الوضع في ليبيا على قدر من الفوضوية أصبح معه مصطلح "لبينة" الجديد يفرض نفسه تدريجيا . وهو مزيج قاتل من البلقنة - أي تقسيم الدولة إلى مناطق الحكم الذاتي - والصوملة - أي تعطل الحكومة لصالح الميليشيات.

في الوقت الراهن، تتوفر البلاد على ثلاث حكومات ، وشهدت خلال السنوات الخمس الماضية، انتخابات عامة في مناسبتين، ومحاولة انقلاب فاشلة، ووصول داعش وصراعات عرقية ذات كثافة منخفضة؛ وفي خضم كل هذا وذاك يتزايد عدد الليبيين الذين يطالبون بعودة الجماهيرية المثبتة من قبل معمر القذافي.

يقول الفرنسي فرانك بوسياريلي المقيم في تونس، وهو متحدث باسم جماعة لأنصار اللجان الثورية الليبية والدولية : "نريد تحرير ليبيا التي كانت ضحية انقلاب قاده حلف شمال الأطلسي"،. ويوضح أن الأعضاء يعملون منذ عام 2012 داخل وخارج البلاد.

ويضيف أن المنظمة تضم 20 ألف عضو في ليبيا، وأن ما بين 15 ألف و 20 ألف من الجنود المنفيين السابقين مستعدون للعودة. من جهته ، يقول أحمد، وهو مدير تنفيذي سابق في وزارة الخارجية ويقيم حاليا في تونس: "نحن قادرون على تنظيم انتفاضة شعبية، وإذا استقرت الفوضى في ليبيا، فذلك بفضل أفعالنا"، ويتابع :" لقد استفدنا من عدم الاستقرار لنعود لكننا غير مسؤولين عن ذلك. والليبيون والمجتمع الدولي يدركون ببساطة بأن ليبيا لا يمكن أن تدار بشكل جيد إلا تحت الجماهيرية ".

أنصار القذافي ثلات فئات

الرجلان يتفقان على تنظيم البلاد سياسيا بعد استعادة السلطة: تنظيم استفتاء حول عودة الجماهيرية تحت إشراف للمجتمع الدولي . دولة جماهير أقل حداثة مع مجلس شيوخ يمثل القبائل وغرفة سفلى وخصوصا دستور، وهو أمر كان غائبا تحت حكم معمر القذافي.

هذا السيناريو يرسم الابتسامة على محيا رشيد خشانة ، مدير المركز المغاربي للدراسات في ليبيا، والذي يقر، مع ذلك، بتجدد مستدام للفكر الأخضر : "إن استحضار النظام القديم يعود في المقام الأول لفشل المرحلة الانتقالية لما بعد الثورة.

وعلى هذا الفشل يستند المنظرون "القذافيون" للعودة إلى المشهد، وليس على دعم شعبي حقيقي. "القذافييون" لن يعودوا أبدا إلى السلطة، ولكن سيكون لديهم ثقل كبير، من خلال تحالفات استراتيجية في مستقبل ليبيا ".

ماتيا توالدو المتخصص في الشأن الليبي من المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية، يميز بين ثلاثة أنواع من "القذافيين": أنصار سيف الإسلام القذافي، النجل المفضل للقذافي، المعتقل منذ عام 2011 في مدينة الزنتان، وأنصار خليفة حفتر، شرق البلاد. و"أرثوذكسيو" الجماهيرية، الذين يمثلهم فرانك بوتسياريلي وأحمد ، وهم الطبقة الأخطر.

أولئك الذين انضموا إلى حفتر استفادوا من قانون العفو الذي أصدره برلمان طبرق عن مرتكبي الجرائم خلال انتفاضة 2011. وهو نص يهدف إلى إعادة المنفيين، الذين كانوا بين 1.5 مليون و 3 ملايين، أغلبيتهم من أنصار القذافي الذين لجأوا إلى تونس ومصر. طبقة أنصار سيف الاسلام هي على الأرجح الأفضل تنظيما .

وعلى الرغم من أنه حكم عليه بالإعدام غيابيا في 28 يوليو 2015، في طرابلس، لا يزال سيف الإسلام على قيد الحياة في الزنتان. رسميا هو سجين للميليشيات المحلية، تحت شروط اعتقال فضفاضة : يتنقل بحرية نسبيا في المدينة ويتواصل بشكل كبير من خلال برنامج الاتصال الهاتفي عبر الإنترنت فايبر.

سيف الإسلام أفضل من شقيقه الساعدي

مستقبله الضبابي حتى الآن، تم إحياؤه بشكل غير مباشر من خلال الغرب. الرسائل الإلكترونية لهيلاري كلينتون التي كشف عنها موقع ويكيليكس وتقرير برلماني نشره النائب المحافظ كريسبين بلانت في سبتمبر يصوران سيف الاسلام معتدلا، ومستعدا للعب لعبة التحول الديمقراطي بعد والده.

