أصبحت إيطاليا هذا الأسبوع أول دولة غربية تعيد فتح سفارتها في ليبيا منذ إجلاء الدبلوماسيين الأجانب في عام 2015، وهي خطوة تهدف في آن واحد لتعزيز حكومة الوحدة الوطنية المتعثرة واستعادة مكانة إيطاليا باعتبارها صاحبة صنع القرار السياسي في مستعمرتها السابقة.

وبوجود رجل محلي قوي يكتسب زخما ويخطب ود الدعم الدولي، يقول البعض إن هناك حاجة لانفتاح غربي أعمق إذا أريد للحكومة المدعومة من الأمم المتحدة البقاء على قيد الحياة. ويخشى بعض المحللين بشكل خاص من أن ليبيا قد ينتهي بها المطاف مثل سوريا، مع تدخل روسيا في اختيار مفاوضات السلام ووضعها الأمم المتحدة والدول الغربية على الهامش.

وفي هذا السياق، يقول مات ريد، نائب مدير "فورين ريبورتس" وهي شركة استشارية في واشنطن تركز على أسواق النفط والشرق الأوسط، إن "توقيت هذه الخطوة يعني أن الإيطاليين يعتقدون أن الوضع السياسي داخل ليبيا وصل إلى مرحلة ينبغي معها الحسم" مضيفا "مهما يحدث بعد ذلك، سيكونون في وضع أفضل للتوسط وتمثيل جدول الأعمال الدولي على الأرض."

نهج إيطاليا هو أيضا أحدث محاولة لإيجاد حل لمشكلة لا تزال تضايق أوروبا: تدفق لا يفتر للمهاجرين المغادرين عبر ليبيا إلى البحر الأبيض المتوسط. القادة الأوروبيون يتحدثون عن سياسات صارمة، مثل تدريب خفر السواحل الليبي لاعتراض القوارب ، وتنسيق عمليات مكافحة التهريب على الجانب الآخر من البحر الأبيض المتوسط، وحتى نسخ صفقة تركيا التي اجتثت بنجاح تدفقات اللاجئين عبر بحر ايجه العام الماضي.

ولكن هناك ثغرة صارخة في كل تلك الخطط: ليست هناك حكومة مستقرة في ليبيا يمكنها أن تتحرك كشريك، كما فعل العقيد الليبي السابق معمر القذافي في السابق، بخصوص ضوابط الهجرة. بدلا من ذلك، هناك ثلاث حكومات متبارزة، كل واحدة منها لديها جزء محدود من السلطة أو الدعم، وتتنافس بمزيج من الميليشيات والجيوش الخاصة، ومقاتلي داعش للسيطرة على عدد من السكان. الأسوأ، اغتنمت شبكات التهريب فرصة عدم الاستقرار لترسيخ نفسها بعمق في الاقتصادات المحلية.

أنجلينو ألفانو وزير الخارجية الإيطالي ، حدد أهداف بلاده من إعادة فتح السفارة بإيجاز على تويتر: " لفتة كبيرة للصداقة للشعب الليبي. والآن مزيد من الضوابط على مغادرة المهاجرين".

قد يصاب بخيبة أمل. إيطاليا والأمم المتحدة تصران على أن الحكومة المعترف بها دوليا، المسماة (بشكل لا يعكس الحقيقة) حكومة الوفاق الوطني ، هي الشريك الوحيد الذي يمكن التفاوض معه على حل. ولكن شرعية الحكومة البالغة من العمر عاما، والتي يقودها التكنوقراطي فايز السراج ، توجد في حالة يرثى لها.

يوم الخميس، بعد يومين من زيارة الإيطاليين لطرابلس، أعلن أعضاء في ميليشيا منافِسة الاستيلاء على وزارات الحكومة هناك في انقلاب مصغر. وفي الشرق، اعتبرت مجموعة أخرى مقرها في طبرق إعادة فتح السفارة الإيطالية (برفقة سفينة تابعة للبحرية) بمثابة احتلال أجنبي، و"انتهاكا واضحا لميثاق الأمم المتحدة وشكلا من أشكال العدوان المتكرر".

