"آليات إرساء السلام والمصالحة الوطنية في ليبيا, ودور النخب والفعاليات الثقافية والمدنية والاجتماعية في تحقيق الوحدة بين أبناء الوطن الواحد حول المشترك المجتمعي الجامع وبعيدا عن كل مظاهر العنف والإقصاء..", هذه هي أبرز محاور اللقاء الذي جمع "بوابة إفريقيا الإخبارية", بأحمد لطفي خالد التاجوري, المحامي والمستشار القانوني الليبي, وعضو فريق مبادرة "صناع السلام" في هذا البلد.

أحمد التاجوري الذي التقته "بوابة إفريقيا الإخبارية" في العاصمة التونسية اليوم الخميس 6 أكتوبر 2016, تطرق في حواره معنا إلى مختلف تعرجات المشهد الليبي خلال المرحلة الراهنة ,آفاق تحقيق التوافق والمصالحة على المستويين القريب والبعيد نحو تحقيق سلام تام في وطنه, يراه محدثنا ممكنا, وإن اعترضته معوقات وعثرات شتى.

وفي ما يلي نص الحوار:

بداية لو تقدمون أنفسكم لقراء "بوابة إفريقيا الإخبارية"؟

أحمد لطفي خالد التاجوري محام ومستشار قانوني وعضو فريق مبادرة صناع السلام الليبية.

وكيف تقدمون المؤسسة؟

مبادرة صناع السلام مؤسسة مدنية مستقلة. مبادرة صناع السلام هي عبارة عن فريق تشكل بناء على جهود مجموعة من الشباب الليبي من مختلف مناطق ليبيا تم توحيدها و وضعها في شكل فريق أطلقت من خلاله مبادرة صناع السلام التي تشكلت بتاريخ أوت/ أغسطس 2013.

بداية الإنطلاقة كانت على أساس قاعدتين حول موضوع السلام, تمثلت الأولى في التوجه إلى إجراء مصالحات ثنائية محلية, وذلك في ما يتعلق بالنزاعات بين المناطق و القبائل الليبية. أما القاعدة الثانية للمبادرة فهي على المدى الطويل, ونهدف من خلالها إلى إرساء ثقافة السلام والحوار كوسيلة ومنهج للخروج من كل أزمة يمكن أن تواجه المجتمع الليبي في مختلف مكوناته وشرائحه.

نحن نعمل على جمع الأطراف المتصارعة, أو المختلفة, كما نعمل على تقريب وجهات النظر والدفع في إتجاه النقاط المشتركة بينهم بتقليل نقاط الخلاف ووضع تلك الإتفاقات في شكل عملي يرعاه الفريق من حيث التواصل مع أطراف الصراع ومتابعة المشهد في ما يتعلق بتنفيذ الإتفاق.

يعني دوركم يتمثل في توجيه الصراع القائم في ليبيا نحو التهدئة والمصالحة؟

 نحن لسنا جهة تنفيذية, أو جهة رسمية تملك توجيه الصراعات والتهدئة في إتجاه معين, و إنما يتمثل دورنا في أننا نعمل كوسطاء ومنسقين ومقربين لوجهات النظر بين المختلفين.

وفي هذا الإطار, نحن وفقنا في عديد المبادرات التي قمنا بها, وأغلبها تمت في نهاية عام 2014 وبداية عام 2015. البداية كانت في الملتقى الأول للحوار المجتمعي برعاية الفريق بطرابلس, تم فيه التأسيس لمبادئ عامة طابعها فتح باب الحوار والتهدئة الشاملة وإرساء دعائم السلام في المجتمع الليبي وفق قواعد العيش المشترك واحترام الإختلافات.

المبادرة الثانية التي قمنا بها تزامنت مع إحداث عملية "فجر ليبيا", حيث عقدنا لقاء في جربة نهاية 2014 تحت عنوان "التهدئة الشاملة في جبل نفوسة", وفيه حضر عدد كبير من المشايخ والأعيان. تمثلت إحدى أهم المخرجات في هذا اللقاء في تبنى الفريق تشكيل لجنة رفقة الحضور لتولي التهدئة في جبل نفوسة, بين منطقتي ككلة والزنتان, وبالفعل حدثت تهدئة بإرادة الأطراف المتخاصمة وبإشراف ومتابعة فريق صناع السلام.

