على مدى سنوات عجزت ليبيا عن الخروج من أزمات إنسانية خانقة تعصف بها في ظل تواصل الصراع بين الفرقاء واستمرار غياب دولة المؤسسات وجيش موحد،لتتفاقم بذلك الأزمات المعيشية لليبيين بسبب انعدام الخدمات والأمن وخاصة في مدن الجنوب.

ويغرق جنوب ليبيا المنسي تماما، وفق منتقدين،منذ أيام في ظلام دامس، ما دعا مؤسسات المجتمع المدني إلى توجيه نداء استغاثة إلى البرلمان وحكومة الوفاق الوطني،فيما أصدر ممثلو الجنوب في البرلمان بيانا، الأحد، قالوا فيه إن "المنطقة (الجنوبية) تعاني منذ أسبوع انقطاع الكهرباء، وانعدام كامل في المحروقات (الوقود) وغاز الطهي".وحملوا في بيانهم المسؤولية عن ذلك لمجموعات مسلحة قطعت إمدادات الغاز والمحروقات على المدنيين.

والاثنين 16 يناير 2017،هدد أعضاء مجلس النواب عن المنطقة الجنوبية باتخاذ "إجراءات تصعيدية" في حال عدم قيام الجهات التنفيذية بدورها وإيجاد حلول للوضع المعيشي المتردي والمشاكل التي يعانيها سكان المنطقة.وقرر أعضاء المجلس عن المنطقة الجنوبية، تعليق عضويتهم بمجلس النواب احتجاجًا على عجز المسؤولين عن إيجاد حلول للوضع المزري الذي يعيشه الليبيون في الجنوب.

وفي بيانهم قال النواب:"نتابع عن كثب بكثير من الاستياء ما يتعرض له الجنوب الليبي هذه الأيام من انعدام في مستوى الخدمات الحياتية والمتمثلة في انقطاع التيار الكهربائي والمحروقات والسلع التموينية والأدوية وتعطيل المطارات مما أدى إلى انهيار القطاع الصحي وتعطيل المستشفيات الذي نتج عنه العديد من الوفيات بسبب عدم قيام الجهات التنفيذية بدورها المناط بها".وحمل أعضاء مجلس النواب عن المنطقة الجنوبية في بيانهم "مجلس النواب والجهات التنفيذية والمؤسسات التابعة لها المسؤولية تجاه ما يحدث في الجنوب"، معلنين "تعليق عضويتنا بمجلس النواب إلى حين إيجاد حلول للمشاكل سالفة الذكر وفي حال عدم قيام الجهات التنفيذية ذات الاختصاص بدورها فإننا سنتخذ إجراءات تصعيدية حيال ذلك".

من جهته،حمَّل عضو لجنة الحوار التابعة لمجلس النواب، صالح همه، الأطراف المتصارعة في ليبيا مسؤولية تردي الأوضاع الأمنية في منطقة الجنوب.وقال همه في تصريح صحفي،الاثنين، من غات: "إن انقطاع الكهرباء في الجنوب منذ 9 أيام تسبب في قتل الأطفال بسبب البرد، كما تسبب أيضًا في اختناق عائلات بسبب استعمال الفحم للتدفئة".وأضاف: "بل ما يزيد الطين بلة إغلاق مطار تمنهنت بعد حادث خطف طائرة الخطوط الأفريقية أخيرًا، مما جعل منطقة الجنوب بكاملها تعتمد على مطار واحد في غات".

يذكر أنه في ديسمبر الماضي اختطف ليبيان، طائرة مدنية على متنها 111 راكبا، وطاقمها المكون من 7 أفراد، كانت في رحلة داخلية من مطار "تمنهنت" إلى مطار "معيتيقة" في طرابلس، وحولا مسارها إلى مالطا، قبل أن يتم تحريرها، ومنذ ذلك الوقت ومطار "تمنهت" مغلق لـ"دواع أمنية".وقد سبق أن نظم عشرات من الليبيين،الجمعة 3 ديسمبر 2016، وقفة بمدينة سبها (جنوب)، للمطالبة بإعادة فتح مطار "تمنهنت"،حيث طالب المحتجون بتجنيب المنطقة أي عمليات عسكرية، وتسليم "قاعدة تمنهنت الجوية" التي تتضمن المطار المدني وقاعدة عسكرية، إلى سكان المنطقة لحمايتها، بدلا من القوات المتواجدة فيها حاليا الموالية لحكومة الوفاق الوطني.بحسب وكالة الأناضول.

