أصبح الفساد بمرور السنوات علامة وطنية في ليبيا. النخبة السياسية والمجموعات المليشياوية والاقتصادية بعد 2011 لا تتنافس في ما بينها إلا في ملعب الفساد، الذي شمل كل القطاعات تقريبا، وخاصة في المنطقة الغربية، وبات يهدد كيان الدولة والمجتمع بشكل غير مسبوق، الأمر الذي أدى إلى صعود طبقة من الفاسدين والمفسدين المتلاعبين بقوت الشعب والناهبين لثروة البلاد والمبتكرين لأشكال جديدة من الفساد بشكل يحمل الكثير من النقمة والحقد والكراهية ضد عموم المواطنين الغارقين في بؤس السنوات العجاف.

في مارس الماضي أعلن رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في ليبيا نعمان محفوظ الشيخ، أن حكومتي الوفاق والمؤقتة، لديهما شبهات فساد، مشيرا إلى أن سبب الفساد المالي يعود لحالة الانقسام السياسي بين مؤسسات الدولة الليبية.  وقال الشيخ لوكالة "سبوتنيك" الروسية  إن الفساد المالي والإداري يعود إلى حالة الانقسام السياسي بين مؤسسات الدولة الليبية.

وأضاف الشيخ أن ميزانية الحكومة المؤقتة خارج ميزانية الدولة المقررة بينما الفساد المالي في حكومة الوفاق الوطني كان في إصدار بعض القرارات حول منح الاعتمادات بطريقة التحصيل وتوزيع، لافتا إلى أن هذه الاعتمادات لشركات محددة، ومشيرا إلى أن هذا هو السبب في زيادة الفساد المالي والإداري في البلاد.

وفي العام الماضي، قالت هيئة الرقابة الليبية، إنها أحالت 81 قضية إلى المجالس التأديبية للمخالفات المالية، وطاولت 280 متهماً. وفيما وردت 470 شكوى معظمها يرتبط بالتسيّب الإداري والاستيلاء على المال العام، أكدت الهيئة أن الانقسام السياسي أثر سلباً على الأداء الإداري. وتم تسجيل 374 قضية فساد خلال العام 2016، منها 20 قضية تمت إحالتها إلى مكتب النائب العام المالي الليبي، وعالجت 180 قضية معظمها يندرج في التصرف بالمال العام والاختلاس.

وعرج التقرير الصادر عن الهيئة  على تجاوزات شركة الخطوط الجوية الليبية، التي سجلت غرامات بقيمة 404 ملايين دينار لعام 2014 و344 مليون دينار للعام 2015، فضلا عن الفساد الذي تعانيه الشركة.

وشرحت الهيئة أن بعض مسؤولي الشركة قاموا بتحويل مبلغ 27 مليون دينار إلى حساب في مصرف التجارة والتنمية فرع بنغازي وسحبوا منه 7 ملايين دينار بطريقة مخالفة للقانون وأودعت في حساب مجهول. وحول وزارة الشؤون الاجتماعية قال التقرير إنها اشترت 25 هاتفاً محمولاً بقيمة 59 ألف دينار وتذاكر سفر لغير العاملين في الوزارة بقيمة 60 ألف دينار.

ولفت التقرير إلى أن الوضع المالي لليبيا يتسم بالإنفاق المفرط بسبب الفساد وانكماش الإيرادات مع انخفاض الصادرات وهبوط أسعار الطاقة. كما بلغ إجمالي التحويلات الخارجية المنفذة من قبل مصرف ليبيا المركزي خلال عامي 2013 و2014 نحو 125 مليار دينار ليبي (96 مليار دولار).

