عام اخر يمر على ليبيا واقتصادها يزداد تدهورا وتتضاعف حدة أزمة الثقة بين المودعين والمصارف  و يزداد التضخم  في الاسعار و يعيش المواطن رهين الامل في انفراج اقتصادي   يخفف من على كاهله  معاناة توفير الحدود الدنيا  للمعيشة .

يمر عام اخر  وتتدهور عجلة الانتاج والخدمات في كل القطاعات بسبب تغول سعر الدولار في السوق السوداء  الذي سجل حدا غير مسبوق في تاريخ البلاد . 

كان عاما عصيبا على كثير من العائلات المشردة والنازحة وذات الدخل المحدود وهي اسر تجد بالغ الصعوبة في توفير الغذاء والكساء والدواء والمأوى والتعليم  وتجابه الحياة القاسية  بطرق غير مجدية وصلت حد التسول والاستلاف  وتدبير دنانير زهيدة من بيع الفطائر او مواد لا يكفي عائدها  لسد احتياح يوم واحد وسط كساد السوق  .

عام يمكن ان تسميه تلك الاسر  ودون تردد  بعام العازة  .

لقد كان عام 2016  اقتصاديا من اصعب واقسى وأمر السنوات  الليبية وهو ما لخصه الدكتور سليمان الشحومي مؤسس سوق الاوراق المالية الليبي في حديثه لبوابة افريقيا الاخبارية قائلا (   سنة 2016 كانت من اصعب واقسي السنوات التي مرت علي الليبين ففيها انهارت العملة الوطنية بشكل كارثي لأول مرة في تاريخها كما ازدادت أزمة نقص السيولة شدة وتعطلت اغلب الأنشطة الاقتصادية والخدمية وتقلص الناتج المحلي الي اقل مستوي  بسبب تعثر النشاط الاقتصادي في البلد .

وتعرض ميزان المدفوعات بالعملة الأجنبية الي عجز كبير بسبب تعطل عمليات التصدير النفطي . وقد يكون الامر الإيجابي الوحيد  هو العودة التدريجية لتصدير النفط في الربع الأخير من هذه السنة .

ولعل ما نشره ديوان المحاسبة عن ضخامة الفساد الذي يشوب عمليات الاعتمادات المستندية يدل علي ان الفساد المالي يضرب بقوة في ليبيا ويتحكم في تفاقم الأزمات الاقتصادية والتي أسست علي انقسام الموسسات الاقتصادية الليبية وتجلت في هذه السنة بإصدار عملة ليبية من المركزي البيضاء هي محل نزاع وعدم قبول من المركزي طرابلس.

والذي يعكس التضارب بين الموسسات الحكومية في الشرق والغرب وعجزهم جميعا عن تحقيق الاستقرار الاقتصادي . ) وعن سؤالنا عن شح المعلومات المالية الرسمية للدولة يقول الدكتور الشحومي (بشكل عام هناك تاخر في إصدار التقارير والبيانات من قبل البنك المركزي طرابلس وايضاً انعدام للتقارير من المركزي البيضاء ، ناهيك عن توقف الهيئة الوطنية للمعلومات عن إصدار تقاريرها وغيرها من الجهات الاقتصادية الليبية والتي ترصد اداء الاقتصاد الوطني.

البنك المركزي يعاني من خلل في بنية أنظمة المعلومات من حيث البناء والتوقيت في عرض المعلومات المتعلقة بالقطاع المصرفي والمالي الليبي بشكل عام ، ربما تكون المشكلة في الأساس متعلقة باعتماد البنك المركزي علي مجموعة من قواعد البيانات  الداخلية والخارجية التي تقدمها جهات اقتصادية ومالية وإحصائية اخري تعاني ماتعانيه الموسسات الليبية في هذه الظروف)

الكبير المحافظ منتهي الولاية و صاحب القرار

برغم ان فترته القانونية لتولي منصب محافظ مصرف ليبيا المركزي انتهت في السادس والعشرين من سبتمبر 2016 الا أن الصديق الكبير ظل والى الان على مكتب المحافظ ما يعكس نموذج التعقيد الذي تعيشه بلاد منقسمة سياسيا ، فالكبير وبرغم سجل اخفاقاته وتراكم المشاكل التى احدثتها ادارته للمركزي كما لم يقع في تاريخ البلاد من قبل بقي متربعا منشغلا عن كل الاصوات المطالبة بتنحيته حتى يوم انتهاء ولايته كتابة وتظاهرا  واحتجاجا واعتصاما.

وبقى هو وبرغم كل ذلك وبرغم اتهامات كبيرة بسوء الادارة من هبوط الاحتياطي النقدي الى المنتصف الى تقارير ديوان المحاسبة التى  تشير الى مخالفات فادحة في اجراءاته عدا  خروجه عام 2013 اعلاميا ليصرح بايداع ملياري دولار في البنك المصرفي المركزي المصري ابان حكومة الاخوان قائلا انها استقطعت من الاستثمارات الليبية في مصر وهو ما اثار صخبا اعلاميا ليس باقل من سفره فجأة في يونيو 2014  في اجازة الى مالطا كما اعلن اعلاميا ليبدو بعد ذلك أنه يمارس ادارته المركزي من هناك. 

رغم كل ما يقال عن فشل الكبير كمحافظ لكنه استمر مستكملا ولايته كاملة وزيادة، وهي ولاية مترعة بالاخفاق حتى بات انتظار المحافظ الجديد هو ترقب لمنقذ ينتشل القطاع المصرفي من حالة التردي المفزع ومن انحجاب الثقة بين المودع والمصارف فلم يفلح الكبير في وضع اي سياسات حقيقية يمكنها ادارة قطاع المصارف في بلد يعيش حالة حرب وانقسام سياسي مما زاد معاناة المواطن اليومية.

