يبدو أن الوضع في ليبيا لم يعد يحتمل مثلما أكد المدير العام لمؤسسة «مغرانتِس» التابعة لمجلس الأساقفة الإيطاليين، الأب جوفاني دي روبرتيس بالقول  إن «الوضع في ليبيا واضح جدًا لمن يرغبون برؤية الحقيقة»، مؤكدًا أنه «لسوء الحظ ليبيا ليست فقط مكانًا للتعذيب، بل إنها جحيم حقيقي».

وتساءل الكاهن الإيطالي، في تصريحات لإذاعة الفاتيكان أمس الخميس: «ما الذي يصيب بالصمم جزءا كبيرا من الرأي العام وحكوماتنا لتقبل بكل هذا؟» مضيفا : «لقد سمعت شخصيا، وذلك ليس الآن فقط، بل في السنوات الأخيرة، كثيرا من القصص عن المهاجرين، وما أثار استغرابي هو أن الجزء الأكثر صعوبة الذي يذكرونه في رحلتهم، هو فترة بقائهم في ليبيا».

وجاءت تطريحات المسؤول الإيطالي في خضم التحقيقات المنشورة في وسائل الإعلام الدولية حول الخرق الفاضح لحقوق الأنسان داخل الأراضي الليبية ، والإهامة التي يتعرض لها البشر من ليبيين وأجانب على أيدي من تسلموا حكم البلاد الفعلي  بعد الإطاحة بنظام الزعيم الراحل معمر القذافي في العام 2011 

فقد كشفت شبكة "سي ان ان" الامريكية، في تحقيق استقصائي عن وجود سوق لبيع البشر بالمزاد العلني في ليبيا.

 

 

ونشرت "سي ان ان" فيديو مرفوقا للتحقيق الاستقصائي الذي نشر على موقع الشبكة، ويظهر تاجرا بالبشر وهو يصيح مفتتحا المزاد العلني "ثمانمائة..، ويرتفع الرقم 900 ، ثم ألف ، ثم 1100…لقد تم البيع. مقابل 1200 دينار ليبي"، ليتم بذلك بيع إثنين من البشر.

وأظهر الفيديو أيضا واحدا من الرجال الذين تم بيعهم، وهو شابا نيجيرياً في العشرينات من العمر، يرتدي قميصاً باهتاً و سروالا رياضيا، وقد عُرض للبيع كأحد أفراد مجموعة من "الرجال الأقوياء للعمل في المزارع"، وفقا للبائع، الذي كان غير ظاهر في الفيديو.

وأكدت شبكة "سي ان ان" زاروا ليبيا لاجراء مزيد من التحقيقات خلال الشهر الماضي، عبر كاميرات مخبأة في منزل خارج العاصمة الليبية طرابلس، وأكّدت أنها اكتشفت عشرات الناس يباعون في مزاد علني في غضون ست أو سبع دقائق.

ويظهر في التحقيق أيضا، كيف يقول البائع "هل يحتاج أي شخص إلى حفّار؟ هذا هو الحفّار، رجل قوي كبير، سيحفر". "من يزايد ؟ من يزايد ؟"…ويرفع المشترون يرفعون أيديهم مع ارتفاع الأسعار "500، 550، 600، 650 …" في غضون دقائق أنتهى كل شيء والرجال الذين أستسلموا تماماً لمصيرهم، يتم تسليمهم إلى أسيادهم الجدد"، في مشهد فظيع.

وأكدت "سي ان ان"، أنّ فريقها التقى اثنين من الرجال الذين تم بيعهما. لقد أصيبوا بصدمات نفسية بسبب ما مرا به حتى أنهما لم يتمكنا من الكلام، وكانا خائفين جداً لدرجة أنهما يشكان في كل من التقيا بهم، حسب ما كشفه التحقيق.

وأكّدت شبكة "سي ان ان" أنها سلمت الأدلة التي صورتها إلى السلطات الليبية التي وعدت بفتح تحقيق، حيث قال الملازم أول ناصر حازم من جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية التابعة لحكومة الوفاق غير المعتمدة "إنه على الرغم من أنه لم يشهد مزاد العبيد، فقد أقر بأن العصابات المنظمة تقوم بتشغيل حلقات التهريب في البلاد".

ويتابع قائلا: "إنهم يملؤون القارب ب100 شخصاً، قد يتمكنون من العبور أو يفشلون، فالمهرب لا يهتم طالما يحصل على المال، والمهاجر قد يصل إلى أوروبا أو يموت في البحر.."

وبيّن ذات التحقيق، أنّ "المزادات العلنية لبيع البشر تتم في بلدة تبدو طبيعية في ليبيا مليئة بالناس الذين يعيشون حياة منتظمة، لكن داخل مزادات بيع البشر يبدو الزمن عاد إلى الوراء" حسب شبكة سي آن آن التي أكّدت أنّ الشيء الوحيد المفقود هو أغلال حول معصم وكاحل المهاجر.

وقال أحد المهاجرين المحتجزين، وهو شاب يدعى فيكتوري يبلغ من العمر 21 عاما، كان قد بيع في مزاد العبيد، وبحسب شهادته، قال بأنه تعب من الفساد المتفشي في ولاية ايدو في نيجيريا، وعندما وصل إلى أبعد نقطة وهي ليبيا، حيث يقول إنه وغيره من المهاجرين المحتملين عاشوا في ظروف معيشية قاتمة، محرومين من الطعام، وتعرضوا لسوء المعاملة من قبل خاطفيهم، مضيفا: "إذا نظرت إلى معظم الناس هنا، إذا تحققت من أجسادهم، ترى علامات، يتم ضربهم، وتشويههم".