وفي 2016 أصدرت المنظمة الليبية للسياسات والاستراتيجيات تقريراً عن الفساد المالي في الاقتصاد المحلي، جاء فيه أن "تجربة فبراير أثبتت أن تغيير النظام لا يعني بالضرورة القدرة على مجابهة ما خلفه وراءه من إرث خاصة ملف الفساد، بل إن فترات الانتقال التي ترتبك فيها المنظومة قد تؤدي إلى نزيف في المال العام كبير يفوق ما وقع في الماضي". وأن "الاستثمارات الداخلية وأيضا الأموال المستثمرة في الخارج محل تلاعب ومجال للفساد الكبير حيث لم تخضع لإدارة منضبطة" و"لا توجد آلية واضحة لتعقب الأموال المنهوبة، كما أنه لا توجد معلومات دقيقة وموثقة وجامعة عن أصول البنك المركزي في الخارج".

وأشار التقرير إلى أن “تعقيدات المنظومة الإدارية القديمة لعبت دورها في تكريس الفساد ومن ذلك تمكن البيروقراطية في الجهاز الحكومي، وأيضا الضغوط الكبيرة التي مارستها مكونات عسكرية وسياسية واجتماعية” بحيث  “يبدد السياسيون والمسؤولون المرتشون موارد مالية أكثر على البنود التي يسهل ابتزاز رشاوى كبيرة منها مع الاحتفاظ بسريتها، ويلاحظ أن الأجهزة الحكومية التي ينتشر فيها الفساد تنفق أقل على الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، وتتجه إلى الإنفاق أكثر على مجالات الاستثمار المفتوحة للرشوة".

ووفق التقرير ذاته "يؤدي الفساد إلى رفع تكاليف الإنتاج كنتيجة مباشرة للرشوة والعمولات، وبالتالي ارتفاع مستوى أسعار السلع المنتجة"، "وانتشار حالة ذهنية لدى الأفراد والجماعات تبرر الفساد وتجد له من الذرائع ما يبرر استمراره.

ودعا التقرير إلى "إقرار قانون شامل لمكافحة الفساد بالاستفادة من التجارب الدولية، حيث يجب على الحكومة الجديدة أن تدفع باتجاه إقرار قانون شامل لمكافحة الفساد المالي، ويمكن هنا الاستفادة من التجارب المشابهة فى هذا المجال".

كما أظهر تقرير نشره ديوان المحاسبة الليبي خلال العام 2016، أن الخسائر المادية وهدر المال العام، تنوعت وتوزعت على مختلف المؤسسات الحكومية، حيث بلغت نتيجة إغلاق الموانئ النفطية بسبب الاحتجاجات والأعمال المسلحة إلى (65) مليار دينار خلال العامين 2013 و 2014أي قرابة 51 مليار دولار أمريكي، وهي خسائر مباشرة دون احتساب خسائر إعادة التفعيل واسترداد الأسواق وغيرها .

وقال الديوان في تقريره السنوي للعام 2014، إن “العجز المالي للدولة خلال العام 2014 وحده، بلغ 22 مليار دينار، بينما سجل الإنفاق الحكومي للعام 2013 زيادة غير مسبوقة على مدى تاريخ ليبيا تجاوزت 71 مليار دينار.

وأرجع التقرير، أسباب العجز في موازنة العام 2014، إلى عدة أسباب مختلفة أهمها "عدم التقيّد بإرجاع البواقي من الأرصدة الحكومية إلى المركزي الليبي، والمبالغة في تقدير الإيرادات النفطية، وعدم إلزام الشركات والمؤسسات الربحية المملوكة للدولة في توريد الأقساط المالية".

وأشار تقرير ديوان المحاسبة، إلى أن "المصرف المركزي عجز عن الالتزام بتسديد (2.5) مليار دينار على حساب الأرباح، ما أدى إلى عزوفه عن إطفاء حساب الترتيبات المالية الخاص بسلفة الخزانة في مخصصات المجنب بمبلغ 15 دينار ليبي".

