أعلن الاتحاد الأوروبي عن فرضه عقوبات على مسؤوليَن في جنوب السودان دون أن يوضح هويتهما لمسؤوليتهما في استمرار الأعمال العدائية بين الطرفين المتناحرين بعد 24 ساعة من احتفال هذه الدولة الحديثة باستقلالها من السودان، في وقت اعترف الرئيس سلفا كير ميارديت بأن بلاده ستواجه مجاعة في حال استمرار الحرب بين قواته والمتمردين بقيادة نائبه السابق رياك مشار، داعيا مشار إلى احترام وقف إطلاق النار وتحيكم صوت العقل لإنهاء الأزمة في البلاد، مؤكدا أمام الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني الذي حضر احتفالات الاستقلال أول من أمس بقاء القوات الأوغندية في بلاده إلى حين التوصل إلى سلام نهائي.

وأعلن المجلس الأوروبي الذي يمثل الحكومات أمس أن الشخصين الذين لم يوضح هويتيهما، «مسؤولان عن انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار، وسيخضعان إلى تجميد حساباتهما وسيحرمان من تأشيرات السفر». وأضاف أنهما «مسؤولان عن فظائع كبيرة». وقال مصدر أوروبي إن مجلس أوروبا، بهذه العقوبات التي ستطبق الجمعة، «لا ينحاز» إلى جانب أي من طرفي النزاع. وقد قرر كذلك إبقاء الحظر على الأسلحة.

وقال نائب وزير الخارجية في جنوب السودان بيتر بشير بندي لـ«الشرق الأوسط» إن حكومته لم تتسلم قراراً من الاتحاد الأوروبي وليس هناك تأكيد إن كانت العقوبات ضد مسؤول حكومي أو من المتمردين، وأضاف: «لدينا عطلة اليوم لذلك ليس لدينا علم بفحوى القرار خصوصا أن المجلس الأوروبي لم يذكر أسماء المسؤولين»، وسبق أن أصدرت واشنطون في يناير (كانون الثاني) الماضي عقوبات ضد الجنرال يتر جاديت وهو قائد عسكري من المتمردين بقيادة ريك مشار، والفريق ماريال تشانونج قائد الحرس الرئاسي.

من جانبه توقع القيادي في الحركة الشعبية المعارضة يوهانس موسيس فوك لـ«الشرق الأوسط» أن يكون القرار الأوروبي هو نفسه الذي أصدرته واشنطون أوائل هذا العام ضد قادة عسكريين من الجيش الحكومي والتمرد، وقال: «لكن سيتم استبدال قائد الحرس الجمهوري برئيس هيئة الأركان في جيش الحكومة بول ملونق والإبقاء على بيتر قاديت من جانبنا»، غير أنه عاد وقال: «العقوبات على المتمردين لا تعني أي شيء لأن ليس لدينا أرصدة في بنوك أوروبية أو أميركية ولا نسافر إلى تلك البلدان إلا بدعوة منها»، وأضاف: «سننتظر اليوم لنعرف أسماء الذين فرضت عليهم عقوبات»، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة كانت قد سلمت قيادته اسم القائد بيتر قاديت عندما أعلنت فرض عقوباتها عليه.

وكان رئيس جمهورية جنوب السودان سلفا كير ميارديت قد قال في حفل الذكرى الثالثة لاستقلال بلاده أول من أمس في جوبا إن الحرب التي تدور في بلاده مع المتمردين بقيادة نائبه السابق رياك مشار حصدت أرواحا كثيرة ودمرت كثيرا من المباني، وأضاف: «نحن استطعنا بعد 22 عاماً من الحرب مع حكومات الخرطوم أن نتوصل إلى سلام قادنا إلى الاستفتاء في عام 2011 ونلنا استقلال بلادنا»، مشيراً إلى أن المفاوضات توقفت بسبب المتمردين لمشكلات تخصهم مع وسطاء الإيقاد، وأضاف أن الحرب لن توقف مسيرة التنمية في بلاده وأن ذلك يمثل تحدياً حقيقياً.

