أعلنت تونس منذ حوالي أسبوع غلق حدودها مع جارتها ليبيا لمدة 15 يوما قابلة للتجديد، و ذلك على إثر التفجير الإنتحاري الصادم الذي استهدف حافلة الأمن الرئاسي، قلب العاصمة، و على بعد بضعة أمتار فقط من مبنى وزارة الداخلية بتاريخ 24 نوفمبر الفارط، و الذي أوقع 12 قتيلا و 20 جريحا من نخبة الأمن التونسي.

قرار المجلس الأعلى للأمن القومي التونسي غلق حدود البلاد مع ليبيا باركته مختلف الأوساط السياسية و المدنية و الإجتماعية في تونس أملا في وضع حد لتدفق الإرهابيين و تجار الدم و السلاح من هذا البلد إلى التراب التونسي، و كذلك بغاية إعادة العمل على ضبط الحدود التونسية مع هذا القطر الذي شكل و لا يزال أهم منفذ يمر منه الإرهاب إلى تونس، وفق ما أكده المسؤولون التونسيون في أكثر من مناسبة.

و لكن يبقى السؤال هو الآتي: ما رأي المواطن الليبي المقيم في تونس أو الذي أتاها زائرا بهدف العلاج في هذا الإجراء؟ و كيف تعامل الليبيون المهجرون في تونس، أو ما يسمى ب"ليبيي الشتات" مع قرار تونس غلق حدودها مع بلادهم، و ربما قريبا توخيها لإجراء فرض التأشيرة على كل ليبي يرغب في دخول ترابها الوطني؟.

"بوابة إفريقيا الإخبارية" طرحت الموضوع على عدد من الليبيين المقيمين في تونس، في التقرير التالي:

عبد الرحمان (38 سنة من أجدابيا)، اعتبر أن تونس معذورة في اتخاذ تدابير تراها مجدية في حماية أمنها القومي، خاصة و أن مرور الإرهاب من الجبال إلى المدن في هذا البلد مثل نقلة نوعية في نسق العمليات الإرهابية التي طالته.

و تابع عبد الرحمان بأنه مقيم مع عائلته  في تونس منذ ثلاث سنوات، و أنه اندمج بسلاسة في المجتمع التونسي و خبر طبيعة حياة التونسيين و أصبح منهم، حتى أنه أسس علاقات وطيدة مع عدد من الأسر التونسية خاصة في الشمال، مؤكدا أنه، و وفقا لما تقدم ذكره، أصبح معنيا كغيره من التونسيين بأمن بلادهم، و لذلك فهو لا يعارض بأي شكل من الأشكال قرار السلطات التونسية غلق حدود البلاد مع ليبيا.

أبو بكر (26 سنة من طرابلس) كان له رأيا مختلفا، حيث رأى في حديثه ل"بوابة إفريقيا الإخبارية" أن غلق الحدود التونسية الليبية لن يحمي لا تونس و لا ليبيا من الإرهاب. و أوضح أن القرار قد يخفف من تسرب العناصر الإرهابية من تونس إلى ليبيا و العكس صحيح، مبينا أن بلاده هي كذلك وجهة لتسرب الإرهابيين التونسيين الذين يتسللون إلى هناك للتدرب في المعسكرات الليبية أو التوجه نحو سوريا.

و شدد أبو بكر على أن تونس و ليبيا في مرمى الإرهاب، و أن تمركز الجماعات الإرهابية في ليبيا، و خاصة بعد السيطرة على سرت لن يجعل تونس تشعر بالأمان الكامل، لأن أمنها لا يمكن أن يتحقق إلا بالقضاء على تنظيم "داعش"و مشتقاته في ليبيا.

و لاحظ المواطن الليبي أن تونس محقة في غلق حدودها، إلا أن هذا القرار لن يحل الإشكال.

من جانبه، قال الكوني ( 59 سنة من  البيضاء) إن الشعبين التونسي و الليبي شقيقان، و أن  العلاقة التاريخية التي تجمعهما لا يمكن أن تتأثر بأي حدث عارض، مبينا أن علاقات التاريخ و الجغرافيا و المصير الواحد و التقاليد و العادات المشتركة و المصاهرة تحصن البلدين من كل احتمالات التفرقة.

و أكد أن الليبيين المقيمين في تونس يتفهمون قرار هذه الأخيرة غلق حدودها مع بلادهم، ملاحظا أن وطنه أصبح يمثل خطرا داهما على جيرانه، و أنه من حق دول جوار ليبيا التوقي من هذا الخطر.

