في ظل حالة الفوضى والحرب والاقتتال التي تعيشها ليبيا, تتعرض المواقع الأثرية الليبية للتخريب والعبث والنهب، في غياب الرقابة والمتابعة، ففي البلاد مواقع ومدن تاريخية أثرية لعدة حضارات مرت على البلاد.

إلى ذلك، تقع مدينة طلميثة أو بطليموس شرق مدينة بنغازي، وأطلق عليها الملك بطليموس الثالث، وهو أحد الحكام البطالمة، اسمه إبان حكم البطالمة، وتعتبر إحدى العواصم التاريخية لإقليم برقة "سيرنايكا"، وإحدى المدن الخمس التاريخية بالإقليم، والتي تشمل قوريني "شحات"، وأبو لونيا "سوسة"، وبرنيتشي "بنغازي"، وباركي "المرج"، والتي توجد بها شواهد تاريخية لتعاقب حضارات البيزنطيين والرومان والإغريق على فترات ومراحل.

سوق وخزانات مياه
ويعتبر الفورم، أو السوق، من أحد أهم معالمها، والذي تقع خزانات المياه الشهيرة أسفله، والتي تعتبر أكبر خزانات تاريخية في شمال أفريقيا، إضافة إلى قصر الأعمدة، الذي يحتوي على واحدة من أجمل نقوش الفسيفساء، إضافة إلى مسرح إغريقي، وبوابة توخيرا الشهيرة، والعديد من المعالم الأخرى.

وتتعرض كل تلك الأثار للعبث والتخريب، فالكثير منها تم تشويه معالمه بالكتابة والخربشة على جدرانه، كما أن جدار بوابة توخيرا "توكرة"، والذي يحتوي على نقوش بالأحرف اللاتينية القديمة تعرض للتشويه بنقش كتابات عبثية شوهت تلك القيمة الإنسانية للنقوش، ومن الواضح أن المخربين استخدموا أدوات حادة لمحاكة النقوش اللاتينية التي يرجع تاريخها لآلاف السنين.

 

%D9%82%D8%B5%D8%B1%20%D8%A7%D8%A8%D9%88%

ويمكن أن تلاحظ العبث أيضاً بجدران الخزانات والأعمدة، فالكثير من الكتابات الحديثة كتبت بالفحم والجير، وأيضاً الكثير من أرضية الفسيفساء تم نزعها وبعثرتها، وفقدت جانباً كبيراً من قيمتها.

جهود ذاتية
ويحاول سكان طلميثة الحرص على ما تبقى من آثار مدينتهم، حيث قاموا بترميم بعض الآثار بأنفسهم، والتي كانت على وشك الانهيار، كترميم قواعد الأعمدة وبعض الجدران، ولكن تلك الأعمال، رغم جديتها في الحفاظ على إرث المدينة، إلا أنها غير محترفة ومهنية، ويمكن ملاحظة ما خلفته من أثر واضح على الإنشاءات القديمة، فقد استخدم بعض السكان الإسمنت في عملية الترميم والحجر، ولكن ذلك لم يكن كافياً للحد من تعرض تلك المعالم للتشويه، والتي تحتاج إلى عمليات ترميم متخصصة وبشكل عاجل.

كما جرت سرقة العديد من التماثيل، أو قطع رؤوسها، من قبل اللصوص، لصعوبة نقلها وثقل وزنها، ولكن الكثير من تلك التماثيل، وبعض المقتنيات الأثرية، محفوظ بشكل جيد بمتحف طلميثة التاريخي، ولكن ظروف الحفظ ليست مثالية، فلم يهتم النظام السابق بمعالم ليبيا الأثرية، ولم يعمل على إنشاء متاحف ذات طراز عالٍ يمكن حفظ تلك المقتنيات فيها.

عبث بالمقابر
ولكن مع الانفلات الأمني والفوضى، زادت حدة التعدي على المعالم الأثرية، ففي الجبل الأخضر، اضطر سكان مدينة "شحات" إلى إغلاق مقابر قوريني الأثرية، بعد عبث بعض زوار المدينة بها، وطلاء جدرانها بكتابات يصعب إزالتها بسهولة، كما قام سكان المدينة بإغلاق المقابر وبعض المواقع بالبوابات الحديدية.

وفي طلميثة، يقوم بعض السكان وشرطة المدينة بعمل دوريات من وقت لآخر في المدينة الأثرية مترامية الأطراف، ومراقبة زوارها، إلا أن ذلك لم يكن كافياً فيما يبدو، فيمكن أن تلاحظ أن جهل بعض الزوار بقيمة تلك المواقع يجعلهم يقومون بإشعال النيران بواسطة الحطب على أرضية المسرح، أو على أرضية الفورم، التي تحتوي على بعض الفسيفساء، والتي تعرضت بدورها للتشويه بالسخام وبقايا النيران.
 

%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%AB%20%D8%A8%

وبعد أحداث عام 2011، اعترت حمى سرقة ونهب الآثار كل البلاد، واختفت العديد من القطع الأثرية، حتى أن فسيفساء الفصول الأربعة بمدينة قوريني، الأشهر في العالم، تمت سرقة جزء منها، مما اضطر السكان وهيئة الآثار بالمدينة لبناء جدار حولها، مما أفقدها الكثير من قيمتها، ولكن يعتبر السكان أن هذا الإجراء وقائي ومؤقت، لصعوبة مراقبة الآثار المتناثرة على مئات الكيلومترات المربعة، كما أن أهالي طلميثة، وبإشراف بعض المتخصصين، قاموا بردم الفسيفساء الجميلة لقصر الأعمدة بالتراب، حتى لا يطالها العبث.

أعمال غير مسؤولة
وبالتالي، يمر الإرث الإنساني بليبيا في حالة مؤسفة، وسط الإهمال والأعمال غير المسؤولة، رغم قيمة تلك المواقع الأثرية، ورغم ثروتها التاريخية، ففي جانب من مديمة طلميثة الأثرية، يوجد واحد من أجمل القصور في ليبيا، ويعرف محلياً باسم قصر "أبو قبيبة"، وهي تصغير لكلمة قبة بالمحلية" والقصر يحتوي على قبة صغيرة مبنية بطريقة فريدة" وبعض الأقواس، ولكن القصر مهمل، والكثير من جدرانه منهار، والطوب مبعثر حول القصر، ويؤكد متخصصون بالمدينة أنه يمكن إعادة القصر بهيئته الكاملة، إذا جرت عمليات ترميم واسعة، ولكن هذا لم يحدث لعشرات السنين، لعدم اهتمام الأنظمة المتعاقبة على حكم ليبيا وإقليم برقة بهذه المعالم.
 

%D9%82%D8%A8%D8%A9%20%D9%82%D8%B5%D8%B1%

وتظل ليبيا تفقد جانباً كبيراً من إرثها الإنساني وقيمتها السياحية، مع توسع رقعة القتال الدائر الآن، ولكن يبقى هناك الكثير من الليبيين الذين يحاولون أن يحفظوا ذلك الإرث بإمكانيات ذاتية ومتواضعة، ويحرصون عليها، رغم كل الظروف والمعاناة.

 

*نقلا عن  موقع 24