ويصف ديوان المحاسبة بأن ملف الفساد بالسفارات يعد من أكبر الملفات، حيث شاركت فيه السلطات التشريعية والتنفيذية منذ "إعلان التحرير أكتوبر 2011"، وأصبح المشهد السائد في الدولة، هو التسابق بين المسؤولين بهذه الجهات، وسعيهم لتعيين أنفسهم أو أقاربهم كسفراء أو قناصل أو ملحقين، وهو أمر عجزت السلطات المتعاقبة بعده عن وضع شروط ومعايير لتولي منصب السفراء والدبلوماسيين، ولاحظ الديوان بأن الاختيار يتم وفق الوساطة والمحسوبية، ووفقاً للتبعية السياسية والجهوية بل وأحيانا يتم فرضه بالقوة.

كما بيّن تقرير ديوان المحاسبة، تنامي حجم الفساد المالي الذي يتعلق بالسفارات الليبية، ومن خلال تنفيذ لجان تابعة للديوان وقيامها بالفحص والمراجعة لعدد من السفارات الليبية، تبين تضخم حجم الأموال المحالة إلى السفارات خلال السنوات الأربعة الماضية في حدود 6.3 مليار دينار.

ورصدت هذه اللجان، مبالغة في قيمة المرتبات للعاملين في السفارات، تجاوز بعضها 15 ألف دولار شهرياً وإقرار مزايا وعلاوات وميزات أخرى بالمخالفة، كقيمة إيجار السكن التي حددت في بعض الدول، بقيمة 8 الآف دولار ودول أخرى 6 الآف، بالإضافة إلى أن معظم المصاريف كشراء السيارات للاستعمال الشخصي ودفع رسوم (الوقود – العلاج – الدراسة – تذاكر السفر)، تحمل على حساب السفارة.

وفي 2017  وجّه ديوان المحاسبة الليبي في العاصمة اتهامات صريحة لأشخاص وجهات لم يسمها، بـ«الفساد والخيانة»، ورصد وقائع فساد في قطاعات عدة، وقال إن ليبيا "لا تزال تعاني من (دواعش) الاعتمادات والتحويلات الخارجية من مصرفيين فاسدين، وتجار خونة لم يراعوا حاجة المواطن البسيط في الغذاء، وحتى الآن يستمرون في نهش ما تبقى من مقدرات الوطن، مستغلين ما تمر به الدولة من تشتت وصراعات".

وقدّم «كماً هائلاً من وقائع فساد»، وقال إن «ضعاف النفوس يستغلون حالة عدم الاستقرار التي تمر بها البلاد لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المجتمع»، مبرزا أن «ليبيا تعد وفقاً لمنظومة الشفافية الدولية من أكثر ست دول فساداً في العالم، حيث منحتها المنظمة 14 نقطة فقط من أصل 100 في النزاهة والشفافية، في مؤشر مدركات الفساد الصادر عام 2016".

وذهب الديوان إلى أن «الحقيقة التي يتجاهلها كثيرون هي أن مستوى الفساد في المجتمع وصل إلى 86 في المئة، وهو ما يتطلب أولاً الاعتراف بأنه متجذر في العقول والأفكار، وأصبح ثقافة عامة، وعملاً يومياً تمارسهما أغلب قطاعات المجتمع بقطاعيه العام والخاص، وتشمل المسؤول والموظف والتاجر والمقاول والعامل والمواطن والطالب والشرطي والعسكري وغيرهم دون استثناء".

وقدم ديوان المحاسبة في تقريره نموذجاً لفساد المسؤول في الدولة، بقوله إن «إهدار المال والتقصير في حفظه وصيانته واستخدامه في غير الأغراض المخصص لها زاد عن الحد، إلى جانب إساءة البعض استخدام سلطاتهم قصد تحقيق منافع للغير دون وجه حق، بالإضافة إلى الاستحواذ على المناصب، رغم ضعف الكفاءة، فضلاً عن تبديد مخصصات بالعملة الصعبة لشراء السلع التموينية". كما تحدث عن «فساد التعيينات، وعقود العمل التي تبرم للوساطة والمحسوبية بأعداد كبيرة دون حاجة لها، والتلاعب في العُهد التي تصرف بمبالغ كبيرة دون تسويتها، أو تسويتها بموجب مستندات ملفقة".