وهو ما يؤكد عدم الاستقرار المستمر بين الفصائل المتناحرة في ليبيا التي سيكون على إيطاليا التعاطي معها.

جوشوا ميسيرفي، المحلل في مؤسسة "هيريتج فاوندايش" يرى أن "هذا يؤشر إلى الوضع العام في ليبيا، حيث هناك كسر عميق، في بلد منقسم بشكل كبير مع وجود الكثير من المجموعات المتنافسة". ويتابع "كل شيء مختلط جدا، ومعقد جدا، وغير شفاف بحيث أن فرص انخراط الولايات المتحدة أو أي بلد آخر مع ليبيا وتحقيق نتيجة إيجابية منخفضة للغاية."

وقد اتخذت الولايات المتحدة المقعد الخلفي في ليبيا منذ الهجوم على البعثة الأميركية في بنغازي في عام 2012. والضربات الجوية الأميركية ساعدت في دحر داعش من سرت في ديسمبر الماضي، ولكن على خلاف ذلك واشنطن تنازلت عن القيادة لأوروبا.

وهناك القليل من الوضوح بشأن طبيعة سياسة الولايات المتحدة في المنطقة عندما يتولى الرئيس المنتخب دونالد ترامب منصبه رسميا. وقد أكد على ضرورة مكافحة الإرهاب، ولكن لم ترد أي خطط لتحقيق الاستقرار في ليبيا. وكانت البلاد التي مزقتها الصراعات غائبة عن مناقشات السياسة الخارجية من قبل المسؤولين المرتقبين في إدارة ترامب. ورفض متحدث باسم ترامب الاستجابة لطلب للحصول على تعليق.

بالنسبة لإيطاليا، رغم ذلك، كانت ليبيا شريكا استراتيجيا مهما وصداعا كبيرا. فعلى بضع مئات الأميال من صقلية، لا تزال ليبيا أهم مركز اهتمام في السياسة الخارجية الرئيسية لروما، لأسباب ليس أقلها كون استقرار ليبيا ضروري للتعامل مع مجموعة من المشاكل الشائكة التي تؤثر في أوروبا: الهجرة والاتجار بالأسلحة وتهريب المخدرات، والإرهاب. وهناك مصالح اقتصادية أيضا. خلال الثورة وما تلاها من فوضى، واصلت شركة النفط الايطالية ايني العمليات في ليبيا. ولكن على مدى العام الماضي واجهت بعض النكسات الكبرى، بما في ذلك النزاعات العمالية المحلية التي أغلقت حقول النفط.

"وبغض النظر عن النفط، الإيطاليون لديهم كل الأسباب للعمل الآن، قبل أن تزداد الأمور سوءا"، يؤكد الباحث ريد.

إلا أنه في مسعاها لتأكيد نفوذها اليوم، تجد إيطاليا نفسها معاقة بحكومة وحدة ضعيفة تحاول دعمها. منذ تنصيب نفسها في طرابلس بعد مفاوضات السلام التي توسطت فيها الأمم المتحدة قبل عام، لم تكن حكومة الوفاق قادرة على توفير الأمن أو الخدمات الأساسية للمواطنين. وهي تسيطر على أراض محدودة، وتبقى تحت رحمة الميليشيات التي تعهدت بالولاء لها - ولكن يمكنها التخلي عنها في أي وقت.

ويقول محمد الجارح، وهو زميل غير مقيم في "اتلانتيك كاونسيل" مقره في طبرق: "أعتقد أن أوروبا وإيطاليا قد وضعتا كل بيضهما في سلة حكومة الوفاق الوطني ، ولذلك ليس لديهما خيار سوى الضغط بقوة ومحاولة الحصول على الأفضل، على الرغم من أن جميع المؤشرات تقول لنا بأن هذه الحكومة لن تنجح."

