مثل الفلتان الأمني في ليبيا وضعف سيطرة الدولة على الموانئ والمناطق الساحلية المطلة على البحر الأبيض المتوسط،مجالا لتحويل البلاد إلى ممر رئيسي لتهريب البشر من القارة الإفريقية الى أوروبا.وعلى مدى السنوات الماضية تدفق آلاف المهاجرين إلى دول القارة العجوز.

وضلت إيطاليا طيلة السنوات التى أعقبت الأزمة الليبية،تشكو من أنها تُركت وحيدةً في مواجهة معظلة الهجرة،حيث تحملت عبئ الموجات المتعاقبة من المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين.ومثلت مواجهة أزمة الهجرة إحدى أبرز الذرائع التى شرعنت بها إيطاليا تدخلها فى مستعمرتها القديمة واصرارها على التواجد في الاراضي الليبية.

وفي تطور جديد،وافق البرلمان الإيطالي،الاربعاء 17 يناير 218،على زيادة عدد القوات العسكرية الايطالية في ليبيا وإرسال قوات جديدة إلى النيجر وفقاً لوكالة رويترز للانباء.وستضم البعثة الجديدة "غير القتالية" في النيجر 470 جنديا، يقومون بالدوريات بشكل رئيسي على الحدود مع ليبيا، والتي يتم من خلالها أكبر تدفق للمهاجرين إلى أوروبا.ويرتبط توسيع البعثة الإيطالية في ليبيا من 375 إلى 400 أي مايعادل اربعة كتائب بالإضافة إلى الوحدات الجوية والبحرية التي تعمل بالفعل بالقرب من الساحل الليبي،والتي تضم البعثة 130 وحدة برية.

والعام الفائت، وصل 115 ألف مهاجر إلى إيطاليا، وهو رقم أقل بنحو 32% من عدد المهاجرين الواصلين إليها في 2016، ما يرفع عدد المهاجرين الواصلين للبلد الواقع في جنوب أوروبا إلى نحو 600 ألف شخص منذ العام 2014، بحسب "فرانس برس".وقالت وزيرة الدفاع الإيطالي، روبيرتا بينوتي، عن الخطة التي أقرها البرلمان،إنها "مهمة تدريبية استجابة لطلب من النيجر وليست مهمة قتالية". وستقوم القوات الإيطالية "بتعزيز آليات التحكم في الحدود وقوات الشرطة المحلية".بحسب الوزيرة.

من جهته قال رئيس الوزراء الإيطالي، باولو جنتيلوني، في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" بعد التصويت في البرلمان:"من أفغانستان إلى العراق، ومن لبنان إلى كوسوفو، ومن ليبيا إلى النيجر القوات الإيطالية، وتعاوننا يعمل من أجل السلام والتنمية والاستقرار ومكافحة الإرهاب، والنقل غير الشرعي للأشخاص".

وتم الإعلان عن مهمة النيجر في 28 من كانون الأول/ديسمبر الماضي، مع انضمام إيطاليا إلى فرنسا والولايات المتحدة، اللتين تنشران بالفعل قوات هناك، في جهود مساعدة الرئيس محمد إيسوفو على تعزيز السيطرة على أراض وحدود النيجر.وقال رئيس الوزراء باولو جنتيلوني إن "البعثة ستضمن الاستقرار في المنطقة، وتكافح التهريب غير القانوني للمهاجرين".

وكان جنتيلوني،قد أعلن في وقت سابق، أن إيطاليا ستنقل جزءا من وحداتها من العراق وأفغانستان إلى شمال أفريقيا لمكافحة الهجرة غير الشرعية وتهديد الإرهاب.وسيتم خفض عدد الوحدات الايطالية في أفغانستان للنصف، إلى 750 جنديا، وسيغادر العراق نحو 200 جندي إيطالي.ويأتي التركيز على أفريقيا في وقت تسعى فيه إيطاليا لوقف وصول المهاجرين إلى شواطئها. ويعبر المهاجرون وأغلبهم أفارقة دول الساحل الصحراوي أولا للوصول إلى ليبيا حيث ينطلقون بعد ذلك في قوارب إلى إيطاليا. ووصل أكثر من 600 ألف في السنوات الأربع الماضية.

