لا يزال المشهد العام في ليبيا يلفه الغموض، فرغم اللقاءات التي جرت بين القائد العام للجيش الوطني المشير خليفة حفتر ورئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج في كل من العواصم الإماراتية أبوظبي والمصرية القاهرة والفرنسية باريس خلال الفترة القليلة الماضية، إلا أن التباعد بين الطرفين ما زال سيد الموقف، في ظل تمسك كل منهما برؤيته للحل الذي يستهدف استعادة ليبيا استقرارها وسلمها الداخلي.
وجاءت الخطوات التي قام بها حفتر، وآخرها زيارته لموسكو ولقاؤه وزير خارجيتها سيرجي لافروف، لتؤكد رغبته في وضع نهاية للصراع الذي تشهده البلاد، والتوجه لإعادة بناء ليبيا التي ضربتها عاصفة الاحتجاجات، المعروفة ب«ثورات الربيع العربي»، عام 2011، وأدت إلى مقتل الزعيم الليبي معمر القذافي وانهيار منظومة الحكم التي اعتمد عليها في بقائه في السلطة لما يزيد على أربعة عقود، حيث جدد حفتر التأكيد أن الجيش مصر على مواصلة القتال حتى يبسط سيطرته على كامل التراب الليبي.
يشير حفتر إلى أن العالم بأسره تابع تضحيات الجيش لثلاث سنوات في قتاله ضد الإرهاب في ظل حصار ظالم تمثل في حظر التسليح عليه بموازاة دعم غير محدود للإرهاب، الذي مكّن التنظيمات الإرهابية من التمدد والتوسع في مختلف مناطق البلاد ووضع اليد على مقدراتها وثرواتها النفطية.
وبعيداً عن الدور الذي يقوم به الجيش في تطهير البلاد من المنظمات الإرهابية، تبقى التسوية السياسية الشغل الشاغل لليبيين، لأن استمرار الحرب بدون رؤية سياسية ناضجة تعيد البلاد إلى السكة الصحيحة، سيبقيها رهينة الأزمة لعقود طويلة.
من هنا كان حفتر صريحاً في إشارته إلى انخراطه في تسويات سياسية بعد لقاءات مع فايز السراج في كل من أبوظبي والقاهرة وباريس، إلا أن النتائج لهذه اللقاءات لم ترق إلى المأمول منها، والمطلوب اليوم مواصلة التحركات لإقناع الطرف الآخر بالالتزام بما تم التوصل إليه من مبادئ.
من المهم أن تتجنب الأطراف الفاعلة في المشهد الليبي الوصفات الجاهزة للحلول، وعليها البحث عن تسويات داخلية تحقق الاستقرار بشكل كامل، بهدف تفكيك العقد في الأزمة القائمة، فالحلول الجاهزة أو المعلبة، التي نجحت في دول ما، قد لا تصلح لمعالجة الوضع الليبي، الذي يحتاج إلى إنضاج حلول داخلية تراعي مصالح كافة الأطراف بحيث لا تستبعد أي مكون داخلي، سواء كان سياسياً أو عسكرياً أو قبلياً.
الحل الذي ينشده الليبيون لابد أن ينجز تحت مظلة الأمم المتحدة، وأن يلقى الدعم اللازم من الليبيين والإقليم، والعالم بأسره، حتى تستطيع العملية السياسية أن تحقق المراد منها.
ويأمل الليبيون أن يؤدي المبعوث الأممي الجديد غسان سلامة، دوراً هاماً في التسوية المقبلة، فهو شخص ملم بتفاصيل الأزمة القائمة، ولديه دعم عربي وأممي لإنجاز مهمته. ولعل بدء تحركه في معالجة الأزمة وحلحلتها من القاهرة مؤشر على جدية في إحداث اختراق للجمود الذي أصاب جهود الأمم المتحدة مع مبعوثها السابق مارتن كوبلر، وإخراج ليبيا من عنق الزجاجة والإبحار بها إلى شواطئ الاستقرار.

 

-الخليج