بعد ست سنوات من موجة احتجاجات عنيفة وغير عنيفة اجتاحت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أُطلق عليها اسم الربيع العربي ، لا زالت ليبيا، التي وجدت نفسها ذات يوم وسط هذا "المد الثوري"، تكافح مع الفوضى والعنف.

وينقسم هذا البلد الواقع في شمال أفريقيا بين قوتين رئيسيتين - برلمان مقره طبرق وحكومة وحدة وطنية مدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس – وتتجاذبه العديد من الجماعات المسلحة، بما في ذلك  تنظيم داعش وغيره من الجماعات المتطرفة التي تسعى للسيطرة على البلاد التي مزقتها الحرب.

حكومة برأسين

يوم الأربعاء، رفض قائدان تابعان لمجلس النواب المستقر في طبرق، بينهما خليفة حفتروزير الدفاع السابق في حكومة طبرق التي كانت قبل مجيء حكومة الوفاق - عروضا للقاء ممثلين عن الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة في القاهرة ، بينهم فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق.

المحادثات التي توسطت فيها مصر، تهدف إلى معالجة الخلافات بين اثنين من القوى السياسية المتنافسة ولكن كل محاولات جمع الفرقاء حول طاولة مفاوضات أثبتت أنها غير مجدية حتى الآن.
وقبل يوم واحد، فشِل السراج وحفتر أيضا أن يجتمعا شخصيا في القاهرة لبحث التسوية السياسية للأزمة التي تعتصر البلاد .

ومن المفارقات، أنه تم تشكيل حكومة الوفاق في أوائل 2016 للتغلب على فترة الحكومة الثنائية التي استحكمت في ليبيا منذ عام 2014، عندما كانت البلاد منقسمة بين حكومة طبرق والحكومة في طرابلس التي شكلها إسلاميون. واتفق الجانبان على تشكيل حكومة وحدة وطنية قبل 17 ديسمبر 2015 بموجب اتفاق توسطت فيه الأمم المتحدة.

غير أن الانتقال إلى حكومة الوفاق شهد تهميش حفتر، ما أحدث مزيدا من الشرخ بين النخبة السياسية الليبية. كما أن حكومة الوفاق لا تتوفرعلى جيش خاص بها، ولذلك فإن طرابلس خليط من الجماعات المسلحة المتناحرة. بعضها يدعم  المسؤولين الحكوميين ، في حين ترتبط أخرى بجماعات إسلامية أو ميليشيات في مدن أخرى.

فوضى سياسية

في أكتوبر عام 2016، تحدّى فصيلٌ حكومة الوفاق بإعلان حكومته الخاصة. وقام بالسيطرة على مبنى البرلمان وسط تبادل لإطلاق نار متقطع مع جماعات موالية للحكومة. الوضع يعكس واقع ليبيا بشكل عام، حيث يحدد أمراء الحرب المحليون والميليشيات القبلية الحياة اليومية للناس دون إيلاء أي اهتمام يذكر لأي سلطة مركزية.

الأسبوع الماضي، أعلنت جماعة متشددة أخرى خلق كيان آخر - الحرس الوطني الليبي. وعلى الرغم من أنها تقول لا تتبع لأي قبيلة أو حزب سياسي، فإن هذه ميليشيا تنتمي إلى مصراتة، وهي منخرطة بالفعل في اشتباكات مسلحة مع الميليشيات التي تدعم حكومة الوفاق. في الواقع، إنهم يحاولون بناء جيش جديد.

في الوقت نفسه، أعلنت حكومة الوفاق ، جنبا إلى جنب مع مجلس الرئاسة، أنها غير قادرة على فرض سيطرتها. ويوم الخميس، أرسلت طلبا رسميا لحلف شمال الأطلسي للمساعدة في تدريب وتعزيز القوات المسلحة الليبية، كما ذكرت رويترز.

وقال الأمين العام لحلف الناتو ينس شتولتنبرغ في مؤتمر صحفي: "إن الطلب يتعلق بمساعدة لبناء مؤسسات الأمن والدفاع،".

وقد انحدرت ليبيا إلى حالة من الفوضى بعد سقوط وقتل زعيمها السابق معمر القذافي في عام 2011 ، وما تلاه من حرب أهلية وحشية، دعم خلالها الناتو وحلفاؤه المتمردين.
الاتجار بالبشر وتهريب النفط

قبل اضطرابات عام 2011، كان لليبيا اقتصاد مزدهر، استخدم عائدات النفط الهائلة لخلق فرص عمل لمئات الآلاف من العمال الوافدين. كما كان القذافي يشن حملة على مهربي البشر، مما حول بلاده إلى منطقة عازلة للهجرة لأوروبا.

الآن، اغتنمت مختلف الميليشيات الفرص المتاحة في كل من الاتجار بالنفط والتهريب البشري الظاهرتين اللتين انجرتا عن فوضى ما بعد القذافي. ووفقا للصحفية الإيطالي فريسيسكا مانوتشي تحول الشريط الساحلي الغربي من ليبيا الممتد من الزاوية إلى صبراتة إلى جنة للمهربين، مع تواطؤ الشرطة المحلية وخفر السواحل في أنشطة تهريب النفط المربحة.

