في ظل التطورات الأمنية والعسكرية التي تشهدها ليبيا مع اطلاق الجيش الوطني الليبي لمعركة تحرير مدينة درنة من الارهاب،ومع تواصل أزمة الإنقسامات السياسية وفشل جهود تعديل الاتفاق السياسي،تدخل فرنسا على الخط لقيادة خطوات دبلوماسية جديدة في محاولة لفك طلاسم الأزمة الليبية.

إلى ذلك،تسعى فرنسا لاستئناف وساطتها لحل الأزمة الليبية، عبر دعوة الفرقاء الرئيسيين لاجتماع مرتقب برعاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون،في الـ29 من مايو الجاري، دعت إليه فايز السراج رئيس حكومة الوفاق، والمشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، وعقيلة صالح رئيس البرلمان، وخالد المشري رئيس مجلس الدولة، فضلا عن ممثلي عدد من دول الجوار والدول العربية والغربية.

وجاء التحرك الفرنسي بعدما أعلن غسان سلامة، رئيس بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا،في إحاطة لمجلس الأمن عن الوضع الليبي،التخلى عن مساعيه لتعديل اتفاق السلام المثير للجدل، المبرم برعاية أممية في منتجع الصخيرات بالمغرب نهاية عام 2015، ودعا سلامة إلى تحقيق تقدم في العملية السياسية لإجراء الانتخابات في أقرب وقت، من دون أن يعطي أي مؤشر إلى جدول زمني للانتخابات. مؤكداً أنه حان وقت تجاوز تعديل اتفاق الصخيرات وطي صفحته، والتركيز على إجراء الانتخابات العام الجاري.

ولكن هذه التحركات الفرنسية،والتي تشير بشكل صريح إلي رغبة باريس في إدارة الملف الليبي،قد تلقى معارضة من أطراف دولية وإقليمية.وفي هذا السياق،كشفت صحيفة "لوبينيون" الفرنسية،الخميس، عن اشتعال الغضب الإيطالي من مساعي فرنسا لعقد قمة بين الأطراف الليبية خلال الأسبوع المقبل لبحث إجراء الانتخابات الرئاسية.وذكرت الصحيفة،أن الاجتماع المقرر في 29 الماء الحالي، يستهدف التعجيل بإجراء الانتخابات وتفعيل دور الوساطة الفرنسية في ليبيا.

وبحسب الصحيفة فإن باريس ترغب في لمّ شمل الجهات الفاعلة الرئيسية في الأزمة الليبية من أجل تعزيز حل توافقي بشأن تنظيم الانتخابات خلال 2018 تحت رعاية الأمم المتحدة.وأشارت الصحيفة إلى أن ماكرون يبحث عن دور فرنسي بالسعي لاقتناص فرصة فشل إيطاليا في الملف الليبي عبر الجمع مجددا بين خليفة حفتر، وفايز السراج، في محاولة للوصول إلى اتفاق تاريخي بينهما ينهي أحد جولات الصراع والخلاف الليبي.وكشفت "لوبينيون" عن أن المشاورات السرية في إطار المبادرة الفرنسية أثارت غضب إيطاليا التي تم استبعادها من المفاوضات.

وسبق أن تولت إيطاليا قيادة الجهود الرامية إلى إحلال السلام في مستعمرتها السابقة، وتحملت عبء الموجات المتعاقبة من المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين، الذين يعبرون البحر المتوسط انطلاقًا من الشواطئ الليبية نحو شواطئ جزيرة لامبادوزا.ويرى مراقبون أن روما تسعى للحفاظ على مصالحها والسيطرة على تجارة النفط بعيدا عن فرنسا وبريطانيا.

من جهة أخرى،يبدو أن المبادرة الفرنسية لا تلقى ترحيبا من الإدارة الأمريكية،التي أكدت أنها بصدد دراسة المبادرة، وهو ما عده مسؤول ليبي رفيع المستوى،بحسب صحيفة "الشرق الأوسط" تعبيراً عن استياء أميركي بشكل غير مباشر من الدور الفرنسي.وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم تعريفه: "واشنطن ليست على دراية بكل أبعاد المبادرة الفرنسية، والحديث عن منافسة سياسية حول ليبيا أمر وارد".

وتحاول الولايات المتحدة الإطلاع على آخر مستجدات الساحة الليبي خاصة مع التحرك الفرنسي،وهو ما أكده اللقاء الذي جمع سفير الولايات المتحدة بتونس دانيال روبنستين،وستيفاني وليامز القائمة بأعمال سفارة واشنطن بطرابلس مع وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي مباشرة بعد عودته من الجزائر.

وبحسب بيان لوزارة الخارجية التونسية،الأربعاء، فإن تطورات المسار السياسي في ليبيا كانت محور اللقاء،وتطرق المسؤولون إلى آخر مستجدات الوضع في ليبيا ومسار التسوية السياسية الشاملة والجهود المبذولة في سبيل تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين للتوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة في بلادهم.وجاء الاجتماع مباشرة عقب الاجتماع التشاوري الرابع لوزراء خارجية تونس والجزائر ومصر حول الوضع في ليبيا المنعقد بالجزائر،الاثنين الماضي، حيث شددوا أن الحل السياسي في ليبيا يجب أن يكون ليبيًا - ليبيًا، مؤكدين رفضهم لأي تدخل خارجي.

