اكتسب التدخل العسكري للحلف الأطلسي في ليبيا في عام 2011 ، شهرته في التاريخ المعاصر كدليل اتهام للسياسة الخارجية الغربية والتحالف العسكري منذ انهيار الاتحاد السوفيتي باعتباره سيفا لهذه السياسة الخارجية. إن تدمير ليبيا سيظل إلى الأبد وصمة عار لا تمحى على جبين تلك الدول والقادة المسؤولين عنها.

ولكن الآن، مع الكشف عن حقيقة بيع الناس كعبيد في ليبيا ، فإن الكارثة الكبرى التي أصابت البلاد تفاقمت إلى درجة أنه من الصعب تصور الوقت الذي ستصبح فيه البلاد قادرة على استعادة وضعها السابق كدولة "عالية التنمية"، كما وصفت الأمم المتحدة ليبيا في عام 2010 ، أي قبل عام من "الثورة".

لنتوقف في 2011 .. في هذا التاريخ كان من غير المتصور ببساطة أن تتجاهل المملكة المتحدة والولايات المتحدة الدروس المستفادة من العراق، فقط قبل تسع سنوات فقط ، في عام 2003. ومع ذلك تجاهلوا ذلك ، كاشفين عن هوسهم الجشع في الحفاظ على هيمنتهم على المنطقة التي ترقد فوق محيط من النفط، وذلك على الرغم من التكلفة البشرية والفوضى والكوارث التي انجرت عن هذا الهوس الخاص.

عندما نزل رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون في بنغازي في شرق ليبيا في صيف عام 2011، مجّد "الثورة" المنتصرة بحضور شريكه الفرنسي نيكولا ساركوزي، وفعل ذلك بعدما سكنه الاعتقاد بأنه نجح في تأسيس إرثه كزعيم على الساحة العالمية. ومثل بلير من قبله، كسب كاميرون معركته، وأصبحت لديه الآن نية المشاركة في الغنائم السياسية والجيوسياسية.

وصرخ كاميرون في وسط الحشود: "كانت مدينتكم مصدر إلهام للعالم، بإسقاطكم ديكتاتور واختياركم الحرية".

وأنا أفكر في تباهي رئيس الوزراء البريطاني السابق، تذكرت محادثة كنت أجريتها مع سائق سيارة أجرة أخذني إلى شقتي في إدنبره، اسكتلندا. وأبلغني خلال تبادلنا الحديث أنه من ليبيا، قبل أن يكشف عن أنه أجبر على الفرار من البلاد بعد أن ذبحت أسرته من قبل "ثوار كاميرون" المحبين للحرية في عام 2011. وفي ليبيا ما قبل "الثورة" وغارات الناتو الجوية، كان صاحبنا مهندسا في قطاع النفط بدرجة دكتوراه. أما عند التقائه ، فكان يعمل عشر ساعات يوميا ، وهو يقود سيارة أجرة في اسكتلندا في منتصف الشتاء.

كان تدمير ليبيا من قبل حلف شمال الأطلسي بناء على طلب من المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا جريمة، يتحمل مسؤوليتها إيديولوجيون غربيون منافقون يعتبرون العالم ، مع كل تعقيداته ، رقعة شطرنج عملاقة عليها دول مثل ليبيا كانت منذ فترة طويلة مجرد قطعة يجب نقلها وتغييرها وفق رغبتهم ومصلحتهم.

قد يكون استخدام وصف "المتطرف" مفرطا في حديثنا، لكنه من المناسب تماما عند حديثنا عن اللوبي الاستعماري الجديد المؤيد للحرب والذي يمارس تأثيرا قويا على السياسة الخارجية الغربية. إننا نتحدث عن فئة من الرجال والنساء الأغنياء والمتميزين والمثقفين، الذين عقدوا العزم على "تطهير" العالم باسم الديمقراطية. وكانت النتيجة النهائية زعزعة استقرار مجموعة من البلدان مع وتحويل حياة أبنائها رأسا على عقب.

وتبقى عقيدتهم الحرب وتغيير النظام من دون نهاية. ولقد شكلت ليبيا زخم هذه العقيدة. ولم يفعلوا ذلك بدافع الرغبة في المساعدة على إحداث التغيير الديمقراطي في البلاد، بل لضمان حماية عقود التنقيب عن النفط والعلاقات الاقتصادية المربحة مع حكومة القذافي ودعمها بعد زوال نظامه. وكان هذا هو دافعهم ، والنتيجة ست سنوات على الدولة الفاشلة التي تزدهر فيها الأن تجارة الرقيق.

واشنطن وأوروبا لم تكونا أبدا مصدرا للاستقرار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. بل على النقيض من ذلك، لم يجلب وجودهما وسياستهما القائمة على الكيل بمكيالين سوى المعاناة واليأس المتواصلين لشعوب هذا الجزء من العالم.

وكما قال غاندي: "ما هو الفرق بالنسبة الموتى والأيتام والمشردين، أن يكون كان كل هذا التدمير المجنون تم تحت "الكليانية" الشمولية أو تحت شعار "الحرية أو الديمقراطية" المقدس ؟"

 

*بوابة افريقيا الإخبارية غير مسؤولة عن مضامين الأخبار والتقارير والمقالات المترجمة