تتصاعد مخاوف السلطات المصرية من بقاء الرعايا المصريين في ليبيا، كونهم عرضة للتأثير عليهم للانضمام إلى الجماعات المسلحة، والمشاركة في الحرب الدائرة هناك، مما سيكون له أثر بالغ على الأوضاع السياسية والاقتصادية في مصر، إلى جانب ارتفاع وتيرة العنف وتعرض العديد منهم لعمليات الإختطاف والقتل على يد التنظيمات الإرهابية.

وتدفع هذه المخاوف بالقاهرة إلى تشديد منع السفر إلى لأراضي الليبية،وهو ما أكده مجددا مساعد وزير الخارجية للشؤون القنصلية المصري السفير خالد رزق،الذي جدد دعوته للمصريين إلى عدم السفر لليبيا نظرا للأوضاع المضطربة في البلاد والالتزام بالبيانات التي أصدرتها مصر سابقا في هذا الشأن.وأضاف رزق في تصريحات إعلامية أن المختطفين في ليبيا "عادة يريدون فدية من أجل تحرير المختطف".

وتأتي هذه التحذيرات بعد أيام من موافقة ليبيا علي تسليم رفات الأقباط ضحايا داعش إلى مصر،حيث أعلنت النيابة العامة الليبية،موافقتها على طلب النائب العام المصري المستشار نبيل صادق باستعادة رفات الأقباط المصريين الذين لقوا حتفهم في مذبحة نفذها أعضاء تنظيم "داعش" الإرهابي في مدينة سرت في فبراير 2015

وقال النائب العام الليبي، الصديق الصور في مؤتمر صحفي، الأربعاء الماضي،إن السلطات الليبية تسلمت طلبا من النائب العام المصري عبر الخارجية الليبية، موضحا أنه تم عرض رفات الأقباط على الطب الشرعي، وتم أخذ عينات الحامض النووي.وأشار الصور إلى أن لجنة من النائب العام الليبي والخارجية الليبية التقت النائب العام المصري، وسلمت العينات التي تم سحبها من رفات الأقباط، لمطابقتها مع عينات أسر الضحايا في مصر، مؤكدا أن السلطات الليبية ستسلم مصر جثامين الأقباط، وأن هناك تعاونا جادا في هذا الشأن.

وكانت الحكومة المصرية أصدرت في عام 2015 قراراً بمنع سفر الأفراد والشاحنات إلى ليبيا حفاظًا على سلامتهم وأمنهم، بعد تزايد الاعتداء على المصريين واحتجاز الشاحنات في ظل تدهور الأحوال الأمنية هناك، خاصة عقب تعرض 21 مصريًا للذبح على يد الجماعات الإرهابية هناك في 16 فبراير 2015

وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية في نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2013 اختطاف سبعة عمال مصريين أقباط في مدينة سرت. ثم اختطف التنظيم 14 آخرين في مطلع يناير/ كانون الثاني 2015 من منازلهم في سرت.وفي يوم 15 فبراير/ شباط 2015، بث التنظيم تسجيلا مصورا مدته خمس دقائق، يظهر فيه مجموعة من مسلحي التنظيم قاموا بقتل المختطفين ذبحا.

ودفعت الأزمة الاقتصادية، التي تعانيها مصر، مئات آلاف البسطاء والمهمّشين إلى ترك بلدهم بحثاً عن المجهول في ليبيا، ضاربين عرض الحائط بتحذيرات السلطات.وبحسب تقارير اعلامية لا توجد تقديرات رسمية لأعداد المصريين الذين غادروا إلى ليبيا، فأغلبهم تسللوا عبر الحدودية بواسطة سماسرة في الجانبين.

وتصاعدت وتيرة عمليات الهجرة غير الشرعية من مصر إلى ليبيا،في ظل الإنفلات الأمني،وإنتشار عصابات التهريب.ويخضع المصريين القادمين إلى ليبيا لتضليل المهربين، الذين يتركونهم في عمق الصحراء المشتركة بين مصر وليبيا، ولمسافات طويلة يسيرون على أقدامهم دون ماء أو طعام، مما يعرضهم لخطر الموت في رحلتهم التي قد تكون الأخيرة في هذه الحياة.

