مع قرار برلمان طبرق في جلسة الإثنين الماضي بسحب الثقة من حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج، التي تحظي بدعم غربي كبير، تدخل ليبيا متاهة جديدة وحالة من الفوضى والغموض وهو ما يمثل انتكاسة جديدة لجهود تحقيق الاستقرار في السلام في البلاد.

وأثار قرار المجلس موجة من الخلافات الحادة بين مؤيدي رئيس الحكومة، فائز السراج، ومعارضيه حول شرعية جلسة التصويت، وقالت الكتلة الداعمة للسراج إنهم تفاجؤوا بعقد الجلسة، وإن التصويت لم يكن ضمن أجندة الجلسة، ولم يحضر عدد كبير من مؤيدي السراج.

وفيما طالب رئيس المجلس عقيلة صالح بعودة كلّ من النائبين بالمجلس الرئاسي علي القطراني وعمر الأسود للمشاركة في تشكيل الحكومة، وإعطاء فرصة أخيرة للمجلس الرئاسي لتقديم تشكيلة حكومته الجديدة، أكد ناشطون وسياسيون ليبيون على عدم قانونية هذه الخطوة مشددين على أن المجلس الرئاسي وبموجب المادة 180 من القانون رقم 4 المتعلقة باللائحة الداخلية لمجلس النواب يكون قد استوفى فرصته الثانية والأخيرة، ما يعني فتح الباب أمام لجنة الحوار لإعادة اختيار رئيس ونائبين جديدين للمجلس الرئاسي.

وفى تقرير إخباري أعدته صحيفة "واشنطن بوست"،حذر خبراء دوليون في السياسة من التبعات السياسية والعسكرية التي قد تترتب على تصويت مجلس النواب بعدم منح الثقة لحكومة الوفاق المنبثقة عن المجلس الرئاسي وتأثير هذه التبعات على الأوضاع العامة في ليبيا.وأضاف الخبراء بأن تحقق فرضية إلزام رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج بإستبدال بعض أو جميع الوزراء المرشحين لحمل الحقائب الوزارية في حكومة الوفاق سيسهم بتعميق حالة عدم الإستقرار في ليبيا.

وفى خطوة جديدة تنذر بتصعيد قادم،دعا رئيس حكومة الإنقاذ، خليفة الغويل، اليوم جميع أعضاء حكومته لممارسة أعمالهم في طرابلس، باعتباره سلطة شرعية عقب التصويت بعدم منح الثقة لحكومة الوفاق الوطني، لسد ما وصفه بالفراغ وتقديم الخدمات للمواطنين، وحمل الغويل في رسالة تحصلت بوابة افريقيا الإخبارية على نسخة منه المجلس الرئاسي ما أسماه الفوضى التي تشهدها البلاد حالياً.

وكانت العاصمة الليبية شهدت مؤخرا تطورات تنبئ بتجدد الصراع على النفوذ والسلطة، تجلى ذلك في سيطرة مسلحين يتبعون لكتيبة "ثوار طرابلس" على مقر جهاز المخابرات العامة.وظهرت في أعقاب هذه التطورات ملصقات في شوارع طرابلس معادية للإخوان المسلمين ولمفتي الديار الليبية الصادق الغرياني، ما يشير إلى احتمال نشوب صراع مسلح بين الفرقاء على النفوذ والسلطة في عاصمة تعج بالمليشيات والتشكيلات المسلحة المتنافسة ويعاني سكانها من ظروف معيشية وأمنية متردية.

على صعيد آخر،يبقى المشهد العسكري جد متقلب في ليبيا،فمن جهة، تتواصل المعارك على جبهة سرت، مع مؤشرات تقدم كبير لقوات البنيان المرصوص، دون أن يكون الحسم كاملا، لكن تراجع عناصر تنظيم "داعش" يفتح الباب أمام تسرب العديد من عناصره إلى وجهات كثيرة منها أوروبا، وأيضا إلى دول الجوار.

ومن جهة أخرى،تثار مخاوف أيضا من استفحال الصراع والتجاذب القائم بين قوات حكومة السراج والجيش الوطني بقيادة حفتر، حيث هددت ما يعرف ب"غرفة عمليات طرابلس" التابعة للقيادة العامة للجيش الليبي في شرق ليبيا، بإسقاط أي طائرة تقترب من قاعدة الوطية المعروفة باسم “عقبة بن نافع” الجوية، ما يضع احتمالات اندلاع مواجهات جديدة بين الجيش الذي يقوده خليفة حفتر والقوات الموالية لحكومة الإنقاذ الوطني في غرب ليبيا برئاسة فائز السراج قائمة.

وجاء رد الفعل من الجيش الوطني الليبي بعد إعلان غرفة "عملية البنيان المرصوص" عن الشروع في تنفيذ طلعات استطلاعية تغطي المنطقة الوسطي بالكامل حتى أقصي الجنوب الليبي، وفي المنطقة الغربية حتى معبر رأس جديد والحدود الليبية ­ التونسية، وهو ما اعتبر تجاوزا لحدود غير مرسومة ولكنها قائمة في الميدان بين حكومتي الشرق والغرب في ليبيا.

وتثبت العديد من الانقسامات في ليبيا صعوبة إصلاحها. فقد كان من المفترض أن توحد حكومة الوفاق الوطني القوات المقاتلة في البلاد، بيد أن الأخيرة تبدو عاجزة عن توحيد الصف الليبي.ومن الصعب التنبؤ بمستقبل ليبيا في ظل الفوضى العارمة التي تشهدها، فالمشهد الآن ضبابي إلى حدا ما، ولكن الأيام القادمة ستوضح الصورة أكثر وسيتضح منه ما ستؤول به الأحداث القادمة.