"انخراط سيف القذافي كان سيسمح، ربما، للورد هيغ (وزير الخارجية 2010-2014) بدعم محمود جبريل وعبد الجليل في تنفيذ الإصلاحات في ليبيا دون تكبد التكاليف السياسية، والعسكرية والبشرية للتدخل وتغيير النظام، ولكننا لن نعرف ذلك أبدا.

هذه الاحتمالات، مع ذلك، ربما كان ينبغي النظر إليها بجدية في ذلك الوقت" يدافع  التقرير الصادر من لندن. أنصار القذافي أظهروا منذ ذلك الحين الشخصية المعتدلة لسيف الإسلام وتعليمه ، وهو خريج من كلية لندن للاقتصاد. ويحظى بأفضيلة مقارنة بشقيقه الساعدي، المسجون في طرابلس.

بالنسبة لسيف الإسلام لا يتعلق الأمر بالاستيلاء على السلطة في واضحة النهار، على الأقل في الوقت الراهن، ولكن بالتمكن من العمل في ظل "إعادة الضبط السياسي" في البلاد. العديد من القبائل في الغرب تخشى من تقدم حفتر ، المدعوم من قبائل في المنطقة الشرقية. غير أن منطقة طرابلس منقسمة اليوم بين تشكيل إسلامي وحكومة وحدة وطنية ضعيفة للغاية على الرغم من الاعتراف من قبل المجتمع الدولي.

دعوة أنصار القذافي لأول مرة من قبل الأمم المتحدة

سيف الإسلام يمكن أن يلعب دور الموحد أمام برقة - المنطقة الشرقية من ليبيا - المنتشية بفضل الانتصارات الأخيرة لحفتر.. على الأرض، تلوح بوادر إيجابية لمصلحة نجل القائد السابق. في سبتمبر 2015، اعتبر المجلس الأعلى للقبائل الليبية المُنَصب ذاتيا، سيف الإسلام الممثل الشرعي للبلاد.

ويضم هذا المجلس أساسا القبائل التي ظلت موالية للقذافي وليس له وزن مؤسسي ولكن يتوفر على رمزية قوية. منذ الربيع، يعمل علي كنة الرئيس السابق للجيش في المنطقة الجنوبية تحت نظام القذافي، على إنشاء جيش من فزان (المنطقة الجنوبية من ليبيا)، لكن يصعب تحديد قوامه في الوقت الراهن.

وأعلن علي كنة بالفعل أن جماعته لن تنضم لا إلى طرابلس ولا إلى طبرق، ولكن فقط إلى سلطة تعترف بشرعية الجماهيرية. الميليشيات الأكثر ثورية في طرابلس فهمت الخطر الذي يُحتمل أن ينجر عن السماح للحنين الجامح لعهد القذافي بالتبلور .

في أغسطس، دعت الأمم المتحدة لأول مرة، الرموز القذافية التاريخية، بما في ذلك الرئيس السابق للمؤتمر الشعبي للمشاركة في مناقشات بشأن الحل السياسي والاقتصادي للأزمة.

"أصبح هذا البلد مزحة"

يعقد السكان أيضا مقارنة بين الحاضر والماضي، وينتصرون للأخير. داخل بنك في طرابلس، ينتظر محمود عبد العزيز، لمدة ساعتين لسحب 500 دينار المسموح بها لبضعة أيام في الأسبوع (أي ما يعادل 327 يورو). انتقلت احتياطيات النقد الأجنبي من حوالي 108 مليار في عام 2013 إلى 43 مليار نهاية عام 2016. وفي السوق السوداء، يتداول الدولار عند 5.25 دينار.

"هذا البلد أصبح مزحة: إنها الحرب الأهلية في كل مكان، ليس هناك مال وأفضل وظيفة ممكنة هي الالتحاق بالميليشيات"، يستنكر محمود عبد العزيز لكنه يقر في الوقت ذاته بأنه ممتن للثورة في جلبها حرية التعبير والانتقاد ، الأمر الذي كان مستحيلا في ظل القذافي، ومع ذلك ، يستطرد أن الأمس كان أفضل من اليوم: "الأمن هو أفضل من الحرية".

الميليشيات الأكثر ثورية في طرابلس تفطنت للخطر المحتمل من السماح لهذا الحنين المستشري والمتطور. في يونيو، قتلت الميليشيا اثني عشر شخصا في طرابلس من الموالين للجماهيرية بعدما كانوا انتهوا لتوهم من قضاء عقوبة السجن عن جرائم ارتكبت في عام 2011.

 

*بوابة افريقيا الإخبارية غير مسؤولة عن مضامين الأخبار والتقارير والمقالات المترجمة.