على صعيد آخر، تعكس تصريحات وفد البرلمان الأوروبي، الذي زار ليبيا للمرة الأولى منذ 6 سنوات، عدم التحمس، لجهود بمعزل عن خطة العمل التي عرضتها الأمم المتحدة.حيث قال المسؤول بالبرلمان الأوروبي، فابيو كاستالدو،  في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية خلال توقفه في تونس إثر زيارة لطرابلس،الثلاثاء، إن "البرلمان الأوروبي يرى أنه من الأهمية المؤكدة أن يتوفر تفاهم مشترك في ليبيا خصوصاً أنه علينا مواجهة وجود العديد من الفاعلين الإقليميين لكل منهم أجندته الخاصة".

وتابع كاستالدو،الذي كان مرفوقا بمسؤولة الوفد البرلماني للعلاقات مع المغرب العربي إيناس آيالا ساندر،أنه وجه رسالة واحدة لإيطاليا وفرنسا وبريطانيا وجميع الفاعلين الأوروبيين الذين لهم تاريخ من النفوذ في البلاد، قال فيها: "أحياناً يكون علينا أن نتعامل مع الفاعلين على الأرض لكن لابد من التفكير في الأمد البعيد".كما دعا مسؤول البرلمان الأوروبي دول الاتحاد الأوروبي إلى دعم صادق لخطة العمل، التي عرضتها الأمم المتحدة، وإلى "أن تنخرط في التزام واضح من أجل احترام دولة القانون والانتقال الديمقراطي".

وعلى الصعيد الإقليمي،عبر وزير الخارجية الجزائري عبدالقادر مساهل،عن عدم ارتياحه للأجندات الدولية المتعددة بدعوى حل الأزمة الليبية، وحذر مساهل خلال اجتماع دول الجوار الليبي الثلاث من "تعدد المبادرات لحل الأزمة الليبية من شأنها أن تربك مسار التسوية وتعميق الانقسامات الداخلية".وأضاف مساهل أن تمسك الأطراف الليبية بالحل السياسي وبالمصالحة الوطنية يستلزم مواصلة الدعم والوقوف إلى جانب الليبيين لتحقيق الاستقرار والانتقال السياسي في البلاد.

ونقلت صحيفة العرب اللندنية،في تقرير لها،عن مصدر مصري،حضر اجتماع الجزائر بشأن ليبيا، أن دول جوار ليبيا ينتابها قلق متزايد من تدهور الأوضاع في منطقة سبها، وغالبية مناطق الجنوب التي تحولت إلى مركز لاستقبال الكثير من المتطرفين، التابعين لتنظيمي داعش والقاعدة، وأن تجاهل ما يجري هناك سوف يفضي إلى المزيد من التدهور.

وأكد أن القرار الفرنسي الخاص بليبيا، في أيدي جهاز الاستخبارات هناك، والذي تتحكم في مفاصله عناصر قوية محسوبة على الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، وتريد تطبيق سياساته، والإصرار على عدم تحاشي أخطائه التي ساهمت في وصول الأزمة الليبية إلى ما وصلت إليه.وحذر المصدر من هرولة باريس الحالية جريا وراء الطموحات السياسية التي يتبناها الرئيس ماكرون،قائلا "إن عدم دراسة الأمور على صورتها الصحيحة، والرضوخ لفكرة التنسيق الكبير مع كل من تركيا وقطر، باعتبارهما أهم وكلاء الإسلاميين في ليبيا، لعبا دورا في التحركات الغامضة التي تتبناها باريس".

يشار إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون،قدم مبادرة في وقت سابق جمع من خلالها بين رئيس حكومة الوفاق فائز السراج والمشير خليفة حفتر،في 25 يوليو 2017،حيث وافق الطرفان على بيان من عشر نقاط تمت تلاوته أثناء مؤتمر صحافي. وأكد نص البيان أن "حل الأزمة الليبية لا يمكن أن يكون إلّا حلا سياسيا، يمر عبر مصالحة وطنية، تجمع بين الليبيين وكافة الجهات الفاعلة: المؤسساتية والأمنية والعسكرية.

وقد طرحت المبادرة حينها تساؤلات حول الدور الفرنسي المتنامي ونجاحها فيما فشلت فيه أطراف دولية أخرى سبق لها محاولة جمع طرفي النزاع في ليبيا.وأشارت عدة تقارير إلى أن فرنسا تجاوزت بمبادرتها جهود العديد من الدول تجاه الأزمة الليبية خاصة الجانب الإيطالي الذي يرى في ليبيا منطقة نفوذ له،علاوة على دول الجوار التي تعتبر لاعبا أساسيا في الساحة الليبية.

وتصر فرنسا بحسب مسؤوليها على دعم جهود الأمم المتحدة لحل الأزمة التي تعصف بالبلاد،فيما يرى مراقبون إلى أن الإهتمام الفرنسي لا يعدو كونه مخطط لمد النفوذ نحو الداخل الليبي،حيث تبدو باريس مأخوذة في ليبيا بمطامع تاريخية في الجنوب الليبي الذي كان ضمن مستعمراتها في شمال أفريقيا، كما أنها تنظر إلى تمدد الجماعات المسلحة على أنه أحد أكبر التهديدات لأمنها الاقتصادي في منطقة الصحراء الكبرى، التي تنشط فيها كبريات الشركات الفرنسية  بحثا عن الذهب واليورانيوم والنفط.