الملتقى الثاني للفريق تم في جربة بداية 2015, وتم إطلاقه تحت اسم "حوار الجنوب", وتم من خلاله التواصل بين الأطراف المتصارعة بين قبيلتي التبو والطواراق, وعبر التواصل مع القبائل والفعاليات هناك, تم التوصل الى إتفاق هدنة ساهم فيه فريق صناع السلام وكان أيضا بدعم بلديات جبل نفوسة.

أما الملتقى الثالث الذي نظمه الفريق, فتم في تونس في عام 2015 تحت عنوان "حوار المنطقة الوسطى" وحضره عدد من النشطاء والأعيان والشخصيات الفاعلة في المنطقة الوسطى الممتدة من طرابلس حتى أجدابيا عمقا حتى ودان والجفرة في عام 2015, مع العلم أن الملتقى الثالث تزامن مع الإتفاق الذي وقع بين مصراطة وتورغاء.

عقدتم مؤخرا لقاء في تونس, فهل من تفاصيل ومعطيات حول مخرجاته؟

أجل عقدنا ملتقى في تونس تحت عنوان "دور النخب والفاعلين حول قضايا الخلاف الدستوري والمصالحة الوطنية في ليبيا", وبالطبع ضم هذا اللقاء جزء من النخب الحقوقية والإجتماعية والثقافية وأعضاء عن الحوار السياسي وأعضاء هيئة الستين في صياغة الدستور بين مقاطعين وموقعين على المسودة الأخيرة. اللقاء اتسم بالمصارحة والمكاشفة وكان نخبويا بامتياز من حيث محاور النقاش وتحديد الإشكاليات وطرح الحلول.

أما أهم مخرجات اللقاء فتمثلت في تشكيل فريق عمل من الحاضرين وأعضاء عن الحوار السياسي بمتابعة فريق صناع السلام لتولى التواصل مع أعضاء هيئة الستين الموقعين والمقاطعين وحثهم على الإجتماع خلال الفترة المقبلة في مسعى لتخفيض مستوى الخلافات والإختلافات ومحاولة الدفع في اتجاه التوافق.

أهداف المبادرة تبدو نبيلة, ولكن ألا ترون أنها مثالية نوعا ما بالنظر إلى تأزم الوضع في ليبيا الذي تسوده لغة السلاح؟

من حيث أهمية مثل هذه المبادرات، أقول لك فعلا هي مهمة لمجرد وجودها كوسيط بين المتخاصمين, ومن أهم أدوراها حث المتخاصمين على التوافق وإحلال السلام, ربما يكون مستوى الصراع غير قابل لحدود الوساطة, ولكن هذا الأمر لا يمنعنا من الإستمرار في منهجنا وعملنا لأن الأصل هو السلام والإستثناء هو الحرب.

ربما لا نلمس الدور الذي تضطلع به مثل هذه المبادرات وثمارها بشكل مباشر في الوقت الحالي, لكنه يؤسس مدرسة مهمة لإدارة الخلافات وإرساء مبادئ العيش المشترك, وسيأتي أشخاص اخرون من بعدنا يحملون نفس الإصرار وذات المبادئ ليكملوا هذا النهج.

كيف تشخصون الوضع الحالي الذي تشهده ليبيا؟

الوضع الحالي لا يخفى على أحد, من حيث مستوى الإنقسام السياسي وانعكاسه على المشهد اليومي للمواطنين من جانب السيولة وتوفير المرتبات, وكذلك الشأن بالنسبة لعدم الإستقرار الأمني الذي زاد من مستوى تأزم الأوضاع.

نحن نعتبر أن مسألة التغيير تواجه موجة كبيرة من العراقيل والمشاكل, منها ماهو متعلق بقضايا تاريخية, وأخرى تتعلق بإختلافات سياسية, وهو أمر متوقع الحدوث مقارنة بما كانت عليه ليبيا لأن السمة الشمولية كانت هي السائدة قبل التغيير.

إنطلاقا من هذا التشخيص, ليبيا إلى أين؟ وأية مسارات محتملة, على غرار التقسيم والصوملة أو ما شابه, تنتظرها؟

لن أكون عاطفيا في الرد على هذا السؤال, سأحاول توخي الواقعية قدر الإمكان لأقول لك إن إمكانية تقسيم أو صوملة ليبيا, أو غيرها من التسميات, مرفوضة من مجمل النخب الوطنية وكافة الفاعليات القبلية والإجتماعية التي هي مقتنعة بعدم السماح بحدوث ذلك, وأنا اضم صوتي إليهم, ولكن نتيجة تصارع بعض المصالح السياسية والدولية ربما تكون هناك إتجاهات تدفع في هذا الخصوص.