وتفيد تقديرات المنظمة الدولية للهجرة أن 2832 مهاجرا قتلوا العام الماضي أثناء محاولتهم الوصول إلى إيطاليا، قادمين من شمال أفريقيا انخفاضا من 4581 قتلوا في 2016، ووصل نحو 119310 أشخاص إلى إيطاليا في 2017.وغالبية المهاجرين هم أفارقة فروا من الحروب والفقر في ديارهم وتعمل إيطاليا مع جماعات مختلفة والسلطات في ليبيا لإبطاء تدفق الوافدين الجدد.

وينظر الليبيون بعين الشك إلى التواجد العسكري الإيطالي في ليبيا، والنوايا الحقيقية التي تكمن وراءه،وهو ما عبرت عنه لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب الليبي،التي إستنكرت الانتهاك الواضح للسيادة الليبية من قبل إيطاليا،بالموافقة على زيادة قواتها المتواجدة حاليَا في مدينة مصراتة.

وأكد طلال عبدالله الميهوب،رئيس لجنة الدفاع، في بيان له الخميس 18 يناير 2018،أن هذا التصويت يعتبر اعتراف رسمي من إيطاليا بتواجد قواتها بالرغم من نفيها في السابق لأى تواجد على الأراضي الليبية.وأوضح الميهوب أن لجنة الدفاع القومي بمجلس النواب الليبي تحذر جمهورية إيطاليا من مغبة استمرارها في انتهاك السيادة الليبية، مطالباً لجنة الدفاع بالبرلمان الايطالي التوضيح عن التصويت الصادر بخصوص هذا الانتهاك.

وليست هذه المرة الأولى التي تعبر فيه ايطاليا عزمها على التدخل في ليبيا،ففي فبراير 2015، قوبل إعلان وزيرة الدفاع الإيطالية روبيرتا بينوتي عن احتمال إرسال بلادها قوات برية إلى ليبيا برفض وتحذيرات ليبية واسعة من أي تدخل أجنبي في البلاد.وفي يناير 2016، صرحت وزيرة الدفاع الإيطالي روبيرتا بينوتي في حوار للتلفزيون الإيطالي الرسمي،  بأن إيطاليا إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا يدرسون خيار التدخل العسكري في ليبيا للعمل على استقرار الأوضاع بها.وردت ليبيا آنذاك علي إعلان إيطاليا برفض وتحذيرات ليبية واسعة من أي تدخل أجنبي في البلاد.

وفي سبتمبر 2016، أرسلت إيطاليا مجموعة من العسكريين قالت إنهم سيتولون حماية الكادر الطبي والشبه الطبي الذي سيعمل في المستشفى الميداني بمصراتة لعلاج جرحى عملية البنيان المرصوص.وفى أغسطس 2017،صادق البرلمان الإيطالي على مشروع قانون بإرسال بواخر إلى المياه الليبية لوقف الهجرة غير القانونية ومنع تهريب البشر في اتجاه أوروبا، في اتفاق بين إيطاليا وحكومة السراج.

وفى سبتمبر 2017،وقالت وكالة "أكي" الإيطالية ،إن وزارة الداخلية الإيطالية اتفقت مع حكومة الوفاق الوطني بشأن مشروع إيطالي يموله الاتحاد الأوروبي،ويتمثل المشروع في إرسال بعثة إلى الحدود الجنوبية لليبيا بهدف بناء قاعدة لوجستية للأنشطة التنفيذية لحرس الحدود الليبي والسماح بتواجد مناسب لمنظمات الأمم المتحدة في المنطقة.