وحسب التقرير أيضاً، فقد تضمنت ملفات الفساد «إبرام اتفاقيات تعويض للمقاولين لا يستحقونها، وتغريم الدولة مبالغ طائلة، فضلاً عن التنازل عن الإدارة لصالح الشريك الأجنبي، إلى جانب التحايل والتلاعب في عقود التأمين الطبي، والتوسع في إبرام العقود وتكليفات العمل المباشرة، دون دراسة أو حاجة»، وضرب التقرير مثلاً لذلك، وقال إن «وزيراً سابقاً للتربية والتعليم أبرم 110 عقود بشكل مباشر".

كما رصد ديوان المحاسبة ما أسماه «ظواهر فساد الموظفين»، ومن بينها «تزوير الشهادات المهنية والجامعية للحصول على علاوات ومناصب، والاستحواذ على أصول المؤسسة لأغراض خاصة، وتسوية العهد بمستندات ملفقة، والحصول على مقابل عمل إضافي، ومزايا ومكافآت غير مستحقة، فضلاً عن التواطؤ مع مقاولين، أو المتعاقد معهم في اعتماد وتمرير أعمال غير منفذة، أو مواد غير موردة».

وانتقل التقرير للحديث عن «تفشي الفساد في القطاع المصرفي»، ورصد «تنامي تهريب الأموال للخارج، من خلال عمليات التلاعب بالاعتمادات والتحويلات الخارجية، وإتمام معاملات التوريدات الوهمية، بالإضافة إلى عملية غسل أموال متحصل عليها من التلاعب بالاعتمادات، والخداع في البطاقات الإلكترونية، والإيداعات الوهمية من خلال التحايل على نظام المقاصة بتدوير الصكوك، فضلاً عن التواطؤ في قبول صكوك وخصمها من حسابات الجهات العامة".

وفي مارس 2018 نشرت شبكة بلومبرغ الأمريكية تقريرا عن قضية رشوة قدمت فيها محفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار 16 مليون دولار كمكافآت واتهمت الشبكة ووفق التقرير الذي صدر شركة FM CAPITAL PARTNER  المتخصصة في إدارة الأصول مصرفيا يحمل اسم فريدريك مارينو، بحصوله على أموال كعمولات سرية من المحفظة بين عامي 2009 و2014. وأشارت الشبكة إلى أن مارينو الذي يمثل أمام محكمة في لندن يدافع عن المكافآت التي استخدمها لتغطية مصاريف حياته اليومية التي شملت إقامة في فندق خمس نجوم في العاصمة الإنجليزية بقيمة 232 ألف دولار.

وفي مايو 2018 أظهرت بيانات رسمية صادرة ديوان المحاسبة فى ليبيا أن إنفاق الحكومى لكل من حكومتى طرابلس والبيضاء وصل إلى 278 مليار دينار ليبى خلال 5 سنوات فى الفترة من 2012 إلى 2017. وأشار التقرير السنوى الصادر عن الديوان للعام 2017 إلى أن إنفاق الحكومة الليبية الموقتة وصل إلى 21 مليار دينار خلال الفترة نفسها، مؤكدا أن الضبابية تكتنف مصادر التمويل التى أتيحت للحكومة الموقتة بالبيضاء والتى يمكن بها تحديد قيمة الدين العام الناتج عن هذا الإنفاق والذى يتوقع أن يتجاوز 15 مليار دينار ليبى.

