استبدل عبد الحكيم بلحاج ملابسه القتالية بسترات رياضية رمادية وقمصان بيضاء نضرة. و تخلى عن بندقية ايه كيه - 47 لعملية اقتراع انتخابية. بعد أن كان جهاديا وقائدا ثوريا، أصبح الآن سياسيا ورجل أعمال يميل إلى السفر حول العالم.

يقول بلحاج البالغ من العمر 51 عاما وهو يستحضر أيام القتال في ليبيا: "إن تفكيري في ذلك الوقت ليس انعكاسا للطريقة التي أفكر بها الآن".

ولكن في أمة قسمتها الحرب، وتوغل فيها تنظيم داعش وتكافح من أجل تشكيل هوية جديدة، لم ينس الليبيون من كان بلحاج ذات مرة.

إنهم يتذكرون أنه قاتل إلى جانب أسامة بن لادن في أفغانستان. ويتذكرون أنه قاد الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، وهي ميليشيا غامضة مرتبطة بالقاعدة وصفتها الولايات المتحدة بأنها منظمة إرهابية. وقد اعتُبر بلحاج خطرا جدا حيث تم اعتقاله واستجوابه فى عملية سرية للمخابرات المركزية الأميركية بعد هجمات 11 سبتمبر 2001. وفي وقت لاحق، تعرض للتعذيب في سجن ليبي.

واليوم، وباعتبارهم لاعبين أساسيين في السباق بين الإسلاميين ومنافسيهم من أجل روح ليبيا الجديدة، يمثل بلحاج ورفاقه حالة نادرة لمقاتلين سابقين مرتبطين بتنظيم القاعدة يكسبون ليس فحسب الشرعية ، ولكن أيضا القدرة على تشكيل مسار أمة.

تقول كلوديا غازيني، كبيرة محللي الشأن الليبي لدى مجموعة الأزمات الدولية: "هؤلاء الأشخاص منخرطون بشكل كبير في المشهد السياسي في طرابلس. والقلق بالنسبة للبعض هو: "هل تخلوا فعلا عن تنشئتهم الجهادية؟"

المسار الذي اتبعوه هو مسار متعرج ، و"عربي فريد". يعود تاريخ الجماعة إلى ساحات الحرب الباردة وازدهر تحت قمع الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي. خلال الربيع العربي، لعب بلحاج ورفاقه أدوارا حاسمة في الثورة التي أدت إلى الإطاحة بالرجل القوي وقتله.

الآن، وبينما يتجول عبر انشقاقات ليبيا الإقليمية والقبلية ، يتمتع بلحاج بالقوة والنفوذ والثروة. لكنه لا يزال شخصية مرهوبة ومثيرة للجدل على نطاق واسع، ينظر إليه على أنه أمير حرب وعقل مدبر للإرهاب، رغم أن داعميه يصورونه على أنه مثالي يساء فهمه.

وقال عبد الله بلحاق المتحدث باسم البرلمان الليبي الذي يتخذ من شرق ليبيا مقرا له: إن "بلحاج يمثل تهديدا الآن وسيفعل ذلك في المستقبل" ، ويضيف : "إنه مُناصر من عدد من الميليشيات المسلحة، ستكون دائما ضد إقامة دولة لحماية مصالحها".

تسليم وتعذيب

التقيت بلحاج لأول مرة ، في مايو 2010 في العاصمة الليبية طرابلس. كان قد أُطلق سراحه مع عدد من زعماء الجماعة الليبية المقاتلة من السجن في إطار برنامج لإعادة تأهيل المتطرفين صممه نجل القذافي سيف الإسلام. وفي المقابل تعهدوا بالتخلي عن العنف والعمل على تشويه سمعة القاعدة.

وكان الكثير من الليبيين والدبلوماسيين الغربيين متشككين. بلحاج ورفاقه كانوا من بين عشرات الليبيين الذين سافروا إلى أفغانستان لمحاربة القوات السوفياتية. والتقوا بن لادن في معسكر تدريب، حسب ما قال لي في ذلك الوقت أحد مؤسسي الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، سامي الساعدي. وأعرب عن إعجابه بـ "إخلاص" بن لادن.

عاد بلحاج إلى ليبيا في أوائل التسعينات. هناك، أطلق الجماعة الليبية المقاتلة للإطاحة بمعمر القذافي وتحويل ليبيا إلى دولة إسلامية. وتبع ذلك تمرد منخفض المستوى، فضلا عن ثلاث محاولات فاشلة لاغتيال القذافي. وبحلول ذلك الوقت، كان بلحاج معروفا باسمه الحربي، أبو عبد الله الصادق.

