منذ العام 2011، تتقاتل كيانات مسلحة عديدة في ليبيا التي تعاني من صراع على السلطة،أدخلها في في حالة من الصراعات والحروب لا تتوقف.وفي ظل واقع مُعقد ومتشعب باتت الفوضى هي السمة الأبرز في المشهد الليبي،وتصاعدت معاناة الليبيين مع تردي الأوضاع المعيشية وغياب أسس الاستقرار والأمن في البلاد.

وبعد اتفاق تم التوصل إليه عام 2015 ودعمته الأمم المتحدة، تولت حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج السلطة في طرابلس العام الماضي، إلا أنها فشلت في تحقيق المطلوب.ومع تواصل الإنقسامات واقتراب موعد 17 ديسمبر تاريخ انتهاء صلاحية اتفاق الصخيرات،تصاعد الحديث عن إجراء انتخابات العام القادم، كبديل للمفاوضات التي فشلت في إيجاد تسوية شاملة.

** بدء التسجيل في الانتخابات:

ودشنت ليبيا أولى مراحل الإعداد لتنظيم الانتخابات العامة المقرر إجراؤها العام القادم،حيث أعلنت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات رسميا، عن البدء في عملية تسجيل الناخبين وتحديث السجل الانتخابي، اعتبارًا من تاريخ،الأربعاء 6 ديسمبر /كانون الأول، على أن تستمر 60 يومًا، مؤكدة أن إمكانية تمديدها ستنظر في حينها.

وقال عماد السايح رئيس المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا، في مؤتمر صحافي، إن المفوضية مستمرة في تحمل مسؤولياتها تجاه جميع الليبيين الذين اختاروا الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة والتي يضمنها الإعلان الدستوري وتعديلاته.مؤكدا أن المفوضية ستسعى إلى إشراك أكثر عدد من المواطنين في العملية الانتخابية من أجل ضمان نسبة مشاركة كبيرة يوم الانتخابات، موضحا في هذا السياق "وجود 4 ملايين مواطن مؤهلين لخوض الانتخابات، إلا أن ما هو مسجل في قاعدة البيانات يبلغ 1.5 مليون فقط".

وأفاد السايح أن سجل الناخبين لم يتم تحديثه منذ يوليو 2014. وأعلن أن “البيانات والإحصائيات الواردة من مصلحة الأحوال المدنية تشير إلى وجود 4.2 مليون ليبي مؤهلين للانتخاب، في حين تشير قاعدة البيانات الموجودة لدى المفوضية إلى وجود 1.5 مليون ناخب”. وأكد أن هدف الحملة هو الوصول لتسجيل مليون ناخب آخر على الأقل، وتجاوز عتبة الـ50 بالمئة من المؤهلين للانتخاب.

ولا يزال موعد إجراء الانتخابات محل جدل في ليبيا، حيث يدعو شق من الليبيين بمن فيهم بعض الأطراف السياسية إلى ضرورة التعجيل بتنظيمها من أجل إخراج البلاد من الأزمة التي تتخبط بها منذ سنوات،فيما يرى البعض الآخر تأجيلها بسبب عدم التوافق بين الأطراف السياسية الفاعلة في البلاد، فضلا عن غياب الاستقرار الأمني.ويذكر أن آخر انتخابات، شهدتها ليبيا، جرت في يونيو عام 2014 وتوجت بانتخاب أعضاء مجلس النواب المنعقد حاليا في مدينة طبرق بدل مدينة بنغازي بسبب الحرب بالمدينة.

**شروط:

حدد رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا غسان سلامة،خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد رفقة رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عماد السايح،الأربعاء 06 ديسمبر 2017، بمقر المفوضية بطرابلس،عدة شروط لإجراء ونجاح الانتخابات في ليبيا التي تتضمنها خطة البعثة الأممية خلال عام، وتكون ذات مصداقية، مؤكدا أن الانتخابات حل للمشاكل وليس لتفاقمها.

واشترط سلامة، تأمين المقار الانتخابية وتأمين إشراك أكبر عدد ممكن من المواطنين في العملية الانتخابية، فضلاً عن التشريعات اللازمة لهذه الانتخابات.وأوضح، أن الشروط الواجب توافرها أيضا تنقسم إلى تشريعية وتقنية وسياسية، منها ضرورة توافر وجود مناخ سياسي صالح لإجراء الانتخابات، وأن يقبل القادة الليبيين والمواطنين بنتائج الانتخابات، مبينا أن الانتخابات الرئاسية مثلاً والتي لم تحدث قط، تحتاج لقانون ينظمها، كما أن الانتخابات النيابية بحاجة لذلك أيضًا رغم تكرارها مرتين.

وبيّن سلامة، أن من بين الشروط التي يجب تحققها أيضا، هي "شروط تقنية" التي تتعلق بضرورة تسجيل الناخبين وتأمين أكبر اشتراك ممكن من الليبيين في الانتخابات، بالإضافة إلى "شروط تشريعية" وهو سن القانون اللازم لتنفيذ العملية الانتخابية، إلى جانب "الشرط السياسي" وهو قبول الأطراف اللبيبة كافة مسبقًا بنتائج الانتخابات.

