في خطوة غير مسبوقة في تاريخ الأمم المتحدة، فرض مجلس الأمن في 2017 عقوبات على ستة أشخاص يترأسون شبكات تنشط في ليبيا في مجال الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، وتأخرت بسبب طلب موسكو إجراء مزيد من التدقيق، بحسب ديبلوماسيين. 

وقال ديبلوماسي إن روسيا رفعت تحفظاتها على اقتراح هولندا إدراج ستة أفراد على قائمة الأشخاص المعاقبين"، مشيرا إلى أن "العقوبات تسري فورا"، وسرعان ما رحّبت المندوبة الدائمة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي بالعقوبات الجديدة.

وقالت السفيرة الأميركية إنه "في الخريف الماضي اهتزت ضمائرنا عندما شاهدنا صورا لمهاجرين يباعون كعبيد في ليبيا، وقد تعهّد مجلس الامن يومها التحرك. العقوبات التي فرضت اليوم ترسل رسالة واضحة بأن المجتمع الدولي متّحد في السعي الى محاسبة مرتكبي (جرائم) الاتجار بالبشر وتهريبهم".

وتحركت هذه الدول عقب بث شبكة "سي إن إن" الأمريكية لفيديو، أظهر تعرض مهاجرين للبيع في ليبيا، إذ خلف ضجة كبرى في الأوساط الدولية وسط موجة من الاستنكار والتنديد. وكان تحركها في إطار قانون نظام العقوبات الأممي الذي تم تبنيه في 2011، ويمكن بموجبه تجميد دولي للأصول وحظر للسفر على الأفراد والكيانات المتورطة في ارتكاب "انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان".

وذكر خبراء في تقرير سري للجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن الدولي، أن معظم الجماعات المسلحة الضالعة في عمليات تهريب البشر والبضائع في ليبيا لها صلات بالمؤسسات الأمنية الرسمية في البلاد. وأوضح الخبراء للجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن، أن الجماعات المسلحة، التي هي جزء من تحالفات سياسية وعسكرية أوسع نطاقا، تخصصت في أنشطة تهريب غير قانونية لا سيما تهريب البشر والبضائع". مشيرين إلى أن معظم هذه الجماعات المسلحة "تنتمي اسميا إلى المؤسسات الأمنية الرسمية".

وجاء في التقرير أن مهاجرين أريتريين أبلغوا مراقبي العقوبات بأنه جرى اعتقالهم على يد قوات الردع الخاصة وهي جماعة مسلحة تابعة لوزارة داخلية حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا. وأضاف المهاجرون أن قوات الردع الخاصة سلمتهم إلى عصابات تهريب متعددة. وكتب مراقبو العقوبات أن "اللجنة تقيم ما إذا كانت قيادة قوات الردع الخاصة على علم بعمليات التواطؤ والتهريب التي تتم داخل صفوفها". وذكروا أيضا "تشعر اللجنة بالقلق إزاء احتمال استخدام منشآت الدولة والأموال العامة من قبل الجماعات المسلحة والمهربين لتعزيز سيطرتهم على طرق الهجرة".

لكن قوة الردع الخاصة نفت هذه المزاعم. وقال أحمد بن سالم المتحدث باسم القوة في بيان مكتوب، إن القوة ليس لها شأن بعمليات التهريب وإنها تتصدى للهجرة غير الشرعية وألقت القبض على الكثير من المهربين.

مطالب حقوقية بملاحقة المهربين:

رحبت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا،  بقرار مجلس الأمن الدولي القاضي بفرض عقوبات على 6 أشخاص على خلفية تورطهم في عمليات الاتجار وتهريب البشر ونقل المهاجرين غير الشرعيين من أفريقيا إلى أوروبا عبر ليبيا، ويشمل  القرار الأممي، تجميد أصول المذكورين، وحظر سفرهم  وملاحقتهم القانونية .

وطالبت اللجنة السلطات الليبية بالتعاون الكامل مع مجلس الأمن الدولي، وذلك باتخاذ كافة الإجراءات لتطبيق قرار مجلس الأمن، وملاحقة شبكات تهريب المهاجرين والوقود، في كل مناطق ليبيا وخاصة المنطقة  الممتدة  من شواطئ مصراتة بوسط ليبيا الي زوارة غربا .

وأشارت اللجنة إلى أن "مكتب النائب العام إصدار العديد من المذكرات بشأن ضبط وإحضار عدد كبير من المهربين وتجار البشر، دون قدرة السلطات الضبطية على إحضارهم والقبض عليهم، نتيجة لغياب سيادة القانون والعدالة واستمرار حالة الإفلات من العقاب بالإضافة إلي  حالة فوضي انتشار السلاح وسيطرة وسطوة الجماعات والتشكيلات المسلحة" .

وطالبت اللجنة "المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بإنهاء شرعية تبعية الجماعات والتشكيلات المسلحة المتورطة في جرائم تهريب وتجارة البشر وعصابات تهريب الوقود لوزارتي الدفاع والداخلية بحكومة الوفاق الوطني وتقديم قادة وعناصر الجماعات والتشكيلات المسلحة المتورطة في جرائم تهريب وتجارة البشر للعدالة ومحاسبتهم".