سحق نظام القذافي الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، وبحلول أواخر التسعينيات هرب بلحاج ورفاقه إلى أفغانستان وباكستان حيث أقاموا تحالفات مع قادة القاعدة وطالبان، وفقا للسلطات الليبية ومحللين. ورغم اعترافه بالروابط، نفى بلحاج أنه يكون قريبا من أي جماعة.

وفي الأشهر التي سبقت هجمات 11 سبتمبر، حث بن لادن الجماعة الليبية المقاتلة على الانضمام إلى جهوده لاستهداف الولايات المتحدة وحلفائها. بلحاج امتنع فجأة. مهمته الوحيدة ، وفق ما قال مؤخرا "هي إسقاط القذافي، وليس الهجوم على الغرب ، وقلت ذلك لزعماء القاعدة". لكن الجماعة الليبية المقاتلة انقسمت حول هذا الخيار، وانضم بعض كبار أعضائها إلى بن لادن.

وفي أواخر عام 2001، مع تشتت طالبان وفرار بن لادن، هرب العديد من قادة الجماعة المقاتلة من المنطقة. وبعد ثلاث سنوات، ألقي القبض على بلحاج وزوجته الحامل في ماليزيا، واقتيد إلى موقع لوكالة المخابرات المركزية في تايلاند. وألقي القبض على السعدي وآخرين في أماكن أخرى في آسيا.

وتم تسليمهم إلى الحكومة الليبية. وأصبح القذافي، الذي كان راعيا للإرهاب، حليفا لمكافحة الإرهاب في الغرب.

وعلى مدى ست سنوات، وُضع قادة الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة في سجن أبو سليم الشهير في طرابلس. ويتذكر بلحاج: "تعرضت للضرب، عُلقت إلى الجدران من أذرعي وحرمت من الطعام وأشعة الشمس". وقد رفع دعوى قضائية ضد الحكومة البريطانية بتهمة القيام بدور في إعادته إلى ليبيا.

وقد أكد محققو هيومن رايتس ووتش، مستشهدين بالوثائق التي تم اكتشافها في ليبيا، روايات بلحاج بشأن وكالة المخابرات المركزية والتعذيب في بوسليم.

وبتشجيع من الوعاظ الإسلاميين وسيف الإسلام ، أدان بلحاج ورفاقه معتقدات القاعدة والهجمات على المدنيين الغربيين  في بيان رسمي من 400 صفحة.

إلا أن الترويج للجهاد ضد القوات الأمريكية في العراق وافغانستان مازال"عملا مقدسا". وقال لي بلحاج في 2010: "عندما تغزو أمريكا بلدا، فإن التمرد يكون مشروعا".

وبعد ذلك بعام، اندلعت في ليبيا انتفاضة عنيفة، كرجع صدى لانتفاضات مماثلة اجتاحت العالم العربي. بلحاج ورفاقه، بأفكارهم المناهضة للقذافي، وجدوا أنفسهم في أدوار قيادية.

نفوذ وثراء

أصبح بلحاج قائدا لواء طرابلس، وهو ميليشيات متمردة، وفي 22 أغسطس 2011 دخل هو ورجاله مجمع باب العزيزية، قلعة القذافي وحصنه الحساس.

على مدى الأشهر القليلة الماضية، ساعدوا في قيادة المعركة ضد قوات القذافي، بمساعدة من ضربات الناتو الجوية. في هذا اليوم، كانوا على وشك السيطرة على طرابلس، وكان القذافي قد فر شرقا.

لمح بلحاج كرسي القذافي فجلس فيه. وقال: " كنا نحلم دائما أن نجلس في باب العزيزية ".

وأثناء وقوفه، وضع في جيبه نظارات القراءة الخاصة بالقذافي. وقال إنه سلمها في وقت لاحق إلى والد رجل تعرض للتعذيب والقتل في سجن أبو سليم.

بلحاج عين رئيسا للمجلس العسكري في طرابلس، اللجنة المسؤولة عن حفظ النظام في العاصمة بعد مقتل القذافي بعد أقل من شهرين. كما سينضم إلى مجلس الأمن الأعلى للمتمردين. فيما انضم أعضاء آخرون من الجماعة المقاتلة إلى الحركات الإسلامية وأداوا معسكرات دينية للشباب، ودعوا إلى تطبيق الشريعة الإسلامية الصارمة.

أسس السعدي حزبا سياسيا. وعُين خالد الشريف، نائب أمير الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، نائبا لوزير الدفاع، في حكومتين لفترة ما بعد القذافي. كما أصبح شخصية مؤثرة متحالفا مع حكومة الوفاق الوطني التي تدعمها الأمم المتحدة وهي واحدة من ثلاث حكومات تتنافس للسيطرة على ليبيا.