وحذر رئيس جنوب السودان من وقوع مجاعة في بلاده إذا استمرت الحرب، وقال: «إذا لم تكن هناك استجابة من المتمردين بإيقاف الحرب فإن شعبنا سيموت بالمجاعة والأمراض»، وأضاف: «لذلك أكرر الدعوة لمشار أن يحتكم إلى صوت العقل ويوقف الحرب وأن نحل مشكلاتنا سلمياً»، منتقداً المجتمع الدولي بمساواة قواته مع المتمردين في تحميلهم مسؤولية اختراق وقف إطلاق النار، وقال: «العالم يعتقد أن الطرفين لا يريدان السلام ولكنهم يعلمون من هو الذي يخترق وقف إطلاق النار ومن هو المخطئ»، وأوضح أن مشار ومجموعته يضعون رغباتهم الشخصية فوق مصالح الشعب، وأضاف أنه وجه نداء إلى الأمين العام السابق لحزب الحركة الشعبية الحاكم باقان أموم ومجموعته بالعودة إلى البلاد لحل المشكلات العالقة، وأضاف أن القوات الأوغندية ستبقى في بلاده إلى حين التوصل إلى سلام، وقال إن قوات من إثيوبيا، وكينيا، وروندا، وبورندي وجيبوتي، سيجري نشرها في جنوب السودان لحماية المدنيين.

وجدد كير دعوته للمعارضين من مجموعة المعتقلين السابقين إلى العودة للبلاد والمساهمة في عملية بناء الدولة وحل المشكلات العالقة، مشددا على أهمية إجراء حوار سياسي شامل بين جميع مكونات جنوب السودان، وإجراء إصلاحات في الجيش، والشرطة والأجهزة الأمنية، مشيراً إلى أن مشكلة أبيي المتنازع عليها بين بلاده والسودان ليس في مقدوره منفرداً أن يحلها.

من جانبه دعا وزير الخارجية الأميركي جون كيري قادة دولة جنوب السودان المتحاربين إلى التحلي «بالشجاعة والقيادة» عبر وقف الأعمال العدائية، وقال: «لقد حان الوقت لاحترام اتفاق وقف الأعمال العدائية المبرم في يناير الماضي»، وأضاف: «لقد حان الوقت للقادة في جنوب السودان أن يتحلوا بالشجاعة والقيادة ويؤكدوا مجددا التزامهم حيال الوحدة والمصالحة والمستقبل الأفضل لشعب جنوب السودان»، مؤكداً أن بلاده ملتزمة بالوقوف إلى جانب شعب جنوب السودان وتكون في طليعة الطليعة في الاستجابة الدولية لتقديم المساعدات الإنسانية. من جهته وصف نائب رئيس دولة جنوب السودان السابق زعيم التمرد رياك مشار من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا الأوضاع في بلاده في الذكرى الثالثة للاستقلال بأنها شهدت أبشع أنواع الفساد والفوضى مما أدى إلى تصنيفها بالدولة الفاشلة، متهما الرئيس سلفا كير ميارديت بإثارة العنف بدلاً من الحوار الديمقراطي واستهداف الشعب الذي يطالب بالفيدرالية، وقال إن ما دفعه لخيار المقاومة مع قيادات الحركة الشعبية استبداد سلفا كير ورفضه للحوار الديمقراطي، مشدداً على مواصلته ما أسماه بالنضال من أجل تحقيق مطالب شعب جنوب السودان وإقامة دولة فيدرالية ديمقراطية تسع الجميع، داعياً لجنة التحقيق حول الانتهاكات التي حدثت في الخامس عشر من ديسمبر (كانون الأول) الماضي إلى مواصلة عملها قبل انتهاء التفاوض.

وطالب مشار وساطة الإيقاد بممارسة الشفافية، وقال إن المفاوضات لا يجب أن يتم تأخيرها وإن وجوده في أديس أبابا من أجل السلام وإنهاء معاناة شعبه، وأضاف أنه لا يرى مبرراً لتأجيل المفاوضات، مشيراً إلى أنه شرح موقفه إلى رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريام ديسالين وممثلي دول الإيقاد والأمين العام للأمم المتحدة حول معايير اختيار ممثلي «أصحاب المصلحة» وضرورة تمثيل اللاجئين والنازحين ومن هاجروا إلى الخارج كأصحاب مصلحة للمشاركة في المفاوضات.

 

*نقلا عن الشرق الأوسط