أصبح السفر من ليبيا إلى إيطاليا هو الطريق الرئيسي لأوروبا منذ إبرام اتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا لإغلاق طريق تهريب البشر عبر اليونان العام الماضي.وعبر أكثر من 600 ألف البحر في زوارق إلى إيطاليا منذ 2014.وسعت الدول الأوروبية إلى تكثيف جهودها بالتعاون مع الدول التي ينطلق منها المهاجرون في محاولة لوقف تدفقهم.لكن السياسات الأوروبية تعرضت لانتقادات من جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان تقول إنها تؤدي إلى حصار المهاجرين في ليبيا مما يعرضهم للمزيد من الانتهاكات هناك.

وفى تطور جديد،اتفق وزراء أوروبيون وأفارقة فى الوثيقة الختامية للاجتماع الثالث لوزراء داخلية مجموعة الاتصال حول طريق الهجرة بوسط المتوسط،الذي عقد في العاصمة السويسرية بيرن،الاثنين 13 نوفمبر 2017،على مجموعة من المبادرات تهدف إلى مساعدة الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين الذين تقطعت بهم السبل في منشآت احتجاز سيئة السمعة في ليبيا.

وأعلنت المجموعة، التي تضم 16 من الوزراء والمسؤولين البارزين في الاتحاد الأوروبي، أن منظمات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يجب أن تحصل على فرص الوصول بطريقة أفضل إلى مراكز الاحتجاز. وأكدت أنه يجب إطلاق سراح المحتجزين الضعفاء مثل الأطفال والنساء.كما اتفقت المجموعة على ضرورة تعزيز الخدمات القنصلية الخاصة بالدول الأصلية للمهاجرين، حتى يتمكن الأشخاص الذين يرغبون في العودة إلى بلدانهم من القيام بذلك بسهولة أكبر.

وتأتي هذه الإجراءات،بالتزامن مع تصاعد الإنتقادات لوضع المهاجرين في ليبيا،ففي تصريح له،أعرب المفوض السامي لحقوق الإنسان،الثلاثاء،عن إمتعاضه إزاء الزيادة الحادة في عدد المهاجرين المحتجزين في ظروف مروعة في مراكز الاحتجاز في ليبيا، قائلاً إن سياسة الاتحاد الأوروبي في مساعدة خفر السواحل الليبي على اعتراض المهاجرين في البحر المتوسط وإعادتهم تتسم باللاإنسانية.

وندد المفوض في بيانه بالمساعدة التي يقدمها الاتحاد الأوروبي وإيطاليا لخفر السواحل الليبيين لضبط المهاجرين في عرض البحر "رغم المخاوف التي أعربت عنها مجموعات الدفاع عن حقوق الإنسان" بشأن مصير المهاجرين.لافتا إلى أن "تدخلات الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء المتزايدة لم تسمح حتى الآن بخفض عدد التجاوزات التي يتعرض لها المهاجرون".

وتعتبر "رحلة الموت" عبر الصحراء من منطقة أفريقيا جنوب الصحراء إلى ليبيا ومنها عبر البحر إلى إيطاليا،هي الآن المسار الرئيسي الذي يستخدمه اللاجئون وغيرهم من المهاجرين المتجهين إلى أوروبا بعد أن أغلقت تركيا المسار الرئيسي الآخر عبر اليونان الذي أدى إلى دخول قرابة مليون شخص في 2015.

وبحسب تقارير إعلامية وصل نحو 115 ألف مهاجر إلى شواطئ إيطالية منذ بداية العام،وذكرت المنظمة الدولية للهجرة،الجمعة الماضي،أن عدد حالات الوفاة المعروفة أثناء محاولة عبور البحر المتوسط بلغ نحو 2750. ويعتقد أن عدد القتلى في منطقة الصحراء الكبرى يبلغ مثلي هذا العدد على الأقل.

وفي الوقت الذى يقول فيه مسؤولون أوروبيون وأفارقة إن الأعداد التي تصل إلى أوروبا بدأت أخيرا في التراجع خلال الشهور القليلة الماضية نتيجة تحسن جهود مكافحة التهريب،يشير مراقبون إلى أن هذا قد أدى أيضا إلى تقطع السبل بعشرات الآلاف من المهاجرين في ليبيا. وكثيرا ما يجري احتجاز هؤلاء في ظروف تقول جماعات حقوقية إنها خطيرة وغير إنسانية.

