يتواصل إلحاق الضرر بالتاريخ الليبي العريق وبالآثار التي تركتها الحضارات التي مرت بأرض ليبيا منذ آلاف السنين وسط صمت وعجز من السلطات الليبية على حماية آثار بلادها وتاريخها، فقد شهدت الآثار الليبية موجة من التدمير بعضها مقصود، تبعا لما تشهده البلاد من اضطرابات. ومؤخرا أقدمت مجموعة من المخربين على تدمير نحوت صخرية تعود إلى عصور ما قبل التاريخ في موقع تادرارت أكاكوس الواقع في جنوب ليبيا.

دمر مخربون نحوتا صخرية تعود إلى عصور ما قبل التاريخ في جنوب ليبيا، مما يعرض اللوحات والمنحوتات، التي تقول منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) إنها تحمل “قيمة عالمية استثنائية”، إلى الخطر.

وتقع تادرارت (جبال) أكاكوس على طول الطرف الجنوبي الغربي الليبي على الحدود مع الجزائر، وتشتهر بآلاف اللوحات والمنحوتات التي تعود إلى ما قبل 14 ألف عام.

وتشمل أبرز الآثار؛ فيلا ضخما منحوتا على الصخور، بالإضافة إلى رسوم تجسّد زرافات وأبقار ونعامات في كهوف يعود تاريخها إلى عصر لم تكن فيه المنطقة الصحراوية قاسية. لكنّ عددا كبيرا من هذه اللوحات دمر أو تضرر بفعل رسومات أخرى على الجدران أو نحت الأحرف الأولى أسماء بعض الأشخاص المخرّبين.

وقال مسؤولو السياحة في غات، أقرب مدينة كبيرة للمنطقة، إن أعمال التخريب بدأت عام 2009 تقريبا؛ عندما قام موظف ليبي سابق بشركة سياحة أجنبية، برش “الرزاز” على عدة لوحات، تعبيرا منه عن غضبه بعد فصله عن العمل.

لكن أعمال التخريب تسارعت منذ اندلاع النزاعات الداخلية في ليبيا عام 2011، ومع غياب الاستقرار وابتعاد السياح وعلماء الآثار لأسباب أمنية، استولى صيادون على كتلة أكاكوس الصخرية وأطلقوا النار على كثير من الحيوانات البرية في المنطقة الطبيعية الوعرة القاحلة، مما تسبب في القضاء على الثروة الحيوانية الموجودة هناك.

وقال أحمد سرحان المسؤول بوزارة السياحة في غات: “التدمير لم يؤثر فقط على اللوحات، لكن على المحمية الطبيعية ككل”، وألقى باللوم على الصيادين، مضيفا أنّ “السلطة ضعيفة للغاية ولا يمكنها وقف ذلك”.

وتقول منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) على موقعها الإلكتروني إن “أكاكوس تحتوي على بعض المناظر الأكثر استثنائية في العالم، وهي من العجائب الطبيعية الفريدة”. كما أن موقع أكاكوس كان قد أدرج من قبل المنظمة على قائمة التراث العالمي عام 1985، ليكون أحد 981 موقعا في العالم تعرف بقيمتها العالمية الاستثنائية.

وتجدر الإشارة إلى أن جبال أكاكوس أو تدرارت أكاكوس، هي جبال صخرية تقع في في صحراء ليبيا بفزان ضمن الصحراء الكبرى، وأقرب مدينة إليها هي مدينة غات الأثرية.

وتشتهر المنطقة بكهوفها القديمة، كما أنها غنية بمجموعة المنحوتات واللوحات المرسومة على الصخر، وتكمن أهمية هذه اللوحات والمنحوتات في أن تاريخ بعضها يعود إلى ما قبل الميلاد، وهي مرآة تعكس ثقافة وطبيعة التغيرات التي شهدتها المنطقة، وتضم اللوحات والمنحوتات صورا ومشاهد لحيوانات مثل الزرافات والفيلة والنعام والجمال والأحصنة، وصورا لمشاهد من حياة الإنسان القديم.

ويرى مؤرخون أنه يمكن اعتبار أن أحدثها يرقى إلى القرن الأول ميلادي، حيث تعكس التغييرات العميقة التي طرأت على الثروة الحيوانية والنباتية وكذلك على أنماط الحياة المتنوعة للشعوب التي تتالت على هذا الجزء من الصحراء الكبرى قديما.

وتمتد هذه المنطقة الجبلية الشاسعة على حوالي 250 كلم مربع في صحراء منطقة فزان، وتشمل أكثر المناظر الطبيعية فرادة في العالم، وتحتوي على عدد لا يحصى من عجائب الطبيعة التي أنتجتها عوامل المناخ الصحراوي، ففيها عدد هائل من الكثبان الرملية، ومرتفعات صخرية ورملية تشكلت في أغرب الأشكال إلى جانب مجموعة من الأقواس والأخاديد التي تحجّرت على ضفاف الأنهار القديمة حين كانت الصحراء منطقة خصبة.

وتنتشر اللوحات الصخرية والنقوش في أنماط مختلفة، فمنها ما يصور مشاهد من الحياة اليومية أو مناظر من الصيد بالطرق القديمة، ومنها ما يخلد بعض الرقصات والطقوس، ومنها ما يصور الحيوانات. ويشمل الموقع جانبا من عرق مرزق أو ما يسمى أدهان مرزق، الّذي حفظ آثار مراحل مختلفة من العصر الحجري القديم.

ووفق تعريف اليونسكو للموقع فإن البعثات الأثرية الإيطالية الليبية التي جرت في موقع تادرارت أكاكوس دون انقطاع منذ عام 1956، قامت بتجميع عدد كبير من القطع الحجرية وبعض القطع من السيراميك على مساحة شاسعة قرب الموقع وتبين أنها تتضمن مئات المشاهد من الفن الصخري أي من المنحوتات والرسوم البشرية على الحجارة.

ويرى علماء الحفريات أن القطع التي تم العثور عليها تشبه الفن الصخري المتواجد في تاسيلي ناجر، السلسلة الجبلية التي تقع بولاية إليزي في الجنوب الشرقي للجزائر، حيث يبرز دور التغييرات المناخية في تغيير الغطاء النباتي والحيواني في المنطقة وتغيير نمط الحياة لدى الشعوب المحلية التي تواجدت قديما هناك، وبالتالي تغيير أساليب ومضامين الآثار الفنية المتوارثة والتي تؤرخ لكل مرحلة من العصور القديمة.

هذا ولا شك في أن المخربين الذين أقدموا على تدمير وتشويه بعض اللوحات والرسومات في أكاكوس هم أناس يجهلون القيمة التاريخية والحضارية الاستثنائية لهذه الآثار ويجهلون أهميتها الثقافية بالنسبة للأجيال القادمة وبالنسبة للتاريخ والموروث الإنساني عامة.