وبالنسبة لمقرر اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، فإن هذه الرؤوس الليبية المطلوبة دوليا، "تأتي في آخر مراحل عملية تهريب المهاجرين، وتتمركز أساسا في الساحل الغربي". ودعت اللجنة "لجنة العقوبات الدولية الخاصة بليبيا في مجلس الأمن الدولي إلى توسيع هذه القائمة لتشمل جميع العصابات الإجرامية والجماعات والتشكيلات المسلحة بعموم البلاد، بما في ذلك المتورطين في التحريض علي العنف والكراهية والاقتتال والتطرف وكذلك المتورطين في ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان والحريات العامة ومنتهكي القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان وبالإضافة إلي المتورطين في استهداف المدنيين في ليبيا أثناء النزاعات وأعمال المسلحة والعنف، لأنّ هذا الإجراء سيساعد على ضمان أمن وسلامة المدنيين والحد من حجم انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم أللإنسانية بحق الأبرياء والمدنيين في ليبيا وينهي حالة الإفلات من العقاب التي تمثل أكبر عامل من عوامل تصاعد العنف وانتهاكات حقوق الإنسان". واستهدفت العقوبات أربعة ليبيين ملاحقين من قبل النيابة العامة، ووردت أسماؤهم في مذكرة توقيف أصدرتها قبل مدة، ضمت ألفي شخص ينشطون في تجارة البشر والتهريب أو يعملون كوسطاء.

أبرز هذه الأسماء:

 أحمد عمر الدباشي:

 وهو قائد كتيبة الدباشي التي ظلت تنشط في صبراتة بشمال غرب ليبيا لمدة من الزمن، قبل أن يتم طردها منها. واستقرت بين صبراتة والزاوية. وهو من مواليد 1959، كان يعمل سائقا لشاحنات نقل الخضراوات. ليس له سوابق جنائية خلال فترة نظام القذافي. واشتهر اسم الدباشي في الأوساط الإعلامية الدولية بتهريب المهاجرين منذ سنوات. وكانت سيطرة كتيبته على منطقة صبراتة ساعدته على التحكم بمصير الآلاف من المهاجرين الواصلين أو العابرين لها.

مصعب أبو قرين:

في الثلاثينات من العمر، وينحدر من منطقة بئر الغنم في الشمال الغربي الليبي. لم تسجل عليه سوابق جنائية خلال فترة النظام السابق. انضم لكتيبة "غرفة ثوار ليبيا"، التي كان يقودها المتشدد أبوعبيدة الزاوي أحد زعماء القاعدة في هذا البلد. وكان أبو قرين يقود أحد السرايا العسكرية المنضوية تحت هذه الجماعة. ويوجد اليوم على رأس ميليشيا تنافس كتيبة الديباشي في تهريب المهاجرين.

محمد كشلاف:

في الأربعينات من العمر، له سوابق إجرامية خلال مرحلة النظام السابق. كان محكوما بالسجن 10 سنوات بتهمة السرقة. يقود مجموعة مسلحة في منطقة مطلة على البحر، تسمى المطرد، غرب الزاوية في الشمال الغربي الليبي. غادر السجن دون أن يكمل عقوبته السجنية إثر الإطاحة بمعمر القذافي.

عبد الرحمان ميلاد:

اسم غير معروف لدى الليبيين. ولم يسبق أن أثير من قبل وسائل الإعلام المحلية. واكتشفه العديد من الليبيين بعد ورود اسمه ضمن قائمة مذكرة توقيف أصدرتها النيابة العامة المحلية في وقت سابق بحق تجار البشر والمهربين.

و قد سلط مجلس الأمن نفس العقوبات الأممية على كل من رإيرمياس جيرماي وفيتيوي عبد الرزاق من أريتيريا، وينشط الاثنان في بلدهما لنقل المهاجرين نحو ليبيا، وهي "الحلقة الأولى" في سلسلة تهريب المهاجرين نحو أوروبا التي تمر عبر عدة محطات.

ولم تشمل العقوبات الأممية كل المتهمين في تجارة البشر، في حين يلاحظ نشطاء المجتمع المدني بليبيا، أنه كان على مجلس الأمن تبني مذكرة التوقيف الصادرة من النيابة العامة الليبية بحق ألفي شخص بهذا الخصوص، كما أن هناك "عصابات أخرى تنشط في الجنوب الليبي"، وأن هذه العقوبات لم تطل حتى اليوم إلا بضعة أسماء تتحرك على السواحل الغربية.

أخطر عصابات تهريب البشر:

 - مليشيا أحمد الدباشي الشهير بـ"عمو" في صبراتة، وتمتلك مخازن داخل المنطقة حيث يتجمع المهاجرون، ومقرّها "مصيف الوفاق"، الذي تتخذه منطلقاً لقوارب المهاجرين. ولديها شبكة علاقات مع مهربين مصريين وسوريين وعرب آخرين، إضافة إلى تبو الجنوب، أبرزهم علاء السوري الذي يسهل وصول المهاجرين السوريين.