وفي رد فعله على هذه التطورات،سارع المهندس مصطفى صنع الله رئيس المؤسسة الوطنية للنفط  بإطاء تعليمات واضحة إلي شركة البريقة لتسويق النفط بإعطاء الأولوية المطلقة في برمجة شحنات عاجلة دوريةً منتظمة وتركيز كل جهودها المتاحة للرفع من معاناة أهالي الجنوب.وأشار في تصريح لوسائل الإعلام  إلي أن الأرصدة الحالية  بمستودع سبها تكفي لتغطية احتياجات المنطقة الجنوبية من وقود الديزل ما يقرب من 18 يوم، في حين أن أرصدة البنزين  تكفي لمدة 45 يوم، مع تدني في أرصدة غاز الطهي والتي تكفي لمدة 3 أيام.

وأكد رئيس المؤسسة الوطنية للنفط،على أن هناك شاحنات قد غادرت مستودعات البريقة بمصراتة صباح يوم الأحد محملة بكميات من غاز الطهي لدعم الأرصدة وعمليات الشحن ستستمر يوميا وبشكل دوري.ووصف "صنع الله" الأوضاع الأمنية بالمنطقة الجنوبية وداخل مدينة سبها، تحد من  أنشطة التوزيع  وبالتالي يتعذر على شركة البريقة توسيع رقعة التوزيع وفِي هذا الإطار تناشد المؤسسة الوطنية للنفط جميع الأطراف وجميع القبائل بالتعاون لإيصال الوقود إلي جميع المناطق دون استثناء، من جانب آخر وجه المهندس مصطفى صنع الله شركة البريقة لتسويق النفط بإعطاء أولوية للمستشفيات و المرافق.

وفي سياق متصل،أكد رئيس لجنة متابعة أزمة الوقود والغاز "ميلاد الهجرسي" استمرار نقل مخصصات المنطقة الجنوبية من الوقود وغاز الطهي ،الاثنين 16 يناير 2017،إلى مستودع سبها النفطي.وقال "الهجرسي" في تصريح لوكالة أنباء التضامن ،الاثنين، إن الشاحنات تواصل نقل الكميات المخصصة للجنوب منذ السبت الماضي.وأضاف أن كميات من الوقود وصلت لمستودع سبها النفطي، فيما لا تزال شحنة أخرى في طريقها إلى الجنوب.وبين "الهجرسي" أن الكميات ستوزع على المدينة والمدن والبلديات المجاورة، مؤكدا أن كميات الوقود تكفي احتياجات المنطقة الجنوبية بالكامل.

وشهد الجنوب الليبي صراعًا قبليًا له طابع سياسي،واشتدت الصراعات المسلحة، في منطقة تعيش أوضاع معيشية صعبة جدًا، وذلك بسبب النقص الحاد في الوقود وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة.وهو ما تجسده معاناة المواطنين للحصول على الحد الأدنى من متطلبات الحياة، مع توقف غالبية الخدمات العامة والخاصة، وشلل المؤسسات الاقتصادية، وتوقف الآلاف عن العمل واستفحال الفقر في مناطق الجنوب.

وتتصاعد يوما بعد يوم موجة الإحتجاجات على الظروف الصعبة والأوضاع المعيشية القاسية الغير الإنسانية التي يعيشها الليبيون في الجنوب الليبي.وتأتي معاناة الجنوب وسط معاناة ليبيا من أزمة سياسية حادة حيث أعلن رئيس حكومة الانقاذ خليفة الغويل، عن الانقلاب على حكومة الوفاق الوطني، واحتل بعض مباني الوزارات، وردت الوفاق على ذلك بمطالبة القوات التابعة لها باخراج مسلحي الانقاذ من هذه الوزارت.وتلقي الصراعات بين الفرقاء بظلالها على الوضع في بلد يعاني منذ سنوات من غياب تام للإستقرار.