كشف مؤشر الاتحاد الدولي للنقابات العمالية لعام 2018، تصنيف دول العالم من حيث احترام حقوق العمال للعام 2018 والذي صنّف فيه دولتين عربيتين ضمن أسوأ عشر دول. ويشمل التقرير الصادر عن الاتحاد الدولي للنقابات  في قائمته 142 دولة عبر العالم والتي تم تصنيفها من 1 إلى (+5) حسب مؤشر احترام حقوق العمال.

وحصدت ليبيا وفقاً للتصنيف على مؤشر (5+) وهو أسوأ تصنيف في المؤشر، موضحاً أن ليبيا ضمن الدول التي لا يوجد بها ضمان للحقوق بسبب ما وصفه انهيار القانون. وأوضح المؤشر أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا استمرت في كونها أسوأ مناطق العالم من حيث احترام حقوق العمال بسبب النزاعات التي تعصف في عدد من البلاد فيها مثل سوريا واليمن وليبيا وفلسطين.

وأشار المؤشر إلى أن الأوضاع الراهنة في البلاد المذكورة يحرم الملايين من الحماية الأساسية وتجريدهم من حرياتهم وحقوقهم. ووفقاً للمؤشر فإن هذه الدول من بينها ليبيا مشكلتها الأساسية تكمن في غياب القانون الناظم لحقوق العمال. كما حصدت دولٌ أخرى على تصنيفٍ سيئ بلغ 5 درجات مثل مصر والجزائر والسعودية وتركيا وكازاخستان وبنجلاديش وجواتيمالا وكولومبيا وكمبوديا وغواتيمالا والفلبين.

وأوضح المؤشر أن الدول الأسوأ في التصنيف تشترك في ممارسات عدة تجاه العمال، منها التمييز وقمع الاحتجاجات العمالية واعتقالات جماعية وإساءة للعمال المهاجرين وغياب الإجراءات القانونية الملزمة، بحسب المؤشر. ويأخذ المؤشر في عين الاعتبار عدة عوامل من بينها القدرة على تنظيم الإضرابات العمالية بسلام. ويدوّن المؤشر الانتهاكات الخاصة بالعمال في كل بلد من شهر إبريل إلى مارس من العام التالي ويتم تحليل هذه الانتهاكات وفق 97 مؤشرا مستمدين من اتفاقيات منظمة العمل الدولية وتمثل انتهاكات حقوق العمال في القانون والممارسات.

في المقابل حصلت دول النمسا، بلجيكا، الدنمارك، فنلندا، ألمانيا، أيسلندا، إيرلندا، إيطاليا، هولندا، النرويج، سلوفاكيا، السويد، والأوروغواي، على أعلى تصنيف كأفضل دول العالم احتراماً لحقوق العمال.

هذه الحالة الصعبة يعترف بها رئيس اتحاد عمال ليبيا عبدالسلام التيمي،  قائلاً: "إن الأوضاع الًّقتصادية سيئة، والاتحاد مازال في مرحلة رص الصفوف، مشيرا إلى أن الاتحاد ينتسب إليه 300 ألف عضو في مختلف أنحاء البلاد، وهم موزعون على 19 اتحادا فرعيا، و12 نقابة"، وأضاف إلى كل ذلك "هناك مشكلات العاملين مع أرباب العمل، فلا توجد مكاسب للحركة العمالية منذ سبع سنوات".

وأشار التيمي إلى عدم تجاوب الحكومات المتعاقبة مع المطالب العمالية السابقة والحالية، التي تمثلت في التأمين الصحي وزيادة الرواتب لمواجهة الغلاء، ووقف الفصل التعسفي، قائلاً: "لم نتلقَ سوى الوعود". ويعاني العمال، والحديث لرئيس الاتحاد في طرابلس، "تداعيات الصراع العسكري، والانقسامات التي دبت بين مختلف مؤسسات الدولة"، مشيرًا إلى "وجود اتحادين للعمال، كل منهما يدعي الشرعية، أحدهما موجود في العاصمة طرابلس، والآخر في بنغازي، ولكل منهما نشاطه ومقرات إدارية وفروع في مختلف أنحاء البلاد".

ومما زاد الأمر سوءًا أن مقر الاتحاد نفسه في طرابلس "تسيطر عليه ميليشيا مسلحة منذ عامين وأكثر، ولم تخرج منه رغم وجود حكم قضائي لصالح الاتحاد". بعض العاملين صرحوا من بينهم سعودة محمد، وهي من العاملين بالشركة العامة للإلكترونيات (شركة حكومية) تشكو من تأخر مستحقاتها المالية منذ سبع سنوات، وذلك بسبب تداخل الاختصاصات بين وزارتي الصناعة والاقتصاد، وأضافت: "لا توجد لنا حقوق ولا أعرف شيئًا عن اتحاد عمال ليبيا".

فيما قال أحد العاملين في شركة مقاولات، يدعى فتحي محمد، "أعمل دون تعاقد قانوني مع صاحب الشركة، وإنه يتقاضى راتبه كل شهر»، لكنه تساءل مستنكرًا: «هل يوجد اتحاد للعمال؟" وإذا كانت الرواتب تتأخر في الحكومة والقطاع العام، فالواضح أن القطاع الخاص منتظم في صرف الرواتب الشهرية، لكن الشكوى من غياب العقود وضمانات العاملين الأخرى، حسب ما يقول محمد علي، الذي يعمل في شركة طيران خاصة، "العمل جيد في القطاع الخاص والراتب يفوق الحد الأدنى للأجور ويصل إلى الضعفين، وما عدا ذلك لا توجد حقوق"، مثل التأمين الصحي أو عقد عمل، وضوابط إنهاء الخدمة.

وتخفي هذه الصورة القاتمة لأوضاع عمال ليبيا، تاريخًا مضيئًا للطبقة العاملة منذ 1928، عندما وقع أول إضراب عمالي في لبيبا، حسب الباحث الليبي بشير محمد، الذي قال ، "إبان الاحتلال الإيطالي وفي ذلك العام بالتحديد، قررت الموانئ الإيطالية تقليص أجور العاملين الليبيين بنسبة 15%، وهو الأمر الذي رفضه العمال وأضربوا عن العمل حتى أُعيدت لهم حقوقهم".

وأشار الباحث بشير محمد إلى أن ظهور هذا الوعي المبكر للطبقة العمالة في ليبيا، أدى إلى إنشاء مكتب للعمال في العام 1943. صحيح أن البداية كانت متواضعة، لكن أصبح المكتب بعد فترة أداءة فاعلة لحل المشاكل العمالية. وفي أوائل خمسينات القرن الماضي، عندما حصلت ليبيا على استقلالها، تأسس اتحاد عمال ليبيا الذي لعب دورًا كبيرًا في الحركة العمالية بالبلاد، مما ساهم في تغيير التشريعات في تلك الفترة، أبرزها قانون العمل الصادر في العام 1952.