه من انقلاب عسكري ارتأى اعتماد مقاربة جديدة، تقوم على توجيه الضربات العسكرية الاستباقية وسياسة المكايدة الفكرية والفقهية.

 

مواجهةُ  فكرية

بعد سنوات  على بدء المواجهة المفتوحة بين  الجماعات المسلحة في الشمال المالي والحكومة الموريتانية، أدْركت نواكشوط أن إستراتيجية القبْـضة الأمينة والعسكرية الدِّفاعية، لا تكفي وحدها لمواجهة العنف الايديولوجي، لذلك سارعت السلطات الموريتانية الجديدة إلى مراجعة المقاربة العسكرية، التي اعتادتها في السابق لمحاربة الجماعات الإسلامية المسلحة، وذلك من خلال تشديد وتعزيز قبْـضتها العسكرية والأمنية، وتبادل الأدوار مع القاعدة عبْـر الانتقال من موقِـع الدفاع إلى موقع الهجوم، كل ذلك بالتوازي مع مدّ يَـد للحوار وفتح باب التّـوبة والتّـراجع أمام الشباب الموريتانيين المُـنخرطين في التنظيم، والراغبين في التراجع عنه، فضلا عن القيام برُزمة إجراءات وتحسينات على مستوى المؤسسة الدِّينية في البلد، بهدف العمل على تجفيف المنابِـع الفكرية والموارد البشرية للمجموعات المتطرّفة، وذلك عبْـر فتح حوار مع السجناء المحسوبين على تنظيم القاعدة في سجون نواكشوط، والإفراج عن عشرات منهم بعد توقيعهم على بيانات أكّـدوا فيها تخلِّـيهم عن العنف ورفضهم للأسلوب الذي ينتهِـجه تنظيم القاعدة.

 

مواجهةُ دِينية

وبالتّـوازي مع ذلك، أعلن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز عن إنشاء إذاعة دينية تسمّـى "إذاعة القرآن الكريم"،و فضائية اطلق عليها اسم المحظرة  متخصِّـصة  هي الاخري في بث البرامج الدِّينية والتلاوات القرآنية، كما أمر الحكومة ببناء أكبر مسجد في تاريخ البلاد يتّـسع لأزيد من 15 ألف شخص، وطباعة مصحف شريف برواية الإمام ورش عن نافع، وهي القراءة الأكثر انتشارا في موريتانيا، ويحمل اسم "مصحف شنقيط"، نسبة إلى مدينة شنقيط التاريخية العِـلمية في موريتانيا، واكتتاب 500 إمام مسجد يتقاضَـون رواتبهم من ميزانية الدولة,كما صادق البرلمان الموريتاني  على قانون جديد لمحاربة الإرهاب تقدّمت به الحكومة، ينُـصّ على تشديد الإجراءات والعقوبات في حقّ المتَّـهمين بالإرهاب، مقابل فتح باب التّـوبة والتراجع أمام الرّاغبين في العدول عن نهْـج التطرف والغلو.

وتأمل السلطات الموريتانية  وفق بعض الخبراء أن تساهم هذه الإستراتيجية، المتعدّدة الجوانب، في التخفيف من وطْـأة مواجهتها مع المجموعات المتطرِّفة، التي ترابط في صحراء شمال مالي على تُـخوم حدودها الشرقية والشمالية، والتي استقطبت عشرات من الشباب الموريتانيين، باتوا يشكِّـلون نسبة مُـعتبرة بين مقاتلي التنظيم، ونفَّـذ بعضهم عمليات انتحارية في موريتانيا ومالي والنيجر والجزائر، ومات آخرون في مواجهات مع جيوش المنطقة، وما يزال آخرون ينتظرون مصيرهم ويتدرّبون على القتال والمواجهة في مُـعسكرات تنتشِـر في صحراء  مترامية الاطراف  لا سلطان لأي دولة عليها، يسمِّـيها أمراء التنظيم "صحراء الإسلام" و"طورا بورا المغرب الإسلامي". وتسميها موريتانيا وحلفاؤها بوكر الارهاب العالمي الواجب استصاله فلمن ستكون الغلبة؟