- مليشيا مصعب أبو قرين ومنطقة نفوذها في "دحمان" القريبة من صبراتة على شاطئ البحر. ومن أشهر سماسرة التهريب العاملين معها، أحمد قرنبو، وهو المسؤول عن إرسال القوارب.

- مليشيا محمد البعبيو، وتتخذ من مصيف "تليل السياحي" في صرمان مقرات لها. ترتبط بمجموعات إرهابية تستفيد من تهريب البشر كمصدر لتمويلها. كما أن عبد الحكيم المشوط، صاحب البيت الذي قتل فيه أكثر من 60 داعشياً من خلال قصف أميركي، هو أيضاً من رجالها.

- مليشيا الحسن الدباشي، وهي مجموعة صغيرة تتخذ من مصيف تليل السياحي مقراً لنشاطها، ويقتصر عملها على جلب المهاجرين الأفارقة من دون إرسالهم في القوارب. وتتعامل مع المليشيات الأخرى.

-  مليشيا الغرابلي والتي تعرف بـ"الكرو"، وقد تراجع نشاطها مؤخراً.

-  مليشيا محمد القصب في نواحي مدينة الزاوية (30 كلم غرب طرابلس)، وترتبط بمليشيات أخرى تمثل لها القوة والحماية في مناطق ورشفانة الواقعة إلى جنوب الزاوية، والمعروفة بمليشيات "السبورتو"، ولها نشاط كبير في الحرابة وتهريب البشر وتجارة السلاح وغيرها من المخالفات.
و تصف الصحافة العالمية المخازن المخصصة لتجميع المهاجرين، بكونها أسواق نخاسة،  "يعرض مهربو البشر من الجنوب مئات الأفارقة للبيع إلى مليشيات التهريب على شاطئ البحر"، ومن أشهر هذه المخازن هي "مخازن أبناء جلول" في صبراتة، ومنزل لشخص يدعى محمد الكار في منطقة تليل.

ويوجد مخازن أخرى في مناطق زواغة والقصر والجفارة ومقر الشرعية الصينية في منطقة راس يوسف، وكلها تقع إلى جنوب صبراتة وصرمان، و يكشف نشطاء عن "خطط محكمة للأجهزة الأمنية في المنطقة الغربية، بدأ العمل عليها لمحاربة ظاهرة تهريب البشر على مراحل، مع الأخذ في الاعتبار قوة هذه المليشيات وشبكاتها المعقدة المرتبطة بأكثر من طريق واتجاه".

وكان المسؤول الأوّل عن تهريب مهاجرين غير شرعيين من جنسيات سورية وبنغلادشية وغيرها يسجلهم كعمال في ليبيا، قبل نقلهم إلى مليشيات التهريب عبر البحر في غرب البلاد". يضيف: "لا نستطيع الإفصاح عن معلومات أكثر، لكننا اكتشفنا تورط مسؤولين في شركات الخطوط الجوية الليبية في نشاط هذه المليشيات، وقد أوقف هؤلاء المسؤولون".

تحرك فرنسي و ترحيب دولي:

يوما واحدا بعد إعلان مجلس الأمن فرض عقوبات على شخصيات ليبية مورطة في تهريب المهاجرين، أعلنت فرنسا،  تجميد أي ممتلكات محتملة على أراضيها لـ6 أشخاص يقودون شبكات ناشطة لتهريب المهاجرين في ليبيا، بعد إعلان الأمم المتحدة، فرضها عقوبات على هؤلاء الأشخاص وهم 4 ليبيين وإريتريين اثنين.

ووفقا لمصادر فرنسية، تخضع "الأموال والموارد الاقتصادية"، التي قد تكون موجودة في فرنسا للأشخاص 6 "لإجراء تجميد"، وذلك بموجب قرار لوزارة الاقتصاد والمالية الفرنسية، وقرار مجلس الأمن الدولي الصادر في 7 من يونيو 2018. 

من جانبها، رحبت هولندا بالقرار، قائلة: "إنها المرة الأولى التي يفرض فيها مجلس الأمن عقوبات على قادة شبكات عنيفة لتهريب البشر"، وأثار تحقيق بثته شبكة "سي ان أن " الأميركية في نهاية 2017 بشأن مهاجرين أفارقة يتم بيعهم كعبيد استياء دوليا. وأعلن القضاء الليبي، في مارس، إصدار مذكرات توقيف بحق أكثر من 200 ليبي أجنبي متورطين في شبكة للهجرة السرية إلى أوروبا.

وتتهم ليبيا، التي تشهد حالة من الفوضى وغياب الأمن منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011، باستغلال المهاجرين القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء وإساءة معاملتهم، الذين يصل معظمهم لمحاولة عبور البحر المتوسط في رحلات خطيرة، إلى إيطاليا أقرب دولة في الاتحاد الأوروبي إلى ليبيا.