لكن خلافا لما ذكرتم, ليبيا حاليا مقسمة بين عدة حكومات وإدارات وأقاليم ومحافظات, بماذا تردون؟

الإنقسام السائد هو إنقسام سياسي لحقه إنقسام إداري, وهذا طبيعي نتيجة توتر الأوضاع بين الفرقاء السياسيين, ولكن أكرر أنه على الصعيد الإجتماعي وبالنسبة للناشطين وكذلك الشأن بالنسبة لبعض التشكيلات العسكرية يوجد رفض قطعي لمبدا التقسيم,  وهذا هو الأهم في نظري بإعتبار أن إحتمال عودة الساسة إلى الإتفاق في ما بينهم أمر متوقع الحدوث في أية لحظة, أما مسألة وصول الإختلاف بين المكونات الإجتماعية والتشكيلات العسكرية والنخب, فإن ذلك من المؤشرات التي لا نود أن نراها.

هل يمكن القول إنه تم توحيد الجيش الليبي تحت قيادة خليفة حفتر؟ وهل يمكن أن يلعب هذا القائد دورا في المشهد المقبل؟

نحن كفريق نعمل على صناعة السلام. نحن أوفياء لمبادئنا, و من واجبنا أن لا نصطف وراء أي طرف من أطراف الصراع, من حيث الدعم, أو من حيث الوصف أو الموقف.

ماهي رؤيتكم للسلام في ليبيا؟

نحن كفريق صناع سلام نرى أن مسالة إحلال السلام في ليبيا مسألة غير مستحيلة, بل ممكنة, ونحن لمسنا هذا الأمر في عديد المبادرات التي أطلقناها,  ولكن المسألة مشروطة بتوفر عدة عوامل, أهمها التمسك بمبدأ الحياد ولعب دور الوسيط النزيه والدفع نحو التوافق وتقليص بؤر الخلاف.

كما بودي أن أشير أيضا إلى أهمية التركيز على الدور الإجتماعي لمجالس الأعيان والقبائل والتشكيلات المسلحة والبلديات وأحيانا الأطراف السياسية وحثهم على تبنى مبدأ الحوار والسلام كأداة لحل الخلافات ووضع خارطة طريق لذلك.

كيف تنظرون إلى دور القبائل في إرساء السلام في ليبيا ؟

من خلال عملنا في المبادرات التي أطلقناها كانت مجالس الأعيان والفاعليات القبلية مساندة لمشروعنا وقدمت لنا كل الدعم, كما برهنت على صدق نواياها في تحقيق السلام بين المتخاصمين.

وكيف تتوقعون مستقبل ليبيا؟

لا أحد يتوقع ما سيحدث في المستقبل البعيد, لكن بالنسبة للمستقبل القريب, نحن نرى أن هناك إنخفاض في مستوى الصراعات بشكل عام, كما توجد نسائم تبشر بإمكانية عودة الوحدة الحقيقية في ليبيا على كل المستويات.

كذلك, وما لا شك فيه, هناك توافق في يتعلق بالقضايا الهامة مثل مكافحة الٍارهاب والمحافظة على الثروات الوطنية, كما أننا نرى توفقا كبيرا في إحداث مصالحات على المستوى المحلي, كما أشرنا في مبادرتنا سابقا. نحن نعمل على إطلاق المصالحة الوطنية في ليبيا كمشروع وطني شامل أساسه تناسي أحقاد الماضي القريب والبعيد وإرساء مفهوم الحوار لحل جميع الإشكاليات العالقة في الوقت الحاضر وفي المستقبل في إطار إحترام الإختلاف ودولة القانون.

أترك لكم كلمة الختام؟

أعيد وأكرر أننا كفريق مبادرة صناع السلام نؤمن بأن الحوار المشترك بين أبناء الوطن على مختلف مستوياتهم ومكوناتهم وتصنيفاتهم هو المخرج الوحيد للأوضاع التي تمر بها ليبيا في الوقت الحالي, هذا على المدى القصير. أما على المدى الطويل, فإن ثقافة الحوار وإحلال السلام والمصالحة الوطنية في ليبيا تساهم بشكل كبير في تغيير طريقة إدارتنا للخلاف الذي بدوره سينعكس على مصلحة البلاد والأجيال المقبلة.