يَعيشُ شاطئ الصيادين بنواكشوط ، حالة شلل تام بسبب القرار الذي أصدرته السلطات الموريتانية قبل أسبوعين، ويقضي بمنع الصيادين التقليديين السنغاليين من العمل في الشواطئ الموريتانية.

القَرارُ الموريتاني الذي لم يكن مفاجئا وفق بعض المراقبين، جاء ردا على طرد السنغال لمئات المنمين الموريتانيين قبل أشهر من أراضيها في أحدث أزمة سياسية صامتة بين البلدين الجارين.

قَرارٌ صَادِم 

هُنا على شاطئ الصياديين بنواكشوط، يجلل الوجوم والاكتئاب وجوه العاملين ،حيث بدأ الإحباط واضحا عليهم جراء هذا القرار.

ولا يُخفي "دمبا سي" وهو أحد المستثمرين الموريتانيين في الصيد التقليدي بنبرة يسودها الغضب، انزعاجه من الخطوة الموريتانية التي أدت إلى خسارته أموالا طائلة، داعيا سلطات بلاده إلى التراجع عن هذا القرار.

 "دمبا سي" قال إنه "جهز قبل شهرين 4 قوارب صيد بتكلفة بلغت 3 ملايين أوقية، أي ما يعادل 10 آلاف دولار أمريكي على أن يتولى العمل عليها مجموعة من الصيادين السنغاليين لسبعة أشهر قادمة ،إلا أن طرد العاملين في مشروعه الاستثماري من حملة الجنسية السنغالية، أدى الى توقفه وخسارته لهذا المبلغ".

وطالب "دمبا سي "  في حديثه لـ"أصوات الكثبان" من وزارة الصيد الموريتانية تعويض الفاعلين في مجال الصيد التقليدي من أمثاله عن خسارتهم، جراء طرد الصياديين السنغاليين الذين يعتبرون العمود الفقري للمستثمرين في مجال الصيد التقليدي بموريتانيا.

حَالُ "دمبا سي" لا يختلف كثيرا عن حال عشرات المستثمرين في مجال الصيد على شاطئ الصياديين، حيث وجدوا أنفسهم عرضة للإفلاس جراء خطوة حكومية اعتبروها "ارتجالية ولا تخدم الاقتصاد الوطني ولاعلاقات حسن الجوار".

وقال "عدنان"وهو مالك لزوارق صيد تقليدية لـ"أصوات الكثبان" إن "غياب سياسات حكيمة في مجال الصيد هي التي أوصلتهم الى هذا الحال"، معتبرا أن "قرارا من هذا النوع كان سيكون مقنعا لو قامت الحكومة قبل سنوات بتشجيع عمل الشباب الموريتاني في مجال الصيد التقليدي، حتى يكون مستعدا لملئ فراغ الصيادين الأجانب، في حال قررت الحكومة طردهم كما حصل الآن".

نتائج عكسية

رغم أن الشواطئ الموريتانية من أغنى شواطئ العالم بالأسماك، إلا أن أكثر من تسعين في المئة من الصيادين العاملين بها من الجنسية السنغالية، لذا فقد توقفت عمليات الصيد الشاطئي بشكل شبه كامل بعد طرد السنغاليين، وهو ما نتج عنه ندرة الأسماك على الشاطئ وفي الأسواق وارتفاع أسعارها بشكل جنوني.

وتُؤكدُ "عيشة"التي التقيناها على شاطئ الصيادين أن أسعار السمك تضاعفت أكثر من مائتين في المائة، فسعر سمكة "يايبوي" مثلا وصل إلى 250 أوقية بدل 30 أوقية،وسعر الكيلوغرام من سمك "أزول" وصل 1500 أوقية بدل 400 أوقية.

هذا الارتفاع الجنوني، تعزيه "عيشة" بطريقة تهكمية، إلى غياب الصيادين السنغاليين، "فهم وحدهم من يعرفون البحر وأسراره ،أما أبناء بلدها فلا يُحسِنُونَ سوى أكله في المنازل".

من جانبها بررت الحكومة الموريتانية، على لسان "الناني ولد اشروقه"وزير الصيد والاقتصاد البحري، خطوة طرد الصياديين السنغاليين في إطار ما اعتبرته "خطوات ضرورية لمرتنة مهنة الصيد التقليدي، وجعلها حكرا على الموريتانيين".