وأكد المبعوث الأممي إلى ليبيا، أنه لا بديل عن الانتخابات وهي جزء من خطة عمل البعثة الأممية، وفي حال فشلها فالبديل هو الانتخابات مرة أخرى، مشددا على ضرورة تشكيل حكومة مستقلة تهتم بالأمور المعيشية كمشكلة نقص السيولة، بالإضافة إلى وضع المؤسسات العامة وصيانتها.وأشار غسان سلامة، إلى أن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات وجدت مستقلة وتعمل بمهنية واستقلالية، مؤكدًا أن ما قامت به المفوضية عمل كبير، وأن السنوات القادمة سوف تثبت ذلك.

وفي سياق متصل،رحب عضو مجلس النواب علي السعيدي بالاعلان عن بدء التسجيل للانتخابات مؤكدا انها خطوة جيدة.وأكد السعيدي في تصريح للمتوسط ان نجاح الانتخابات يقترن بتوفر الامن وعودة المجهرين بالداخل والخارج لكي يشارك كل الليبين في هذا الاستحقاق.واعرب عن خشيته من اطالة امد الازمة من جديد عبر المماطلات والتسويف.

وطالب السعيدي، بوضع قانوان الانخابات قبل البدء فى التسجيل لكي تتسم بالنزاهة والشفافية.كما دعا الى انتخاب لجنة عليا جديدة للانتخابات قبل البدء في التجربة الانتخابية مشيرا الى ان الاشراف الاممي على الانتخابات سيجعل من السهل قيام السلطات الموجودة حاليا بالتسليم للسلطات المتخبة.

** دعم دولي:

ومن أجل إنجاح الانتخابات،تتسارع الخطى لدعم هذه العملية من أطراف دولية،حيث وقعت السفيرة الفرنسية لدى ليبيا بريجيت كورمي، ونائبة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، والممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ليبيا ماريا فال ريبيرو، الثلاثاء 05 ديسمبر 2017، في مقر البعثة بتونس، اتفاق مساهمة فرنسا بـ200 ألف يورو لصندوق المشروع الانتخابي الليبي.

ويهدف المشروع بحسب البعثة إلى تعزيز قدرة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا على إدارة العمليات الانتخابية، المتوقعة في 2018.وأشارت السفيرة الفرنسية بريجيت، خلال حفل توقيع الاتفاق، إلى ضرورة الرفع من قدرات المفوضية الوطنية العليا للانتخابات لضمان وجود اهتمام وطني بالمسار الانتخابي.مضيفة أن نجاح الانتخابات مسؤولية مشتركة بين الليبيين والمجتمع الدولي.

من جانبها لفتت نائبة الممثل الخاص للأمين العام، إلى أن الانتخابات تعد خطوة هامة في العملية الديمقراطية بليبيا حيث أنها يمكن أن تساعد على استعادة ثقة الشعب في المؤسسات الوطنية.وأضافت أن هذا المشروع سيدعم المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، والأطراف السياسية المعنية والمجتمع المدني لمواصلة العمل معا جنبا إلى جنب من أجل إجراء انتخابات شاملة وشفافة وذات مصداقية.

يذكر أن في 25 نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، تعهدت هولندا بتقديم 1.65 مليون دولار لصندوق المشروع الانتخابي التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والذي يهدف إلى تعزيز قدرة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات على إدارة العمليات الانتخابية التي تتماشى مع أفضل الممارسات والمبادئ المعترف بها على الصعيد الدولي.

وكان عدد من مسؤولي المنظمات الأمريكية غير الحكومية المتخصصة في مجال الانتخابات،قد أبدوا خلال لقائهم رئيس الرئاسي فائز السراج بمقر إقامته في العاصمة الأمريكية واشنطن، استعدادهم لتقديم الدعم ومساعدة المفوضية العليا للانتخابات.ونقل المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي المقترح في حسابه الرسمي إستعداد الجانب الأمريكي لتقديم المساعدة المطلوبة.

ويتلخص الدعم الذي تعهدوا بتقديمه على مساعدة المفوضية العليا للانتخابات وتدريب العاملين في مجال الانتخابات وتطوير برامج فعالة لتوعية الناخبين ، والاهتمام بتطوير الإعلام ليؤدي دوره بمهنية إضافة إلى بناء ائتلاف لمنظمات المجتمع المدني وتوزيع مواد لتوعية المدنيين ودفعهم للتصويت وإعادة الثقة في العملية الانتخابية.

وتعول الأطراف الليبية على جهود الأمم المتحدة لحل الأزمة التي تعصف بالبلاد،حيث تسعى الأخيرة لتنفيذ خطة عمل طرحها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة غسان سلامة في الـ 20 من سبتمبر الماضي، وتبناها مجلس الأمن الدولي،والتي تتوج في ختامها بإجراء انتخابات في غضون عام من إعلانها  في محاولة لإخراج ليبيا من حالة الانسداد السياسي.