مازالت الأحداث الدامية والاشتباكات المسلحة بين الميليشيات التي تشهدها العاصمة الليبية،بين الحين والآخر تلقى استنكارا وتنديدا واسعين على الصعيدين الداخلي والخارجي.وبالرغم من الحديث عن نجاح حكومة الوفاق في بسط سيطرتها على العاصمة والحد من سطوة الميليشيات،فإن مسلسل العنف مازال يلقى بظلاله وسط مخاوف من تأثيره على العملية السياسية في البلاد.

ووقعت اشتباكات عنيفة بالأسلحة الثقيلة بين قوة الردع الخاصة المكلفة بحماية المطار والتابعة لوزارة الداخلية بحكومة الوفاق ومليشيا مسلحة يقودها شخص يدعى بشير خلف الله وكنيته (البقرة) تتمركز بضواحي طرابلس،وخلفت الإشتباكات قتلى وعشرات الجرحى،وتسببت بإغلاق المطار والطرق المؤدية إليه وتضرر عدد من الطائرات.

ويعتبر هذا الهجوم الأعنف من نوعه، حيث شهد مهاجمة المسلحين للمطار والسجن الذي يقع داخله، والذي يأوي المئات من عناصر الجماعات الإرهابية المعتقلين خلال السنوات الماضية، علماً بأن محيط المطار يشهد اشتباكات وهجمات مسلحة متكررة.وبحسب الرواية الرسمية لحكومة الوفاق والقوة المكلفة بحماية المطار، فإن الهدف من الهجوم هو تهريب السجناء الإرهابيين المتواجدين داخل سجن معيتيقة.

وجاء في بيان صدر عن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق أن الاعتداء على المطار كان يستهدف إطلاق سراح الإرهابين من تنظيمات عدة، بينها "داعش" و"القاعدة".وأدان المجلس الاعتداء واعتبره "عبثا بأمن العاصمة عرض حياة المسافرين وسلامة الطيران للخطر وأدى إلى ترويع سكان المنطقة".مضيفا أن الاعتداء "لم يهدف إلى محاولة إطلاق سراح الإرهابيين فحسب، بل يدخل في نطاق محاولات عرقلة الانتقال السياسي السلمي في البلاد".

وبالتزامن مع هذا البيان،قرر رئيس المجلس الرئاسى الليبى لحكومة الوفاق الوطنى فائز السراج حل الكتيبة 33 مشاه التى يقودها بشير البقرة.وأكد السراج فى قراره، أن أسلحة وذخائر وآليات الكتيبة تؤول إلى رئاسة الأركان العامة، موضحا أن هيئة التنظيم والإدارة ستتولى إعادة تنظيم منتسبى الكتيبة إلى قوات الجيش فى الغرب الليبى.

وشكّل القرار مفاجأة لكونه يعد فى حقيقته إقراراً بتبعية هذه الكتيبة لحكومة الوفاق،لكن في المقابل سارعت الميليشيا إلى إصدار بيان أعلنت فيه رفضها لقرار السراج  مؤكدة عدم تبعيتها للمجلس الرئاسي أو حكومته.كما أعلنت الكتيبة في بيانها بأن مرجعيتها هو "الشيخ الصادق الغرياني" لتكون بذلك اسوة بقوات سرايا الدفاع الذي تتخذ منه مرجعية أيضاً.

ومع تواصل تغول الميليشيات،تتصاعد الأصوات المنددة بعجز حكومة الوفاق الليبية عن التصدي لها ومحاولة شرعنتها.وفي هذا السياق،أكد عضو البرلمان عيسى العريبي في تصريح لـ "قناة ليبيا" أن من شرعن ميليشيا ماتسمى بكتيبة ثلاثة وثلاثين، التى هجمت على المطار هو المجلس الرئاسي، وهذه نتيجة تعامله مع ما أسماهم بالميليشيات المسلحة.مضيفا أن هذا هو سبب رفض مجلس النواب إعطاء الشرعية للمجلس الرئاسي، مطالبا الأخير بدفع مليار دولار لشركة الخطوط الأفريقية الذي تسبب هجوم ميليشياته بخسارتها.

وما تزال ليبيا تعيش في ظل فوضى ودون حكومة مركزية،وهو ما مثل مناخا مناسبا للميليشيات التي  تواصل أعمال العنف والإنتهاكات وصراع النفوذ الذي لا ينتهي.ويرى مراقبون أن إنهاء سيطرة الميليشيات وإنشاء جيش ليبي موحد هي الحكم الأخير في تحديد نجاح أي مساعي لحل الازمة الليبية.

إلى ذلك،سارع مجموعة من الناشطين السياسيين والإعلاميين والدبلوماسيين الليبيين،الأربعاء،الى اصدار بيان أعلنوا فيه رفضهم بقوة استمرار المجموعات المسلحة في العبث بأمن الوطن والمواطن،مباركين جهود لجنة توحيد القوات المسلحة، التي عقدت عدة اجتماعات بالقاهرة.وقال الموقعون في بيانهم إنهم يتطلعون إلى رؤية نتائج أعمالها في أقرب وقت ممكن، وأن تلتزم كل السلطات والأجهزة غير الرسمية والفعاليات السياسية، بالمساعدة في تنفيذها حال صدورها.