وانخفض تدفق اللاجئين من ليبيا إلى إيطاليا عبر البحر الأبيض المتوسط خلال الأشهر الأخيرة بصورة ملحوظة،وبحسب تقرير إحصائي صادر عن وزارة الداخلية الإيطالية،الأربعاء 17 يناير 2018،فقد وصل إلى السواحل الإيطالية في الفترة من 1 يناير/ كانون الثاني وحتى 17 من نفس الشهر، ما مجموعه ألف و13 شخصاً، أي بتراجع بواقع 57.67 في المائة، مقارنة بالفترة نفسها من 2017، التي وصل فيها ألفان و393 مهاجراً.

ويثير التراجع الكبير لأعداد المهاجرين اشتباها بأن إيطاليا تدفع أمولا لقادة المجموعات المسلحة الليبية مقابل منع تدفق اللاجئين. لكن السلطات الإيطالية تنفي دفعها أي مبلغ لهؤلاء.وفي هذا السياق،نفى السفير الإيطالي لدى ليبيا، جوزيبي بيروني، أي تعاون لحكومة بلاده مع مجموعات خارجة عن القانون، في ملف الهجرة غير القانونية والاتجار بالبشر.

وأكد بيروني في تصريحات نشرتها شبكة بي بي سي إن إيطاليا تحارب المجموعات الخارجة عن القانون، من خلال دعم القوات الحكومية في ليبيا، وتحسين ظروفها لمكافحة المهربين الذين يمكنهم الاعتماد على الشبكات المتطورة، رافضا الانتقادات الموجهة إلى بلاده فيما يتعلق بتعاونها مع السلطات الليبية للتصدي للهجرة غير القانونية ومهربي البشر.

وتعتبر إيطاليا إحدى أكثر الدول الأوروبية حضورا في الساحة الليبية،فالجانب الإيطالي يرى في ليبيا منطقة نفوذ له، فجغرافيًا لا تفصل ليبيا عن إيطاليا إلا أمواج المتوسط، وتاريخيًا كانت ليبيا أهم المستعمرات الإيطالية في إفريقيا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ولم تنقطع الصلات بين البلدين حتى عندما كانت ليبيا في عزلة جراء العقوبات التي فرضت عليها في العام 1992.

تدعيم الوجود الايطالي في الأراضي الليبية،تحت ذريعة كبح جماح المهاجرين عبر البحر الأبيض المتوسط، ودعم خفر السواحل الليبي،يمثل بحسب المراقبين سعيا واضحا لحماية المصالح،حيث تريد ايطاليا الحفاظ على دورها الرئيسي في ليبيا لحماية مصالحها،وبحسب صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية فأن الهدف الحقيقي وراء اهتمام إيطاليا بليبيا هو حماية شركة إيني النفطية والحفاظ على بقائها للسيطرة على تجارة النفط داخل ليبيا بعيدا عن فرنسا وبريطانيا.

وعلى الرغم من التطمينات التي تسوقها الدبلوماسية الايطالية لتبرير تواجدها لى الأراضى الليبية،فإن أصوات عديدة تشير إلى نزعتها الإستعمارية ورغبتها في حماية مصالحها في مستعمرتها القديمة.ويشكل دخول قوات إيطالية إلى البلاد، استفزازاً لمشاعر الليبيين الذين لازالت ذاكرتهم تحتفظ بما تعرض له آباؤهم وأجدادهم من ويلات خلال حقبة احتلال ايطاليا الفاشية لليبيا.

ومثلت الأزمة التي عصفت بها منذ العام 2011،الفرصة الأبرز للدول الأوروبية لفرض وجودها في الساحة الليبية تحت ذريعة الجهود الساعية إلى حل الأزمة العصية والوصول بالبلد الممزق إلى حالة من التوافق ترسخ السلام والأمن فيه.في حين تبقى المصالح والمطامع السبب الأبرز لاصرار هذه القوى على التواجد في هذا البلد الغني بالثروات.