الهجوم الإرهابي الذي استهدف، مؤخرا، العاصمة البوركينية واغادوغو، وتبنّته القاعدة في المغرب الإسلامي، يمكن أن يستبطن هدف احتواء تنظيم داعش في منطقة غرب أفريقيا من جهة ويكرس وجود قطبين للإرهاب في الساحل الأفريقي من جهة أخرى.

ضربة إرهابية تعدّ الأولى من نوعها بالنسبة إلى بوركينا فاسو التي لم يسبق لها أن اختبرت مذاق الإرهاب على أراضيها، تأتي محمّلة برسائل مشفّرة، من بينها أنّ القاعدة أرادت أن ترسم "حدود مجال سيطرتها"، خصوصا وأن بوركينا فاسو تعتبر الخط الفاصل بين مجالي تحرّك التنظيمين المتنافسين على الشريط الساحلي والصحراء.

فالمجال الأول لداعش يغطّي الشمال الشرقي من نيجيريا، ومنطقة أقصى الشمال الكاميرونية إضافة إلى الجنوب الغربي لتشاد والجنوب الشرقي للنيجر، والذي يعتبر الحيّز الجغرافي الذي تتحرّك ضمنه مجموعة بوكو حرام الموالية، منذ 10 أشهر، لتنظيم داعش، لتبقى شكليا مرتبطة بـ"القاعدة الإقليمية" للتنظيم الأخير في سرت الليبية.

أما المجال الثاني، فيصنف على أنه من أبرز معاقل القاعدة في العالم، وتواجه ميليشياته في كلّ من اليمن وسوريا، حربا شرسة من قبل التحالف الدولي، ما أدّى إلى تضاؤل دورها وتراجع عملياتها.

ولذلك، فإنّ القاعدة، من خلال اختراقها لمعاقل الإرهاب المباحة في أفريقيا، إنّما تستفيد من تراجع بوكو حرام الاضطراري مؤخرا، بسبب الضربات التي يتلقاها التنظيم من التحالف الأفريقي المتشكّل من قوات بلدان حوض بحيرة تشاد، رغم عدم تفعيل هذه القوة بشكل رسمي بعد.

ومعلوم أن القاعدة في المغرب الإسلامي، وإثر طردها من شمالي مالي، مطلع العام 2013، من قبل عملية "سرفال" الفرنسية، تمكّنت من كسب معركة رمزية لكنها مهمة أمام خصمها داعش، وذلك عبر احتواء تنظيم "المرابطون" المتمركز في هذه المنطقة.

ولئن تبنت جماعة "المرابطون" الهجوم الذي استهدف، في نوفمبر الماضي، فندقا في باماكو، إلا أن القاعدة هي التي أعلنت هذه المرة مسؤوليتها عن هجوم واغادوغو، لحساب جماعة "المرابطون"، لتعيد بذلك ترتيب الهرم التسلسلي مع ابنها البار.

تناحر وتنافس يزلزلان إحداثيات الوضع في كلّ مرة، ويبرز أوجه الاختلاف بين تنظيمين يتبنّيان مطالب سياسية وعسكرية متباينة ويرميان إلى تحقيق أهداف مختلفة.

ففي حين تنشد بوكو حرام إقامة "دولة الخلافة"، تسعى القاعدة إلى محاربة ما تسميهم بـ"الصليبيين" والحكومات المتحالفة معهم.

ساحة وغى تتقاسمها التنظيمات المسلحة التي تستثمر الأزمات الداخلية والفوضى، ما يعني أنّ احتواء الوضع يظل مرتبطا بقدرة الفاعلين في بلدان الساحل الأفريقي، وخصوصا مالي، على إقرار سلام دائم شمالي البلاد، والتنسيق الإقليمي للتصدي للعصابات الناشطة في المنطقة في مجال التهريب وغيره.