قبل بضع سنوات، لفت انتباه إيناس البحري، إمرأة ليبية شابة، أمر شديد الوضوح. ففي ليبيا، يسهل الحصول على فنجان قهوة لذيذ. لكنه من الصعب عادة العثور على قطعة حلوى لذيذة أيضاً يمكن تناولها مع القهوة. اعتقدت البحري أن هناك فجوة ما في سوق المواد الغذائية وقررت العمل على سدها من خلال تأسيس موزارت لخدمات الإطعام، كمؤسسة خاصة تشغل حالياً نحو 200 شخص وتنتج كميات كبيرة من الحلويات والمعجنات ذات الجودة العالية.

قدمت البحري قصة نجاحها ضمن مؤتمر عقد في وقت سابق الشهر الحالي في أمستردام من قبل مؤسسة سبارك، وهي منظمة غير ربحية هولندية تركز على روح المبادرة والتعليم. عرضت البحري تجربتها أمام جمهور واسع ويقظ من المتخصصين في التنمية الاقتصادية ووسط الكثير من الأخبار المحبطة من ليبيا على المستوى السياسي والاقتصادي، بهدف مناقشة دور التعليم في تعزيز ريادة الأعمال. لكن هل يمكن اعتبار تجربة البحري عملية، خاصة وأن حوالي نصف الشباب الليبي يعانون من البطالة، بحسب أخر التقارير الصادرة عن منظمة العمل الدولية، مما يزيد من أهمية تعليمهم سبل ابتكار أعمالهم الخاصة؟

يبدو جهد البحري كبيراً بحسب  الخبير الاقتصادي الليبي ضياء الدين صادق أبو حضرة والذي جلس بجوارها على المنصة خلال المؤتمر. إذ أشار أبو حضرة إلى أن 96 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في ليبيا يأتي من النفط. حتى في مرحلة ما بعد القذافي، فإن 80 في المئة من القوى العاملة لا تزال في القطاع العام.

بالنسبة لمعظم الليبيين، فإن العمل المثالي يتمثل في القطاع الحكومي الأكثر أماناً. في مؤسسة البحري، يحمل 40 موظف فقط الجنسية الليبية من أصل 200 موظف معظمهم من بنجلادش.

من جهة أخرى، تعتبر مؤسسات القطاع الخاص غير النمطية جديدة نسبياً في المنطقة وغير عادية، لذا يبدو نجاح مشروع البحري أمراً استثنائياً خاصة في ظل الحرب التي تشهدها ليبيا.

يعتقد مراقبون أن السبب الرئيسي وراء الاضطرابات في الدول العربية في السنوات الأخيرة يعود إلى المقاومة الشعبية لما يسميه الاقتصاديون “الاقتصادات الريعية”، حيث ترتبط نسبة كبيرة من ملكية معظم الفعاليات الاقتصادية الكبيرة برئيس الدولة وعائلته (كما في تونس في عهد بن علي). لذلك يبدو الهيكل الاقتصادي للأعمال الريادية كمؤسسة موزارت غير عادي ومحفوف بالمخاطر، إذ يمكن أن تجد نفسها في منافسة مع عائلات ذات نفوذ. لكن بعض خبراء التنمية الاقتصادية يعتقدون أن المبادرة على الطريق الصحيح خاصة في ظل بعض الاقتصادات العربية الراكدة.

خلال الجلسة، بدت البحري متواضعة ولم تتحدث عن الكثير من الصعوبات التي واجهتها. لكن أبو حضرة أشار للعديد من المعوقات التي تواجه ريادة الأعمال في ليبيا منها: عدم الاستقرار السياسي والفساد والسرقة. نتيجة لذلك، فإن معظم رجال الأعمال يعملون في القطاع غير الرسمي للاقتصاد، وهو خيار غير ممكن لمؤسسة كموزارت يحتاج مطبخها إلى عدد من الموظفين لا يقل عن 200 شخص.

مع تحرك ليبيا بطريقة متقطعة نحو نوع من التسوية لإنهاء الاقتتال وتحول أفكار كبناء الدولة إلى مفاهيم، لا يبدو أن على  مبادرات كمبادرة البحري أن تنتظر لظروف عمل أفضل. كما تستعد جامعة بنغازي شرق ليبيا لإطلاق برنامج دراسي خاص لتعليم ريادة الأعمال للطلاب الجامعيين العام المقبل.

 

 

* نقلا عن موقع الفنار الإعلامي