وأضاف البيان، أن توحيد القوات المسلحة وإقامة هياكلها على أسس وطنية وعلمية وتقنية وفق المعايير الدولية أصبح ضرورة ملحة، خاصة وأن البلاد تستعد لتنظم انتخابات تشريعية ورئاسية للخروج نهائياً من المرحلة الانتقالية، وهي عملية لا يمكن أن تتم ونضمن تنفيذ نتائجها إلا إذا توفر لدى الحكومة أداة لفرض الأمن والالتزام بالقانون.

وأكد الموقعون في بيانهم أنهم يتابعون بقلق شديد الوضع الذي آلت إليه البلاد، وتفاقم معاناة المواطنين، وحرصا على مواصلة المسار الديمقراطي والتوصل إلى حل وتنفيذه في ظل الفوضى الأمنية وغياب احتكار الدولة لاستخدام السلاح، داعين جميع الفعاليات السياسية النأي عن أي عمل من شأنه أن يزج بالقوات المسلحة في المماحكات السياسية، أو عرقلة جهود قادتها الهادفة إلى توحيدها بما يخدم مصلحة الوطن ويحفظ له سيادته وأمنه.

وعلى الصعيد الدولي،حذرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا جميع الأطراف في منطقة طرابلس الكبرى من الاعتداء على المدنيين والمنشآت المدنية في المنطقة،وقالت البعثة عبر حسابها على موقع "تويتر" إنها "تذكّر كل الأطراف في منطقة طرابلس الكبرى بالتزاماتهم الأخلاقية والقانونية بحماية المدنيين والمنشآت المدنية"، مشيرة إلى أن "القانون الإنساني الدولي يحرّم الاعتداء المباشر أو غير المباشر على المدنيين.

فيما أعلنت السلطات الإيطالية، اتخاذها لتدابير أمنية محددة نتيجة الاشتباكات المسلحة التي شهدها محيط مطار معيتيقة شرق العاصمة طرابلس.وأبلغت وزيرة الدفاع الإيطالية روبيرتا بينوتي في مداخلة لها بالبرلمان الإيطالي في روما،الثلاثاء 16 يناير 2018،أن عناصر القوات الخاصة الذين يؤمنون السفارة الإيطالية في طرابلس وُضعوا في حالة تأهب قصوى كما تم وضع "الرسميين الإيطاليين" في العاصمة الليبية تحت الحماية.وأضافت بينوتي أنه تم اتخاذ الإجراءات الضرورية لتنفيذ عملية إجلاء الرعايا الإيطاليين عند الضرورة على متن السفينة الحربية "دي كابري" الراسية في ميناء طرابلس.

من جانبه، قال جوزيبى بيروني، سفير إيطاليا لدى ليبيا، في تغريدة له عبر موقع "تويتر" إنه "متألم بسبب العنف"، وبعدما اعتبر أن مطار معيتيقة يعكس آمال وروح الانفتاح لدى الليبيين، الذين يتطلعون إلى حياة خالية من الخوف والتهديد، قال إن "الذين يعبثون بهذا التطلع، يعبثون بالشعب الليبي".وتحول امعيتيقة إلى مطار مدني منذ تعرض المطار الدولي الرئيسي في المدينة لأضرار جسيمة نتيجة القتال بين الفصائل المسلحة المتخاصمة منتصف العام 2014.

ويخشى المراقبون أن يؤثر تجدد العنف في الجهود المتواصلة لحلحلة العملية السياسية في البلاد،وهو ما عبر عنه المبعوث الخاص للجامعة العربية إلى ليبيا صلاح الدين الجمالي،الذي أكد أن اللجوء إلى العنف لن يحل الأزمة الليبية، بل يعرقل الحوار السلمي الذي بدأه الليبيون بإشراف أممي، وبدعم من الجامعة العربية.

وناشد الجمالي في تصريحات صحفية،الأطراف الليبية التي تقف وراء مواجهات معيتيقة وقف عمليات العنف، والإسهام في دعم المسيرة السلمية في بلادهم، ووضع حد للأزمة، حتى يتمكن الشعب الليبي من استعادة أمنه واستقراره.مشيرا إلى أن العنف لا يخدم مصلحة ليبيا، بل يخدم مصلحة أجندات أجنبية لا تسعى إلى إعادة الأمن والاستقرار إلى ليبيا على حد قوله.

ويرى مراقبون، إن الهجوم على مطار امعيتيقة يندرج في إطار مرحلة إعادة خلط الأوراق التي تعتمدها الميليشيات لتوسيع دائرة العنف في البلاد مع اقتراب الإعلان عن توحيد المؤسسة العسكرية وقرب إجراء الانتخابات التي يؤمل منها إنهاء جميع المظاهر المسلحة خارج إطار الدولة وإرساء القانون وهو ما سيكون صفعة للميليشيات التى تتمعش من الفوضى.

ورغم طردها لميليشيات مناوئة من غرب العاصمة طرابلس منتصف مارس الماضي،مازالت حكومة الوفاق الليبية عاجزة عن بسط سيطرتها على المدينة التي تبقى،بحسب المراقبين،أسيرة للصراعات والإشتباكات وغياب الأمن،مع تواصل وجود الميليشيات التي تتمركز فى عدة أحياء مختلفة،علاوة على تردي الخدمات المعيشية.

وتطرح الأحداث الدامية الأخيرة،تساؤلات  حول مدى قدرة حكومة الوفاق على بسط سيطرتها على العاصمة والحد من سطوة الميليشيات،التي لطالما خرج الشارع الليبي مرارا وتكرارا ضدها،ومطالبا بضورة إنهاء المظاهر المسلحة وجمع السلاح والمسارعة في تشكيل جيش وشرطة يخول لهما فقط ضبط الأمن.