سمحت الرقابة الإسرائيلية بنشر تفاصيل حول دور جهاز الاستخبارات والعمليات الخاصة (الموساد) في تقسم السودان، وطبيعة الدور الذي لعبته في تسليح جيش جنوب السودان، وكيف عمل رجل الموساد “دافيد بن عوزئيل”، الذي اشتهر بلقب (طرزان) في بناء القوة العسكرية والاقتصادية لجنوب السودان، وعرف هناك باسم “الجنرال جون”.

ونشر موقع (ميدا) الإسرائيلي الكثير من تلك التفاصيل، التي وردت في كتاب (طرزان) الجديد، وقال إن إسرائيل نظرت إلى السودان التي كانت أكبر الدول الأفريقية، منذ زمن بعيد، على أنها تمثل أزمة شائكة، منذ أن سارت على نهج الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، واستضافت قمة الخرطوم في أواخر آب/ أغسطس 1967، والتي سُميت بـ”قمة اللاءات الثلاثة”، وهي “لا للسلام مع إسرائيل، ولا للاعتراف بإسرائيل، ولا للمفاوضات معها”.

ويقول الموقع أن الكثير من الإسرائيليين نظروا إلى السودان على أنها دولة عربية إسلامية، ولكنها حقيقة كانت تتكون من مجموعات عرقية مختلفة، وكان بها الملايين من غير العرب وغير المسلمين، مضيفا أنه “تم الاتفاق على شطر السودان كما يتم شطر الفطيرة” بعد أن تم التوصل إلى نتيجة بأنه لا يمكن أن تستقيم الأمور في ظل وجود شمال عربي مسلم، وجنوب مسيحي.

ويلفت الموقع إلى أن الجنوبيين بدأوا في طلب المساعدة من إسرائيل منذ النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي، وأنه في عهد رئيسة الحكومة الإسرائيلية “جولدا مئير” تقرر تقديم هذا الدعم للجنوبيين، مضيفا أنهم نجحوا بعد أربعة عقود من الدعم الإسرائيلي في جذب الانتباه الغربي إلى قضيتهم، إلى أن تم التقسيم في تموز/ يوليو 2011.

ويشير الموقع الإسرائيلي إلى أن سفير جنوب السودان الأول لدى تل أبيب “روبين ماريال بنجامين”، حين قدم أوراق اعتماده للرئيس الإسرائيلي “ريؤوفين ريفلين” في كانون الأول/ ديسمبر 2014، سلمه خطابا جاء فيه: “لقد أقيم جنوب السودان بفضلكم، لقد ولد الجنوب بفضل دولة إسرائيل والجنرال جون”.

ويفسر الموقع ذلك بقوله إن “الجنرال جون المقصود هنا، هو رجل الموساد دافيد بن عوزئيل، الذي اشتهر بلقب (طرزان)، وكان قد بدأ حياته بسلاح المظليين، قبل أن يلتحق بالموساد، ويبدأ عمله في إثيوبيا ومناطق أخرى في القارة الأفريقية، ولعب دورا كبيرا في هجرة يهود الفلاش مورا، وهو من قام ببناء جيش جنوب السودان، وأشرف على تدريبه وتسليحه”.

وبحسب الموقع، فقد نشرت التفاصيل الكاملة لقصة (طرزان) في كتابه الجديد: “مهمة الموساد في جنوب السودان”، مشيرا إلى أن ثمة ثلاثة أسباب وراء توجه إسرائيل نحو دعم الجنوب حتى انفصاله، وأن أول هذه الأسباب “تعزيز الدائرة الثانية التي بنتها إسرائيل حول الدول العربية، والتي تشمل تركيا وإيران وإثيوبيا وكينيا”، أما السبب الثاني هو “منع الترابط بين وحدات الجيش السوداني بالجيش المصري”، أما السبب الثالث فهو “مساعدة السكان الجنوبيين في مواجهة الإرهاب الإسلامي”، على حد وصفه.

ويزعم الكتاب أن حركة (الأنيانيا) المتمردة، والتي تأسست خلال الحرب الأهلية السودانية الأولى، في الفترة  1955 – 1972، تحولت إلى جيش قوي بفضل ثلاثة من ضباط الموساد، وعلى رأسهم “بن عوزئيل”، الذي عمل مستشارا عسكريا وتنظيميا للمتمردين، و”إيلي كوهين” الذي عمل مستشارا سياسيا، و(تشارلي) الذي كان يتحدث اللهجة السودانية بطلاقة، مضيفا أن الثلاثة طاروا إلى نيروبي عاصمة كينيا عام 1969، ومن هناك إلى كامبالا عاصمة أوغندا، ووصلوا إلى جنوب السودان، حيث التقوا اللواء “جوزيف لاقو” قائد حركة (الأنيانيا).

ويروي الكتاب تفاصيل بناء جيش المتمردين الجنوبيين، والمساعدات العسكرية والتدريب الذي حصلوا عليه من إسرائيل، وكيف أخبر (لاقو) ضباط الموساد في اللقاء الأول أن “الجنوبيين يحتاجون السلاح احتياجهم للهواء، وأن كميات كبيرة من السلاح ستمكنهم من مواجهة العرب المسلمين”، وكيف أن ضباط الموساد أقنعوه بأن عليهم إلى جوار التسليح العمل على تنمية مجال الزراعة والطب والتعليم، وأن الأمر أقنعه بالسير وراء رؤيتهم، معتبرا أن الجنوبيين واليهود يتشابهان في تعرضهم للإبادة والاضطهاد.

ويسرد الكتاب الكثير من التفاصيل حول دور الموساد، ويحدد أن “بن عوزئيل”، درب الجنوبيين على كيفية بناء قوام الجيش وتقسيمه إلى وحدات وكتائب، وكميات السلاح التي يحتاجها، وكيف أنهم اصطحبوا (لاقو) إلى إسرائيل بعد ذلك، هناك حيث إلتقى جولدا مئير.

وتوالى الدعم العسكري الإسرائيلي للجنوبيين، وتوجهت العديد من الوفود إلى هناك، وتم تزويد حركة (الأنيانيا) بأسلحة ومعدات عسكرية كثيرة، غالبيتها كانت قد سقطت في أيدي الجيش الإسرائيلي إبان حرب الأيام الستة عام 1967.

ويروي الكتاب الكثير من التفاصيل التي شهدتها السنوات التالية، وصولا إلى عام 2011 حين تم إعلان انفصال جنوب السودان، ويقول إن  الرئيس “سيلفا كير ميارديت”، والذي كان مقاتلا في حركة (الأنيانيا) المتمردة، يذكر جيدا الدعم الإسرائيلي طوال العقود الماضية، وأنه وجه دعوة رسمية لـ (طرزان) لزيارة الجنوب بعد انفصاله، واستقبله استقبال الملوك، وأثنى على دوره في الانفصال، كما أرسل خطابا إلى رئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو”، يبلغه أنه اختار (الجنرال جون) ممثلا شخصيا له في إسرائيل.