أيضا ، ارتفع عدد الوفيات في صفوف المهاجرين على طريق ليبيا - إيطاليا عبر المتوسط إلى مستويات قياسية، وفقا لما نقلته وكالة  AP عن قائد حرس الحدود وخفر السواحل في الاتحاد الأوروبي.

وقال المدير التنفيذي لفرونتكس فابريس ليغيري إن عدد المهاجرين الذين توفوا على الطريق البحري في عام 2016 ارتفع إلى 4579، ولكن هذا الرقم قد يكون أقل بكثير من الخسائر الفعلية للأرواح. الطريق الرئيس وسط البحر الأبيض المتوسط شهد مصرع 2869 حالة وفاة في عام 2015، و3،161 في عام 2014، وفقا لوكالة الاسوشيتد برس.

ويتناحر المسلحون على البنية التحتية للنفط في البلاد، ويحاول أولئك الذين يسيطرون على بعض المرافق في بعض الأحيان الاستيلاء أو تفجير مواقع أخرى يسيطر عليها منافسوهم.

هذا النفط المهرب يشق طريقه إلى أوروبا بما أن هذه المنظمات، كما يزعم سكان محليون، تعمل مع عصابات مافيا صقلية، وتقول السلطات إن تهريب النفط كلف الدولة 360 مليون دولار حتى الآن.

وقد تراجع إنتاج النفط في ليبيا في الوقت نفسه إلى 715 ألف فقط يوميا وذلك بانخفاض عن ذروة مرحلة القذافي والتي كانت في حدود 1.6 مليون برميل يوميا، وفقا لبلومبرغ.

أرض خصبة للتطرف

مدينة القذافي، سرت، ما زالت مهددة بتنظيم داعش الذي سيطرعلى هذه المنطقة في عام 2015. وأخذ في التوسع في ليبيا على مدى العامين الماضيين. وفقا لبيانات الأمم المتحدة، كان بين 2000 إلى 3000 مقاتل في ليبيا، بما في ذلك 1500 في سرت، في عام 2015.
الغرب الذي أيد ذات يوم "مقاتلي الحرية" لقتال "القذافي،" بدأ يدرك ببطء أن تدخل عام 2011 في ليبيا كان خطأ.

وقال الجنرال الأمريكي المتقاعد بول فالي لروسيا اليوم في أكتوبر 2016 ، "ليبيا هي واحدة فقط من تلك البلدان التي شهدت الكثير من التدخل من مصادر خارجية. في رأيي، كان ينبغي بقاء القذافي في السلطة، لأنه كان يمثل نوعا ما قوة استقرار"،
وأضاف:  "كان أوباما ووزارة الخارجية من نشطا في بيع السلاح هناك، لتسليح جماعة الإخوان المسلمين أساسا، المدعومة من تنظيم القاعدة وعناصر إسلامية متطرفة هناك" .
 
من جهته ، قال عضو البرلمان الأوروبي جورج ماير لروسيا اليوم : "ما نراه وما رأيناه في الماضي هو أن الكثير من الناس لقوا حتفهم في الحرب الأهلية. الكثير من الناس يعانون في ظل الحرب الأهلية. الكثير من الناس يعانون تحت داعش، وهم بطبيعة الحال، يبحثون عن سبل للخروج من مناطق الحرب. وهذا ما نراه في أوروبا - الناس يأتون أو يريدون أن يأتوا إلى أوروبا للحصول على مكان أكثر أمنا "، وخلص إلى القول : "كان ينبغي على أوباما أن يضع "خطة ب" لفترة ما بعد القذافي لكنه لم يخطط لأي شيء".

في يناير، اعترف مدير وكالة المخابرات المركزية جون برينان المنتهية ولايته أن الولايات المتحدة كانت على خطأ في تقييمها للربيع العربي الذي خلق أرضا خصبة للإرهابيين بدلا من تمهيد الطريق للديمقراطية.
واضاف برينان في مقابلة مع CNN :"أعتقد ان هناك توقعات غير واقعية بتاتا في واشنطن، بما في ذلك لدى بعض المسؤولين ، بأن الربيع العربي كان على وشك طرد هذه الأنظمة الاستبدادية وأن الديمقراطية سوف تزدهر لأن هذا هو ما يريده الناس".
وخلص إلى أن ما تقوله الشعوب من دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط الآن هو "أنها كانت فعلا تسعى للحرية لنفسها، أو جماعتها، أو قبيلتها،" في حين أن "مفهوم الديمقراطية هو شيء غير متأصل في الحقيقة في الكثير من الناس و الكثير من الثقافات والبلدان هناك".

*الموقع الإنجليزي
** بوابة افريقيا الإخبارية غير مسؤولة عن مضامين الأخبار والتقارير والمقالات المترجمة