وقال الوزير الموريتاني في آخر اجتماع له بالفاعلين في مجال قطاع الصيد التقليدي إن "قرار مرتنة طواقم الصيد التقليدي لا رجعة فيه، وإن الدولة مستعدة لتحمل كافة الآثار السلبية  المترتبة في سبيل تحقيق هذا الهدف".

وأضاف الوزير أنه "تم القيام بإجراءات مصاحبة للقرار كتسريع تكوين الصيادين التقليديين من طرف الأكاديمية البحرية وبناء سفن الصيد الشاطئي من طرف شركة بناء السفن بمعدل خمس سفن كل شهر بدلا من واحدة".

ودعا  وزير الاقتصاد الموريتاني في هذا المنحى القطاع الخاص للإسهام في تحقيق هذا الهدف من خلال دعم تكوين الصيادين التقليديين، مؤكدا أن الدولة اتخذت إجراءات أخرى من بينها إنجاز بنى تحتية جديدة، حيث يجري الآن بناء ميناء" تانيت" للصيد التقليدي شمال نواكشوط ضمن موانئ أخرى.

مبعوث سنغالي يخطب ود نواكشوط

لم يمض أسبوع واحد على طرد الصيادين السنغاليين من موريتانيا، حتى وصل إلى نواكشوط وزير الصيد السنغالي "عمر غي" في محاولة منه لإثناء سلطات نواكشوط عن هذا القرار.

وقال الوزير السنغالي في مؤتمر صحفي عقده بنواكشوط إنه فشل في مساعيه، معتبرا أن "بلاده تتفهم الخطوة الموريتانية وأنها ستشرع في تنسيق عملية ترحيل الصيادين السنغاليين إلى بلادهم بالتعاون مع السلطات الموريتانية والسفارة السنغالية بنواكشوط".

وأشاد الوزير السنغالي بالتعاون بين بلاده وموريتانيا، مؤكدا سعي البلدين لتفعيل اللجنة المشتركة، من أجل الدفع بعلاقات البلدين نحو المزيد من التنسيق، بغرض حماية اقتصاد البلدين.

رجل الدين السنغالي مصطفى سي تلقى وعودا رسمية بعودة الصيادين السنغاليين الى العمل في موريتانيا 

بعد فشل الدبلوماسية السنغالية في احتواء أزمة الصيادين بموريتانيا، دفعت داكار برجل الدين الصوفي "مصطفى سي" الذي يحظى بعلاقات واسعة مع صناع القرار في موريتانيا من أجل التوسط لدى نواكشوط بغرض تسوية هذه الازمة بطريقة ودية.

وشهد قصر المؤتمرات بنواكشوط خلال الأيام الماضية حضور آلاف البحارة السنغاليين من أجل استقبال الشخصية السياسية السنغالية "مصطفى سي" الذي بدأ في لقاء شخصيات بارزة لإقناعهم بالعدول عن قرار منع الصيادين السنغاليين من الصيد فى المياه الموريتانية.

وتجمهر آلاف السنغاليين أمام قصر المؤتمرات بنواكشوط موشحين بثياب بيضاء تعبيرا عن حرصهم على السلام.

وبحسب مصادر رسمية تحدثت لـ"أصوات الكثبان" فإن الحكومة الموريتانية أعطت وعدا "للشيخ سي" بعودة بعض الصيادين السنغاليين إلى العمل في المياه الموريتانية خلال الأشهر القادمة  شريطة استكمال جميع الاجراءات القانونية.

موريتانيا والسنغال مصالح تفرض حسن الجوار

شكلت مراعي السنغال الخصبة وشواطئ موريتانيا الغنية بالأسماك عاملا قويا  لاستقرار علاقة البلدين الجارتين خلال العقود الماضية.

ولكن بصفة عامة طالما تأثرت العلاقات بين الدولتين الجارتين بسبب سوء تفاهم متبادل.

وشهدت العلاقات فتورا قويا بعد الحرب السنغالية-الموريتانية 1989 التي اندلعت بسبب خلاف مماثل  نشب بعد طرد منمين موريتانيين من السنغال قوبل بطرد الصياديين السنغاليين.

ولا يفصل بين البلدين، إلا نهر السنغال الذي يُسميه الموريتانيون في أوقات الأزمات "نهر صنهاجة"، كنوع من الاستفزاز لجيرانهم في الجنوب.