حكومة وفاق ضعيفة قد تفتح الباب لزعيم من نوع مختلف - شخص يمكن أن يجعل من الصعب على إيطاليا القيام بدورها كوسيط سياسي في البلاد، والبعض يقول قد ينتهي المطاف بتحول ليبيا إلى حالة أخرى من سوريا، وتصعيد التوتر بين موسكو والغرب.

الجنرال خليفة حفتر، الذي قاد الجيش الوطني الليبي منذ عام 2014، حارب المتطرفين في الجزء الشرقي من البلاد، سيطر على حقول النفط، ورفض التعاون مع الأمم المتحدة. وبالنسبة لكثير من الليبيين الذين يعانون من إرهاب داعش وانقطاع التيار الكهربائي وفراغ البنوك ، ونقص الخدمات الطبية، فإنه يبدو أشبه بجواب "القانون والنظام".

"قضايا الأمن لها أهمية قصوى والظروف لا تسمح بالنهج البطيء"، قال حفتر لصحيفة كورييري ديلا سيرا في 2 يناير" ، مؤكدا "بعد أن نهزم المتطرفين، يمكننا أن نعود إلى الحديث عن الديمقراطية والانتخابات. لكن ليس الآن."

هذا النوع من الحديث يروق لقوى إقليمية، بما في ذلك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. مصر، المعنية كثيرا باستقرار ليبيا، تريد أن تدعم موقف حفتر وتهميش الإسلاميين. وقال ماتيا توالدو من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: " القاهرة قد تجد أذنا مصغية لدى إدارة ترامب القادمة بخصوص خطة مؤطرة باعتبارها "الطريقة الوحيدة لمحاربة داعش".

وبينما تؤيد روسيا ظاهريا اتفاق السلام التابع للأمم المتحدة، إلا أنها أبقت الحوار مفتوحا مع حفتر، الذي زار موسكو مرتين في الأشهر السبعة الماضية لطلب مساعدات عسكرية ومساعدة لرفع حظر الأسلحة المفروض على ليبيا. ويوم الأربعاء، قام بجولة في حاملة طائرات روسية قبالة الساحل الليبي، وأجرى محادثات عبر الأقمار الصناعية مع وزير الدفاع الروسي حول جهود مكافحة الإرهاب. وفي مقابلة الشهر الماضي، وصف نائب وزير الخارجية الروسي، حفتر بـ "الشخصية السياسية والعسكرية الرائدة."

ونتيجة لذلك، يشعر الخبراء بقلق متزايد أمن أن المفاوضات السياسية في ليبيا يمكن أن تؤول لما آلت إليه في سوريا. وقال ترامب إنه يريد التعاون مع روسيا لمكافحة الإرهاب، وأشاد باتخاذ موسكو دورا رياديا في سوريا. وقد ساهم الدعم العسكري الروسي لنظام بشار الأسد في سوريا في مقتل المئات إن لم يكن الآلاف من المدنيين.

وكتب توالدو في ديسمبر إن روسيا: "رأت في سوريا نموذجا ناجحا لدعم رجل قوي في مقابل زيادة النفوذ، والقواعد العسكرية، والعقود ذات القيمة العالية ، وهي الآن بصدد تصدير هذا النموذج إلى بلدان أخرى حيث يمكن تحقيق مكاسب استراتيجية."

وأعرب شخص مقرب من مجلس الأمن عن مخاوف مماثلة، لكنه أردف "ومع ذلك علينا أن نرى كيف ستعالج إدارة ترامب ملف سوريا لمعرفة كيف ستسير الأمور و تتطور في ليبيا".

 

* بوابة افريقيا الإخبارية غير مسؤولة عن مضامين الأخبار والتقارير والمقالات المترجمة.