وجاء الفصل الأول من التقرير تحت عنوان «الوضع المالى لدولة»، حيث أشار إلى أن عام 2017 شهد تحسنا ملحوظا فى الإيرادات، التي بلغت 22 مليار دينار، مقارنة بإيرادات عام 2016، التى بلغت 5.8 مليـار دينـار فقـط، فيما بلغت مصروفات عـام 2017، 32.6 مليـار دينـار بزيادة قدرها 3.1 مليـار دينـار، حيث بلغ عجز عام 2017، 10.7 مليار دينار، مقابل 20.9 عام 2016، بأكثر من 20.9 مليار دينار.

وفيما يتعلق بالدين العام، أوضح التقرير أنه منـذ إقفال الموانئ النفطيـة منتصـف العـام 2013، لم تـدرك الحكومـة تبعات ذلك، واستمرت فى إقـرار موازنـات تعتمـد علـى سياسـة توسـعية الأمـر الـذى نـتج عنـه عجـــز، حيث بلغ الــدين العــام التراكمي الناتج عــن إقفــال المــوانئ والحقــول النفطيــة مــن منتصــف العــام 2013م حتــى 31/12/2017، بنحو 58 مليــار دينــار، دون أن يشـمل ديـون الحكومة الليبية المؤقتة بمدينة البيضاء. 

وبموجب التقرير، فإن المؤسسة الليبية للاستثمار تعد المؤسسة المالية الاستثمارية الوحيدة التي تعمل على استثمار أموال الليبيين في الداخل والخارج بمختلف المجالات المالية والاقتصادية لتحقيق أفضل العوائد المالية دعما للاقتصاد الوطني.

بيد أن الأمر بدا على خلاف ذلك حيث شهدت المؤسسة خلال العام الماضي انقساما إداريا غير مسبوق حيث عينت الحكومة المؤقتة في شرق البلاد “على الشامخ” رئيسا تنفيذيا فيما عينت حكومة الوفاق في غربى البلاد ”علي محمود حسن” رئيسا تنفيذيا لنفس المؤسسة.

وحذر العديد من المنظمات الدولية من خطورة ذلك الانقسام على  الوضع الليبي وهذا ما كشف عنه تقرير ديوان المحاسبة الذي رصد عددا من  التجاوزات حيث أظهر أن نتائج النشاط الربحي حتى نهاية عام 2016 بلغ (517.063.231) دولار وبمقارنة هذا العائد مع حجم الأموال التي تم توظيفها للاستثمار خلال الثلاثة سنوات الماضية يتضح لنا تدني العائد بشكل غير مرضي.

هذا وأوضحت المنظمة أن حجم أصول المؤسسة لنفس العام بلغ (68.011.902.442) دولارا، مشيرة إلى أن أكبر حجم لتوظيف تلك الاستثمارات جاء عبر الشركات التابعة و الحليفة بنسبة 36.5% و يعقبها الشركات النقدية بنسبة 31% ومن ثم الموجودات المالية المتاحة للبيع وبلغت نسبتها 13% والتي من المفترض أن تحقق عوائد مجزية عن ذلك.

وأوضح الديوان أن المؤسسة الليبية للاستثمار قامت بعدد من التجاوزات الخطيرة و التي تخالف القوانين من بينها عدم إعدادها لميزانيات مجمعة خلال السنوات المالية السابقة وحتى عام 2016، فضلا عن عدم قيامها بإجراء أية مصادقات للأرصدة المدينة و الدائنة للتأكد من الأرصدة الظاهرة نهاية هذا العام الأمر الذي يعني بأن الأرقام الواردة ما هي إلا تعبيرا عن وجهة نظر المؤسسة فحسب. وكشف أيضا عن عجزه رصد وفحص حسابات المؤسسة عن عام 2017 نظرا لقصور مالي في المؤسسة بإدخال القيود اليومية المتعلقة بالسنة المالية عام 2017 في المنظومة وكذلك مذكرات تسوية المصارف.