قرار مفيد للبلدين

"أتفهم قرار تونس غلق حدودها مع بلادي، لكن أنا أعارض فرض التأشيرة على اللليبين"، بهذه الجملة أجابنا فتحي (تاجر لبيي أصيل بنغازي 45 سنة)، معقبا بأن إجراء غلق الحدود الوطنية لأي بلد يستشعر وجود خطر يهدد أمنه معمول به في كل بلدان العالم، معتبرا في الأثناء أن الإجراء المذكور مفيد لتونس و لليبيا على حد السواء لأنه سيساهم في محاصرة العصابات الإجرامية العاملة ضمن منظومة اقليمية و دولية متكاملة لتدمير الشعوب و نهب مقدراتها، و بسؤالنا:"كيف ذلك"؟ قال التاجر الليبي :" لا يخفى عليك أن الإرهاب في ليبيا و في تونس و في سوريا و غيرها هو عبارة عن مقاول يعمل لصالح الغرب من أجل الإستيلاء على ثروات بلداننا و سرقة كل ما بنته سواعدنا طيلة عقود من الزمن".

و واصل كلامه الذي يستسف منه حرقة بالغة عما يحدث في وطنه و وعيا حيا بحقيقة ما يحدث داخله و داخل  بلدان المنطقة، مضيفا أن الإرهاب لا وطن و لا دين له و أن هذه الظاهرة ستزول بزوال أسبابها و أن التصدي لها يكون عبر وعي الشعوب بمصيرها و بمقدراتها.

و استطرد بإيمان لافت :"على تونس حماية و ضبط حدودها و اتخاذ كل الإجراءات التي من شأنها تحقيق هذا الهدف المنشود"، مستثنيا قرار فرض التأشيرة على مواطنيه، الذي رآه ثانويا، لأن الليبيين المحترمين الذين يزورون تونس أو يقيمون فيها لا يمكن أن يفكروا في إيذاءها، كما أنهم يأتونها عبر البوابات و المعابر الرسمية و في وضح النهار، مشددا على أن الخطر يكمن في المتسللين إلى تونس بالطرق غير الشرعية، فالخشية كل الخشية من هؤلاء، وفق كلامه.

القرار لا يفسد للود قضية

أما ميلاد (طالب ليبي في تونس أصيل بني وليد 25 سنة)، فعبر عن تفهمه قرار تونس غلق حدوها مع بلاده، مبينا أن التفجير الإنتحاري الذي ضرب العاصمة التونسية هزه و صدمه شخصيا نظرا لنوعيته و خطورته.   و لاحظ ميلاد أنه توقع أن تغلق تونس حدودها مع ليبيا لمدة أطول من التي تم الإعلان عنها، لا سيما و أن الأجهزة الأمنية التونسية كانت قد كشفت أن أغلب العمليات الإرهابية التي ضربت البلاد خطط لها في ليبيا، إضافة إلى أن الأسلحة التي استخدمت لتنفيذها تم جلبها من هناك.

و أكد ميلاد أن غلق الحدود التونسية مع ليبيا لا يفسد للود قضية بين البلدين الجارين و الشقيقين.

لعنة النفط أصابت ليبيا

بدوره، أشار بشير ( 61 سنة من صرمان) إلى تغلغل التنظيمات الإرهابية في بلاده، مشددا على أن لعنة النفط أصابت وطنه، و أن مأساة شعبه ستتواصل حتى الإنتهاء من السطو على ثرواته. و أوضح أن كل بلد مجاور لليبيا حر في تفعيل تدابير وقائية لأمنه القومي، معتبرا أن تونس من حقها حماية أمن مواطنيها، و أن قرارها غلق حدودها لن يؤثر على العلاقات العريقة التي تجمع بين الشعبين.

المصلحة العليا لتونس اقتضت غلق الحدود مع ليبيا

الناشط الحقوقي الليبي و محافظ بنغازي سابقا جمال بنور، قال ل"بوابة إفريقيا الإخبارية" إن الحكومة التونسية هي الجهة الأولى و الأخيرة المخولة لتقدير المصلحة الوطنية العليا لبلادها، مؤكدا أن قرار تونس غلق حدودها مع ليبيا اقتضته مصلحة البلاد أولا و أخيرا.

و أضاف جمال بنور أن الحكومة التونسية، و بإقرارها غلق حدود البلاد مع ليبيا، و كذلك منع مطار تونس قرطاج الدولي على طيرانها، لا يمكن أن تكون قد أغفلت النظر في ضرورة مراعاة المصالح الأمنية و الإجتماعية و الإقتصادية المشتركة بين البلدين. و أعقب بأن كلا القرارين مؤقتان، و أن هذا الأمر دليل على أن الحكومة التونسية لم تغفل الجوانب المذكورة آنفا. و أوضح أنه، كمواطن ليبي تضرر بدوره من الإرهاب، يعتبر أنه يحق لتونس اتخاذ جميع الإجراءات لحماية أمنها القومي.