في عام 2014، دعم بلحاج وأعضاء آخرون من الجماعة المقاتلة الليبية "فجر ليبيا"، وهي مجموعة من الميليشيات الإسلامية التي استولت لفترة وجيزة على طرابلس وأعلنت حكومتها الخاصة. وتسببت أعمال "فجر ليبيا" في انقسام الرأي العام.

ويرى ماتيا توالدو، محلل الشأن الليبي في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن "هناك عداءا متجذرا تجاه فكرة الإسلام السياسي". "إنه إرث من نظام القذافي الذي أسس عدم الثقة هذه في الإسلاميين بالقول إنهم عملاء أجانب في ليبيا يستجيبون لقوى أجنبية وأجندات خارجية".

هكذا بالضبط يُصوَر بلحاج من قبل أعدائه. الفصائل المناهضة للإسلاميين في شرق ليبيا، بما في ذلك الجنرال خليفة حفتر، الذي تسيطر قواته على جزء كبير من الشرق، أعلنوا بلحاج قائدا للقاعدة. ويقول آخرون إنه مع تنظيم داعش. وهو ينكر جميع التهم.

واليوم، طور بلحاج اتصالاته الثورية إلى ثروة ونفوذ هائلين. وعلى الرغم من أنه لا يملك أي منصب رسمي في الحكومة فإن أنصاره المسلحين جيدا يتمتعون بالسلطة في العاصمة. ولكن، لأنه خرج من دائرة الضوء العام وأبقى تعاملاته السياسية والتجارية سرية، فإنه لا يزال لغزا محيرا للكثير من الليبيين.

وفي حين أن بعض الليبيين ينظرون الآن إلى بلحاج كرجل أعمال، يميل آخرون إلى اعتقادات أخرى. تقول غازيني، من مجموعة الأزمات الدولية، إنهم يعتقدون "أنه يتظاهر فقط بأنه منخرط في الأعمال التجارية لكنه لا يزال الآمر الناهي".

ووصف بلحق بلحاج بأنه يمارس قوة هائلة إلى حد كبير من خلال أموال غير مشروعة، مشيرا إلى أنه في غضون عامين من الإفراج عنه من السجن كان يملك شركة طيران. ويتساءل المتحدث باسم البرلمان الشرقي: "من أين حصل على هذه المليارات؟"

بلحاج، الذي يقسم الآن وقته بين تركيا وطرابلس، ينفي أنه يملك شركة طيران أو أي مصالح تجارية كبيرة. ويضيف "ربما يخلطون اسمي مع رجل آخر يحمل اسما مشابها".

طموحات انتخابية

استقال بلحاج من المجلس العسكري في طرابلس لإطلاق حزبه السياسي، "الوطن"، وقال إنه يؤمن بالديمقراطية، ولم ينجح في الانتخابات البرلمانية الوطنية في عام 2012. ويصر على أنه لم يعد يسيطر على الميليشيات.

وذكر أنه يؤيد الحكومة التي تدعمها الأمم المتحدة، "لأننا لا نريد أن نكون خارج المجتمع الدولي" على حد قوله. وفي الشهور الأخيرة، سافر إلى سويسرا وجنوب افريقيا لتشجيع عملية السلام فى ليبيا.

ويأمل أتباعه في ترشحه لرئاسة الوزراء إذا أصبحت ليبيا مستقرة بما فيه الكفاية لإجراء الانتخابات مرة أخرى.

وقال جمال عاشور، وهو مسؤول كبير في "الوطن": "إنه يعمل بجد، وهو شفاف جدا". وأضاف "عندما تتحدث معه فان أولويته هي البلاد".

ولكن ماضيه يبقى يلاحقه.

يقال إن الانتحاري سلمان عبيدي الذي قتل 22 شخصا في حفل في مايو في مانشستر بانكلترا قد تطرف هو ووالده على يد أعضاء في الجماعة الليبية الإسلامية المقاتلة . غير أن بلحاج قال إن والد عبيدي لم يكن أبدا عضوا في الجماعة الإسلامية المقاتلة، واصفا هجوم مانشستر بالـ "جريمة".

وفي يونيو، وضعت السعودية وثلاث دول عربية اخرى بلحاج على قائمة إرهابيين تدعمهم قطر. وجاء ذلك بعد وقت قصير من فرض الكتلة مقاطعة اقتصادية وجوية على الدولة الصغيرة الغنية بالغاز متهمين إياها بتمويل التطرف ،وهو ما نفته.

*بوابة افريقيا الإخبارية غير مسؤولة عن مضامين الأخبار والتقارير والمقالات المترجمة