ووفقاً لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في ليبيا، تم احتجاز 19900 شخص في مراكز خاضعة لسيطرتها في أوائل نوفمبر الجاري، في مقابل ما يزيد على 7000 شخص في منتصف شهر سبتمبر الماضي عندما احتجزت السلطات الآلاف من المهاجرين عقب اشتباكات مسلحة في صبراتة، التي تعد مركزاً للتهريب والاتجار وتقع على بعد حوالي 80 كيلومتراً غرب طرابلس.

ويقوم الاتحاد الأوروبي وإيطاليا بتقديم المساعدة إلى خفر السواحل الليبي لاعتراض زوارق المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك في المياه الدولية، على الرغم من المخاوف التي أثارتها مجموعات حقوق الإنسان من أن ذلك من شأنه أن يحكم على المزيد من المهاجرين بالاحتجاز التعسفي ولأجل غير مسمى ويعرضهم للتعذيب والاغتصاب والاستغلال والابتزاز.كما أن من يتم احتجازهم، لا تتاح لهم إمكانية الطعن في قانونية احتجازهم إضافة إلى انعدام إمكانية الحصول على المساعدة القانونية.

وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان إن "التدخلات المتزايدة للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه لم تكن مجدية حتى الآن في الحد من الانتهاكات التي يعاني منها المهاجرون،" وأضاف "إن أعمال الرصد التي نقوم بها تظهر، في الواقع، تدهوراً سريعاً في أوضاعهم في ليبيا".مشيرا،إلى أن "مراقبين لحقوق الإنسان" توجهوا إلى طرابلس من الأول إلى السادس من نوفمبر لزيارة مراكز الاعتقال ومقابلة المهاجرين المعتقلين فيها.وقال إن "المراقبين صدموا لما شاهدوه: آلاف الرجال والنساء والأطفال الهزيلين في حال الصدمة، المكدسين بعضهم على البعض الآخر، محتجزون في عنابر ومجردون من كرامتهم".

فيما إعتبر رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، فائز السراج خلال لقائه بالمفوض السامي لحقوق الإنسان، في أكتوبر الماضي،أن "الحكومة تعمل ما بوسعها، وبقدر المتوفر من إمكانات، لتحسين ظروف المعيشية في مراكز الإيواء إلى أن يتم إعادة المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية.. دعم تلك الدول (المصدرة للمهاجرين) اقتصاديًا سيساهم إلى حد كبير في حل المشكلة".مشيرا إلى أن "الحل الحاسم للقضية يكمن في تحقيق الاستقرار في ليبيا، حيث يمكن للدولة تأمين حدودها، والاستعانة بمئات الآلاف من العمالة بطرق شرعية من الدول الإفريقية، مثلما كان الوضع سابقًا".

وتسعى وكالات الأمم المتحدة جاهدة لتقديم الدعم لآلاف المهاجرين الذين أتى أغلبهم من أفريقيا جنوب الصحراء والذين تقطعت بهم السبل بعد القتال.وكانت الأمم المتحدة،أعلنت مؤخرا إجلاء 25 لاجئا من ليبيا إلى النيجر لحين النظر في طلبات إعادة توطينهم، في أول عملية من نوعها في ليبيا.وذلك في إطار جهود توفير الحماية للاجئين وغيرهم من المهاجرين المعرضين للخطر الذين يسافرون إلى ليبيا يحدوهم الأمل في عبور البحر المتوسط إلى إيطاليا في رحلة محفوفة بالمخاطر.

وقالت الأمم المتحدة ،الأحد الماضي،إن المجموعة الأولى من اللاجئين التي جرى إجلاؤها من طرابلس إلى نيامي جوا،شملت 15 امرأة وستة رجال وأربعة أطفال من إريتريا وإثيوبيا والسودان.وقال روبرتو مينوني ممثل مفوضية اللاجئين في ليبيا في بيان إن العملية نتاج مبادرة مشتركة بين المفوضية وحكومتي ليبيا والنيجر، مضيفا أن النيجر وافقت على استضافة المجموعة لحين التعامل مع طلبات إعادة توطينهم في دولة ثالثة.

وأغلب المهاجرين الذين يسافرون عبر ليبيا إلى أوروبا يأتون من دول أفريقيا جنوب الصحراء. وكثيرون منهم يفرون من الفقر أو القمع أو الصراعات.وتسعى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لفتح مركز لعبور اللاجئين في طرابلس أوائل العام المقبل لإيواء بعض اللاجئين الأكثر عرضة للخطر أثناء انتظارهم الإجلاء أو إعادة التوطين.وتنفذ المنظمة الدولية للهجرة عمليات ترحيل طوعي للمهاجرين من ليبيا وأعادت أكثر من 10600 إلى ديارهم حتى الآن هذا العام.