عندما قررت إيطاليا الفاشية في مثل هذه الأيام من سنة 1931 تنفيذ حكم الإعدام في شيخ الشهداء، عمر المختار كانت تريد إنهاء اسطورة القائد الذي لا يقهر، وأن تخمد إلى الأبد جذوة مقاومة الشعب الليبي للغزو الإيطالي، وتجلى ذلك في تنفيذ عملية الإعدام التي تلت مباشرة المحاكمة الصورية التي تقرر فيها إنهاء عمر المختار جسديا، على الرغم من سنه الذي تجاوز العقد السابع، ووضعه الصحي المتردي، وتمت عملية الإعدام في منطقة سلوق جنوب مدينة بنغازي في حضور شعبي كبير تجاوز تعداده 20 ألف مواطن ليبي كمحاولة لثني روح المقاومة وإنهاءها باعتبارها حالة "عصيان" كما روجت لذلك السلطات الإيطالية آنذك.

عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه

ولعل التاريخ يحتفظ ببعض من الحوارات التي دارت بين "الشيخ الأسد" وجنرالات إيطاليا والذين كان أبرزهم السفاح "غريتسياني" الذي نشر حوارات مطولة مع المختار، عندما حاول مساومته بالعروض السخية، إلا أنه أبى ورفض، وترك ما اعتبره البعض بمثابة الوصية عندما قال:" سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والاجيال التى تليه، أما أنا فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي"، وهو ما حدث بالفعل حيث بقي عُمر عمر المختار خالدا في التاريخ في حين لايذكر أحد اسم شانقه، بل تضاربت المعلومات على هويته ومن يكون بالأساس، كما كان التاريخ شاهدا على اليوم الذي تم فيه طرد المستوطنين الطليان من الأراضي الليبية، في السابع من أكتوبر من عام 1970، كما توج ذلك في أواخر أغسطس من عام 2008 عندما قدمت الحكومة الإيطالية اعتذارها للشعب الليبي، عن حقبة الاستعمار، وسجل العالم لحظة قيام رئيس الوزراء الإيطالي حينها "سيلفيو برلسكوني" بتقبيل يد أبن عمر المختار، في نفس القصر الذي كان يسير من الحاكم الإيطالي، أمور البلاد.

 

التاريخ يعيد نفسه

تمر اليوم السبت الموافق 16 سبتمبر 2017 الذكرى السادسة والثمانين لاستشهاد عمر المختار، في ظروف تكاد تعيد المشهد إلى ما كان عليه في ظل تنامي الاطماع الإيطالية، وعودة بوادر الغزو من جديد، وإن كان بوجه مغاير لذلك الوجه المباشر، ليس لتغير الأهداف بل لتغير المعطيات، وعوامل الزمن، وتعاطي المنظومة الدولية مع مشاهد الاستعمار.

وعُمر المختار ولد في 20 أغسطس 1861، ويعد رمزا حقيقيا لمقاومة الشعب الليبي للغزو الإيطالي، بل من أهم الرموز العربية والعالمية في مقاومة المستعمر، حيث تمكن في فترة وجيزة من تأسيس معسكراً خاصاً له في منطقة الخروبة، ثم انتقل منها إلى الرجمة حيث إلتحق به عدد كبير من المقاتلين المتطوعين من مختلف المناطق المجاورة، وجمع هذه القوات بالقرب من مدينة بنغازي، فيما يشبه قاعدة للانطلاق لمهاجمة القوات الإيطالية، واستمر في مواجهتهم لما يزيد عن 20 سنة، كبد خلالها الطليان خسائر فادحة الأمر الذي إضطر السلطات الفاشية في سنة 1922 لإنزال الدبابات المجنزرة، لتستخدم لأول مرة في الصحراء، كما استخدمت الطيران عسكريا لأول مرة في تاريخ الحروب.

وإلى جانب المجاهدين الذين كان يقودهم عمر المختار، في المنطقة الشرقية، كانت بقية مناطق ليبيا في الغرب والجنوب تشهد هي الأخرى معارك ومواجهات شرسة قادها عدد من القادة الليبيين الذين خلدهم التاريخ، إلا أن ما ميز عمر المختار عن البقية هو الرمزية الدينية التي كان يحملها حيث كان معلما للقرآن، وأحد شيوخ الطرق الصوفية، علاوة على حنكته العسكرية التي أظهرها في قيادته لمجموعات كبيرة لما كان يعرف بـ "الأدوار"، هذا إلى جانب رفضه كل العروض التي قدمت إليه عند دخوله للتفاوض مع الطليان لكنه رفض التفريط في الحقوق والثوابت الوطنية ورفض نسخ الهوية الوطنية والاعتراف بولاية روما على ليبيا، وتوج ذلك بنهايته الأسطورية عندما رفض الرأفة من العدو وقبل الموت شهيدا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

السابع من أكتوبر عيد الثأر

وخُلّد تاريخ عمر المختار في ليبيا بعد ثورة الفاتح 1969 ، التي قادها الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، عندما أحيا تاريخ الجهاد الليبي ضد الغزو الإيطالي حيث ألقى خطاب له عقب البيان الأول بمدينة سلوق، حيث قبر عمر المختار في ذكرى استشهاده، ثم تم وضع صورته على العملة الليبية، ثم أنتج شريط سينمائي عالمي باسمه وهو العمل الذي لاقى رواجا في مختلف أنحاء العالم.

وتبقى ليبيا اليوم في أمس الحاجة للشخصية المحورية التي تجتمع حولها القوى الوطنية، للخروج من هذه الأزمة التي تعيشها، ولعل استدعاء مثل هذه المناسبة سيشحذ الهمم وسيكون بمثابة الحجرة التي تحرك البركة الراكدة، لتحول المياه الآسنة إلى دوامات متتالية ولتستعيد النقاء من جديد.