وعن الأموال الليبية المجمدة بالخارج بين ديوان المحاسبة أن هذه الأموال بلغت قيمتها 33 مليار دولار مابين ودائع وأسهم وسندات ومحافظ وصناديق استثمارية، فيما بلغت خسائر التجميد بمبلغ يتجاوز 43 مليون دولار سنويا نتيجة لدفع الفوائد السالبة للمصارف المودعة فيها أموال المؤسسة الليبية.

وطالب ديوان المحاسبة المجتمع الدولي باتخاذ اجراءات جدية بشأن حماية أصول الدولة الليبية بالخارج من التآكل و الذوبان من خلال الإبقاء على التجميد مع حماية الأصول من أية خسائر مالية .

وأوضح تقرير الديوان مخالفات جديدة للمؤسسة انطوت تحت مكتبها في مالطا، حيث كشفت عن عدم وجود دورة مستندية تضمن توفر المستندات وضوابط تنفيذ كافة المعاملات المالية والتي تتم عن طريق قناة اتصال وحيدة وهي البريد الالكتروني.

كما أظهر الديوان أيضا بأن مرتبات الموظفين والمزايا الآخرين كالتأمين الصحي ومصاريف الدراسة وبدل الهاتف والنقل والسكن إلى موافقة رئيس مجلس إدارة المؤسسة دون وجود لوائح منظمة لنشاط الشركة، فضلا عن تقاضي بعض الأشخاص لرواتبهم دون تواجدهم بالمقر في مالطا.

وأفاد الديوان بعدم قدرته الاطلاع على كشف الحساب الجاري ببنك الاتحاد في المملكة الأردنية والخاصة بشركة ” ليلا ادفيسوري” التي تم تكليف مدير عام لها بموجب قرار من رئيس المؤسسة دون اكتمال إجراءات تأسيسها وإصدار القانون المنظم لنشاطها بهدف إنشاء مكتب لها بالخارج، كما كشف عن صرف مكافآت مالية لمجلس الأمناء للمؤسسة ومجلس إدارتها خارج ليبيا بشكل شهري بالعملة الأجنبية اليورو بناء على قرار رقم 24 لعام 2015 من مجلس إدارة المؤسسة كما كشفت ايضا عن تقاضي رئيس مجلس الإدارة و المدير التنفيذي (ح.أ.ب) مبلغين ماليين تقدر قيمتهما بنحو 40 الف دينار .

وأظهر الديوان، بأنه تم صرف مبالغ مالية لبعض الاشخاص أيضا تقدر قيمتها الإجمالية ب 13 الف يورو مقابل تقديم استشارات قانونية تخص مجلس إدارة المؤسسة خلال عام 2015 ولم يتحصل الديوان على طبيعة تلك الأعمال التي أسندت إليهم و نتائج متابعتها، وأضاف أن ما تم إنفاقه من مبالغ مالية لتسيير نشاط المكتب بمالطا خلال عام 2015 يقدر بـ(2500035) يورو حيث زاد حجم الإنفاق المذكور خلال عام 2016 إلى مبلغ (3606940) يورو بينما ما تم صرفه من مبالغ مالية لصالح المؤسسة خلال العام 2015 يقدر بـ(33724860) يورو، وفي عام 2016 بلغ (3981274) يورو، وترجع تلك الزيادة المطردة إلى إنشاء مكتب مناظر لنشاط المؤسسة بطرابلس.

وكشف خالد شكشك، رئيس ديوان المحاسبة الليبي أن 142 قضية رفعت ضد ليبيا من قبل شركات أجنبية في الخارج، بإجمالي مطالب تعويضات يصل إلى 9 مليارات يورو، فيما وصل عدد القضايا المرفوعة ضد الدولة الليبية بالداخل 50 ألف قضية.

وتابع "لقد نجحنا بالتعاون الوثيق مع إدارة القضايا، بكسب أكثر من ملياري يورو في قضايا تحكيم دولية، حيث تحصلنا على عدد من الأحكام القضائية لصالحنا، برفض طلبات تعويض شركات وجهات أجنبية".