وعندما نفدت أمواله، باعه مُهربه كعامل بأجرة يومية، حيث أخبره أن الربح الذي يُجنى من المعاملات سيؤدي إلى تخفيض ديونه. ولكن بعد أسابيع من الإجبار على العمل، أُخبر فيكتوري أن المال الذي دُفع فيه لم يكن كافياً، لذا أُعيد إلى مهربه، ليتم إعادة بيعه عدة مرات.

كما أكّد فيكتوري لشبكة "سي ان ان" من مركز الاحتجاز الذي ينتظر أن يُعاد منه إلى بلاده: "أنفقت حوالي مليوناً أو يزيد (نايرا نيجيرية أي ما يعادل 2780 دولاراً)". "ذهبت والدتي إلى عدد من القرى، اقترضت المال لإنقاذ حياتي"، وفقا لذات التحقيق.

 

 

على صعيد متصل ، نشرت صحيفة الغارديان البرطانية  تحقيقا  للصحفية سيسيل أليغرا أعدته من داخل الاراضي الليبية ومن تونس بعنوان "اغتصاب الرجال يستخدم بانتظام خلال الحرب في ليبيا".

وقالت أليغرا إن هذا الأسلوب تم الكشف عنه مؤخرا بعدما ترددت حوله أقاويل لسنوات، لكن شهادات من الضحايا تراكمت خلال الأشهر الماضية لتكشف النقاب عنه بشكل مؤكد ،وأضافت  أن صحفيين من جريدة لو موند الفرنسية ونشطاء في مراكز لحقوق الإنسان في تونس تلقوا شهادات واطلعوا على مقاطع فيديو توضح "اغتصاب رجال" بواسطة آلات وأدوات استخدمها أعضاء الفصائل المتحاربة كنوع من وسائل فرض السيطرة السياسية.

كما كشفت  أليغرا عن أنها تلقت بعض الشهادات حول إيداع بعض السجناء في غرف مع أشخاص آخرين وإجبارهم على التعرض للاغتصاب أو القتل ،وأوضحت  أن "اغتصاب الرجال يمارس كوسيلة للإذلال والإهانة بهدف إبعاد المنافسين بشكل نهائي" عن ساحة الصراع التي تشهد كرا وفرا بين مجموعات مسلحة لا تعترف بأي قانون وتسيطر على مساحات كبيرة من الأراضي الليبية،وأشارت الى  أن الرجال الذين يتعرضون للإغتصاب يشعرون بالخزي غالبا، وبالتالي فإن الضحايا لا ينخرطون مرة أخرى في الغالب في ساحة الصراع السياسي او العسكري.

وإستعرضت  أليغرا بعض الشهادات حول هذه الانتهاكات ثم تذكر بأن اتهامات طالت نظام معمر القذافي بشأن ممارسة الاغتصاب بشكل ممنهج للسيطرة على معارضين خاصة بعد اندلاع انتفاضة عام 2011، لكن لم يكن هناك أدلة واضحة على هذه الاتهامات.

وكما تحدث تحدث التقرير، الذي نشره موقع "شبيغل أونلاين" الألمانيالأسيوع الماضي  عن تعرض السكان في ليبيا – منذ سقوط القذافي – إلى حالات اختطاف واعتداء جنسي وقتل من قبل المليشيات هناك، وأن الأمم المتحدة لم تكن قادرة على إثبات وجود حالات منظمة من الاغتصاب في هذا البلد العربي. لكن مجموعة صغيرة من المحققين والمدعين العامين والقضاة السابقين الليبيين يعملون سراً في تونس من أجل توثيق هذه الحالات وجمعها.

وتشير هذه المجموعة إلى أنها اكتشفت، من خلال الوثائق وشهادات العيان التي جمعتها، نهجاً منظماً للاعتداء الجنسي والاغتصاب، والذي يستهدف الرجال بالأخص. ورافقت هذه المجموعة طوال فترة عملها الصحفية الفرنسية سيسيل أليغرا، مراسلة صحيفة "لوموند" الفرنسية.

ويخصّ التقرير كلاً من المدعي العام السابق "رمضان" وزميله الناشط الليبي "عماد"، اللذان يوثقان التعديات الجنسية على معتقلين ومختطفين من قبل أعضاء المليشيات، من خلال ما يحصلون عليه من وثائق ومقاطع فيديو وشهادات أشخاص تعرضوا لهذه الاعتداءات.

وتمكنت هذه الخلية في تونس من إيجاد أدلة تكفي للقطع بوجود نظام ممنهج للاغتصاب والاعتداء الجنسي في السجون والمعتقلات الليبية، وذلك بمساعدة أيضاً من ناشطين داخل ليبيا يقومون بتسجيل وتوثيق حالات الاختفاء القصري والاعتقال والاغتصاب.

ويشير مراقبون الى أن ما يحدث في الواقع يتجاوز بكثير ما يتم الإعلان عنه من فظائع تجري في بلد لا يخضع حاملو السلاح فيه الى سلطة القانون ، وإنما عادة ما يصبحون جزءا من مؤسسات الحكم وخاصة في المنطقة الغربية حيث لا تزال الميلشيات صاحبة الصوت الأعلى في إتخاذ القرار