فسعر العملة الصعبة لامس في السوق السوداء سقفا غير مسبوق تجاوز الستة دنانير للدولار الواحد ، كما تشتكي المصارف والتجار في المنطقة الشرقية  من انعدام العدالة في توزيع العملة الصعبة مقارنة بمناطق اخرى ، مقابل اتهامات باعتمادات وهمية سربت اموالا ليبية طائلة الىالخارج.

تاخر وقت الإصلاح الاقتصادي

الاموال الصعبة وبحسب ديوان المحاسبة  تهرب من ليبيا عبر شركات تدعي انها شركات استيراد  ومن وجهاتها دبي والشارقة ومالطا وسويسرا وتونس وهونكوك في وقت يعيش المواطن في حاجة العلاج  ولا يجد الامكانيات وفي حاجة تعليم ابناءه وفي حاجة الغذاء باسعار معقولة  يتغول تجار الازمات والحروب بكل ما يملكون من قدرة استغلالية والحكومات الليبية لم تقدم اي طروحات عملية لحلحلة الازمة او اعلان موقف من الفساد بل هي لم تعلن ولو خجلا عن تخفيض نفقاتها والتقشف في المصروفات.

وفي عودة للخبير المالي ومؤسس سوق الاوراق المالية الليبي الدكتور سليمان الشحومي نجده يطلق في مقال له انذارا خطيرا تحت عنوان تاخر وقت الإصلاح الاقتصادي ويكتب الشحومي (لم يعد بالإمكان الان الحديث عن فعالية او جدوى اي سياسات اقتصادية يمكن ان تنقذ الموقف المنهار تماما، يبدو ان السياسات الاقتصادية والتي تشمل جملة من الأدوات النقدية التي يديرها البنك المركزي والتي تهدف أساسا الي التحكم في مستويات التضخم والمستوي العام للاسعار عبر زيادة وتقليل عرض النقود ومعدل الفائدة والأدوات المالية التي تقودها وزارة المالية عبر زيادة او تقليل الإنفاق العام والمتمثل في المرتبات والدعم وإقامة المشروعات العامة وصيانة القائم منها ، وتحريك الإيرادات العامة عبر زيادة او خفظ الإيرادات الحكومية مثل الضرائب والجمارك والرسوم الآخري . والأدوات التجارية والتي تقودها وزارة التجارة والاقتصاد عبر إقرار قواعد التجارة والاستيراد والتصدير والمنافسة والمناطق الحرة وآليات عملها وغيرها . والتي لابد ان تتكامل مع بعضها لتحقق الأهداف العامة لتلك السياسات والتي تقرها الحكومة وقد تتطلب مصادقة السلطة التشريعية لبعض أجزائها كإقرار قوانين جديدة او تعديل القائم منها .

كل هذه السياسات الاقتصادية لم يعد بالإمكان ان تقدم حلا لما عليه الاقتصاد الليبي المستمر في الانهيار والسبب يكمن في تقديري في المجلس الرئاسي عبر أدواته القاصرة يحاول ان يحدث ثقب في الهواء باقرار ميزانية عامة لمؤسسات اغلبها غير تابعة له ولا يستطيع السيطرة عليها اداريا لوجود سيطرة من نوع اخر ، اما مليشياوية او قبلية او جهوية .

وستكون كل محاولات الرئاسي محكوم عليها بالفشل المسبق وهو الذي يعتقد ان تحكمه بالاموال سيصنع له حصان طروادة ويخضع الجميع الي سلطته المالية ، ولكنه سيكون ابعد عن تحقيق ذلك لوجود حالة من تحلل السلطة وضياع هيبة الدولة . 

البنك المركزي طرابلس والذي لديه مفاتيح خزائن الأموال الليبية يراوغ المجلس الرئاسي في تنفيذ الميزانية ويتهرب من إقرار الموازنة الاستيرادية التي اقترحها ديوان المحاسبة بقيمة 15 مليار دولار والتي وضع فيها ثلاث أسعار مختلفة لبيع الدولار ، الاول للتوريدات والتحويلات الحكومية وهو بدون اي زيادة عن السعر الرسمي ، والثاني لتوريدات التجار من السلع والمعدات بزيادة قدرها 120% والثالث لتحويلات ومشتريات المواطنيين بزيادة قدرها 100% وارجاء اقرارها والخوض فيها الي اجتماعاتهم القادمة تحت رعاية البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وسفراء الدول الرئيسيّة الداعمة لمجلس الوفاق الرئاسي .

ولكنه فأجاء الجميع اقصد البنك المركزي وأرسل خطابا يعلن فيه انه قرر تخصيص 750 مليون دولار للتوريدات من السلع الاساسية للمواطن بالسعر الرسمي باعتبار ان الحوار حول الميزانية الاستيرادية سياخذ وقت طويل والمواطن لا ينتظر ولم يوضح كيف حدد البنك المركزي هذه المخصصات وكيف قسمها علي البنود المختلفة والتي بالتأكيد ليست من صميم عمله ، ولم يحدد كيف سيوزعها علي المصارف التجارية او علي التجار حسب توزيعهم الجغرافي ومن التجربة الفاشلة السابقة التي خصص فيها البنك المركزي موازنة لتوريد السلع في العام 2016 والتي كشف ديوان المحاسبة عن كارثة فساد نتنه بعمليات الاعتمادات المستندية ، وهاهي الكرة تعاد ولا شك ان اللصوص الان يشحذون سكاكينهم لهذه الوجبة الدسمة