وفي سبتمبر الماضي،حذرت وزارة الخارجية المصرية من استمرار الهجرة غير الشرعية إلى ليبيا نظراً للظروف الحالية التي تمر بها البلاد، وناشدت الخارجية المواطنين المصريين المقيمين في ليبيا بتوخي أقصى درجات الحيطة و الحذر والابتعاد عن مناطق التوتر والاشتباكات.وحثت الوزارة المصريين على عدم الانسياق وراء عصابات ترويج السفر، والتي تقوم بتسفير المواطنين المصريين إلى ليبيا عن طريق الدروب الصحراوية، ثم تتركهم في الصحراء مما يؤدي في النهاية إلى تعريض حياتهم للخطر.

وجاء ذلك في أعقاب عثور السلطات الليبية بمدينة طبرق على 13 جثة لـمهاجرين غير نظاميين من الجنسية المصرية في صحراء الجغبوب جنوب غرب المدينة.وقال مكتب الإعلام بالهلال الأحمر في طبرق شرق ليبيا، إن الجثث دفنت في الصحراء بعد اتخاذ الإجراءات واللوائح والقوانين اللازمة.وأكدت الأوراق الثبوتية التي وجدت مع المهاجرين غير النظاميين، أنهم ينحدرون من محافظات أسيوط والدقهلية وسوهاج والإسماعيلية والفيوم والمنيا.

ولم تكن هذه أول حادثة تحدث من هذا النوع، حيث سبقتها حوادث عدة كان ضحاياها مواطنين يعيشون في ليبيا، أو يسعون للهجرة إلى أوروبا.ففي يوليو 2015 أعلنت منظمة الهلال الأحمر الليبي العثور على 48 جثة لمهاجر غير شرعي، أغلبهم من مصر، في منطقة صحراوية تقع بين مدينتي أجدابيا وطبرق، وأفيد بأنهم ماتوا من العطش.وبعد العثور على متعلقاتهم، اكتشفت السلطات أن أغلب المتوفين منحدرون من محافظات صعيد مصر، خاصة أسيوط والمنيا وبني سويف.

وفي يوليو 2017، انتشل رجال الهلال الأحمر الليبي جثث 19 مهاجرًا مصريًا آخرين من صحراء جغبوب على بعد حوالي 400 كيلومتر جنوبي طبرق.وبحسب خالد الراقي، رئيس جمعية الهلال الأحمر الليبي، فإن المهاجرين دخلوا الأراضي الليبية سيرًا على الأقدام، وماتوا من الجوع والعطش بعد أن ضلوا طريقهم.

والحدود المصرية الليبية هي عبارة عن شريط حدودي بطول 1049 كيلو مترا، الأمر الذي يجعل كل تلك المساحة الشاسعة مهددة بعمليات اختراق وتهريب بخاصة في ظل الفوضى الليبية التي مثلت بيئة مناسبة لإنتشار العصابات والتنظمات الإرهابية.وخلال السنوات الماضية سقط العديد من المصريين، ضحايا لأسباب عدة، منها التيه في الصحراء أو العطش والجوع أو الاختطاف من العصابات المنتشرة أو السقوط في يد داعش والجماعات المتطرفة أو الغرق في البحر إذا حاولوا الهجرة إلى أوروبا.

ومنذ إندلاعها فى العام 2011،مثلت الأزمة الليبية التهديد الرئيسي لمصر،وهو ما أكده تصاعد التحذيرات والدعوات المصرية إلى ضرورة تجاوز الفوضى الليبية وتحقيق الإستقرار.وبرز الاهتمام المصري بالازمة الليبية من خلال تشكيل الرئيس عبد الفتاح السيسي لجنة برئاسة الفريق محمود حجازى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة لمتابعة الأزمة بشكل متواصل.وحرصت القاهرة مؤخرا على دعم محاولات توحيد الجيش الليبي.حيث إستضافت عدة اجتماعات لعسكريين ليبيين من الغرب والشرق بهدف بحث سبل توحيد الجيش وإبعاده عن التجاذبات السياسية وإنهاء حالة الانقسام الراهنة.