وطالب شكشك بالوقوف إلى جانب إدارة القضايا، نظرا للعمل الكبير الذي تقوم به، ونجاحها في كسب قضايا لصالح ليبيا، وتوفيرها أموالا ضخمة للخزانة العامة.

وأنشئت إدارة القضايا التابعة لوزارة العدل في ليبيا، بموجب القانون رقم (87) للعام 1971، وتنوب بقوة القانون عن (الحكومة) والوزارات التابعة له والهيئات والمؤسسـات العامة، دون إذن أو موافقة مسبقة من هذه الجهات.

وطلب المجلس الأعلى للقضاء من النائب العام وبشكل عاجل دراسة تقرير ديوان المحاسبة في طرابلس عن عام 2017 بكل عناية وجدية ودقة والاتصال الفوري والمباشر بالديوان لطلب إرفاق محاضر الاستدلالات التي قام بها الديوان مع جميع الوثائق والمستندات والأدلة المؤيدة لتلك الاتهامات والوقائع.

وطلب المجلس أيضا إنجاز المهمة في أسرع وقت ممكن وكشف الحقائق وإحالة من يثبت تورطه في تلك المخالفات المالية إلى القضاء، مشددا  على ضرورة أن يعلم الجميع أن القضاء الليبي لن يتهاون ولن يتوانى عن القيام بواجبه في التحقيق والمحاكمة وعقاب كل مجرم وفاسد أضر بالوطن والمواطن مهما كانت صفته وأيا كان موقعه. وقال إنه تابع باهتمام بالغ تقرير ديوان المحاسبة  واطلع على ما ورد فيه من مخالفات مالية واقتصادية نسبت إلى عدة أطراف بالسلطة التنفيذية الحالية والحكومات السابقة.

واعتبر أن المخالفات الواردة في تقرير ديوان المحاسبة كانت السبب الرئيس في الأزمات المالية والاقتصادية التي تمر بها الدولة وتسببت في معاناة المواطن، مشيرا إلى أن تلك الاتهامات إن صحت فهي جرائم خطيرة يطالها قانون العقوبات.

ويرى المراقبون أن الحديث عن ملاحقة الفساد قضائيا لا معنى له، فحجم الفساد في البلاد أكبر من أن يواجه بالمحاكم خصوصا وأن الفاسدين هم داخل السلطة أو على الأقل جزء منها ومنهم من بات يمتلك ثروات عابرة للحدود ويتخفى وراء تحالفات سياسية إقليمية ودولية تحصنه من العقوبات.

كما أن نسبة مهمة من الفساد تتخفى وراء ميلشيات مسلحة وأحزاب سياسية ولوبيات سياسية واقتصادية أقوى من سلطات الدولة وهذه النسبة تتحكم في صرف العملة وتحديد الأسعار وفي الصفقات العمومية وفي تسليح وتمويل الميلشيات والجماعات الدينية والحزبية وإدارة المؤسسات الحكومية بما فيها المصرف المركزي ذاته 

فالفساد تحول الى أسلوب أداء حكومي ونظام عمل سياسي واقتصادي وعماد من أعمدة الصراع على السلطة، والفاسدون لا يمكن تحديدهم في جماعة أو كتلة أو عصابة وإنما هم أغلبية ساحقة من الفاعلين في السياسة والاقتصاد والتجارة  والمجتمع والتشريع والإفتاء والميلشيات والإدارات والمؤسسات الرسمية والديبلوماسية وفي الاستثمار والنفط والغاز والخدمات والمصارف حيث بات المال العام مستباحا في غياب أي شعور بالوطنية أو بالأمانة أو بالمصلحة العامة بينما يدفع شعب الله المحتار في ليبيا ثمن ذلك من قوته وصحته ورفاهته ومن مستقبل أبنائه وبلاده.