صراخ رضيع هو ما لفت انتباهنا عندما دخلنا إلى مركز إيواء المُهاجرين المؤقت بمدينة زوارة السّاحليّة، غربي ليبيا على بُعْدِ 50 كيلو مترا من الحدود التّونسيّة.

مصدر الصوت كان طفلة وليدة أيام، تصرخ في حُضن أُمها التي تحاول إسكاتها. وعند سكوت الرضيعة تحدثت أمها ماريانا إلى مراسلة أصوات الكثبان فقالت "طفلتي عمرها سبعة أيام فقد وُلِدَت قبل أن تنطلق رحلتنا للهجرة بيومين ولم تنتظر بضعة أيّام أُخْرى لِتكون ولادتها في أرض الاحلام أوروبا، كما تمنيت أنا ووالدها".

المهاجرون أمام مركز الإيواء بزوارة

وعن تفاصيل قصتها روت ماريانا قائلة "جئت أنا وزوجي من غامبيا هرباً من الجوع والفقر، وتنقلنا إلى ليبيا عبر الصحراء منذ أكثر من سنتين، عملنا في كل شيء لنجمع المال. ولمّا مرض زوجي، لم يعد بِوِسعِنا الانتظار أكثر وقررنا أن نلجأ إلى أوروبا بما جمعناه من مال قبل أن ينفد في ليبيا. فتوجهنا إلى مدينة صبراتة في الغرب الليبي، وبقينا هناك ستّة أشهر حتى استطعنا أن نجد مكانا لنا على إحدى المراكب التي تخرج من هناك وخططنا لأن يكون إنجاب المولود في أوروبّا حتّى يكون البلسم السحري لإتمام تراتيب الإقامة بدون تعقيد".

وأضافت ماريانا "لكن الرحلة تأخرت عدة مرات وهذا ماجعلني أنجب ابنتي قبل وصولنا إلى هناك. وقد كادت طفلتي أن تموت بين يديّ لمّا تعطّل بنا المركب في عرض البحر وأنا التي كنت سأهرب بها إلى أرض الحياة وها نحن اليوم ننتظر مصيرنا في مركز إيواء".

قادون إلى وِجهة غير معلومة

اضطرّت ماريانا لقطع روايتها لتترك المجال للفريق الصحّي للهلال الأحمر بزوارة لتقديم الرعاية لها ولابنتها. وصرّحت سميرة العطوشي، إحدى أعضاء الفريق، لأصوات الكثبان :"أنا ضمن فريق الدعم النفسي والترابط الأسري ومن مهامنا الاهتمام بحالات مثل ماريانا، بحيث نُوفِّر لها ولابنتها رعاية طبية خاصة تتضمّن جلسات علاج نفسي لطمأنتها على مصيرها". 

وفي هذا الإطار، تُوضِّح سميرة بأنّهم يمنحون بصفة دورية ماريانا ورفيقاتها هاتفا دوليّا للاتّصال بأهاليهم وطمأنتهم بأنّهم مازالوا على قيد الحياة وموجودون في مركز إيواء بزوارة.

إيواء المهاجرين

ويُوَضِّح الرائد أنور أبوديب، مُدير المكتب، أنّ "الظّروف الّتي تمرّ بها البلاد هي الّتي جعلتهم يتحمّلون مسؤوليّة إيواء المهاجرين ويحوّلون وظيفة مركزهم بشكل مؤقت، رغم أنّ هذه الشّؤون ليست في دائرة عملهم الّذي يتمثّل في الأساس في التّثبّت من الوضعيّة القانونية للأجانب المتواجدين في ليبيا".

ويُضيف الرائد أنور أنّ "هذا الملف يتطلب الكثير من الجُهود والإمكانيات، في حين أنّ المركز لا يتلقّى سوى بعض الإعانات من المجلس البلدي".

وقال مدير المكتب إنّ "مدينة زوارة خلت مؤخّرا من ظاهرة الهجرة السرّيّة بفعل سيطرة الجهات الأمنية المُكلّفة بتأمين كل الحدود الإدارية إلا إننا لانزال نتحمل تبعات وأعباء المناطق المجاورة، فحين تتعطل مراكب المهاجرين بالقرب من شواطئنا ويتم إنقاذها من خفر السواحل أو أحد مراكب الصيد التي تُصادفها في عرض البحر، نتوجه إلى عين المكان ليتم توثيق الحادثة بالمكان والتاريخ وحصر المهاجرين بالعدد والأسماء والجنسيات، وبالتعاون مع الهلال الأحمر يتم إجراء الكشوفات الطبية الضّروريّة ونقل الحالات العاجلة إلى المستشفى في حين يتم نقل باقي المجموعة إلى مركز الإيواء المؤقت بزوارة".

واختتم الرّائد أنور تصريحه لأصوات الكثبان بلفت نظر جميع المسؤولين، محلّيّين ودوليّين، إلى وضع العاملين في المركز وعددهم 30 شخصا  فهم لا يتمتّعون حتّى بالتّأمينات الصحّيّة الضّروريّة رغم خطر عدوى شتّى الأمراض الّذي يواجهونه.

صخرة الواقع المرّ

وللإشارة، فإنّ تنقّل هؤلاء المهاجرين من مركز إلى آخر يتطلب تنسيقات أمنية وإمكانيات لوجستية، نظرا لإمكانيّة تعرّضهم لتحويل الوجهة حيث يتمّ تعنيف وإبعاد مرافقي المهاجرين في الطّريق ويتم ابتزاز هؤلاء مقابل الإفراج عنهم، بحسب الرّائد أبوديب.

ويروي علي كيف أنّه قدم إلى ليبيا منذ أربع سنوات وعمل في ميادين مختلفة لجمع المبلغ الضّروري للعبور إلى أوروبّا.

أطلق علي تنهيدة طويلة ثم قال "سلّمت أحد المهربين مبلغ 1500 دولارا تمكنت من جمعه. ولكن، بعد انطلاق المركب من صبراتة ببضع ساعات، توقف المحرّك فجأة وأخبرنا قائد السّفينة بنفاد الوقود فبقينا في عرض البحر لأكثر من 72 ساعة، اعتقدنا في هذه الأثناء أنها النهاية وأنّنا سنموت هُناك، حتى عثر علينا مركب صيد وأرسل بلاغا لإنقاذنا".

وانضمّ علي وأصحابه إلى قائمة 2202 مهاجِرا تم إنقاذهم سنة 2016، حسب الاحصائية الرسمية لمكتب مباحث الجوازات بزوارة. وقضّى كل من هؤلاء ليالي معدوداتٍ هناك قبل أن يغادِر تحت الحراسة، ملوِّحا بِكِلْتا يَدَيْه إلى المركز والعاملين فيه غَيْرَ مُدْرك أين ستكون محطته المقبلة.