تشهد ليبيا صراعات طاحنة، حيث تهيمن عليها ميلشيات مسلحة تستهدف السيطرة على مناطق نفوذ فى البلاد،مستغلة في ذلك تواصل حالة الإنقسام السياسي بين الفرقاء وعجزهم عن إرساء سلطة موحدة قادرة على بسط نفوذها وإنهاء الفوضى الأمنية التى تعصف بليبيا.

ومن مدينة إلى أخرى،تتواصل حالة الفلتان الأمني والصراع المسلح الذى أسال أنهارا من دماء أبناء ليبيا.وآخر هذه الفوضى الأمنية ما تشهده مدينة صبراتة الساحلية التى تقع غرب العاصمة طرابلس على مقربة من الحدود مع تونس،من اضطراب الأوضاع الأمنية إثر إندلاع إشتباكات عنيفة أدت إلى وقوع عدد من الضحايا.

إشتباكات

اندلعت اشتباكات مسلحة في مدينة صبراته الساحلية،الأحد 17 سبتمبر 2017،  بين غرفة عمليات مكافحة تنظيم داعش التابعة لحكومة الوفاق والقوات المساندة لها وميليشيا الدباشي.وبدأت الاشتباكات وفق تقارير، باستخدام الأسلحة المتوسطة والثقيلة، وأغلقت غرفة العمليات الطرقات وسط المدينة بعد تدمير دبابة في المكان وتساقط قذائف المدفعية والدبابات، فيما قتل شخصان من الميليشيات.وأصدرت الغرفة تحذيرات للمواطنين الذين يسلكون الطريق الساحلي بتجنب جنوب صبراتة، باعتباره أصبح ساحة عمليات.

وعقب ذلك،ساد هدوء حذر مدينة "صبراتة" غرب العاصمة الليبية "طرابلس"،الإثنين 18 سبتمبر 2017،وأعلنت غرفة عمليات محاربة تنظيم داعش بصبراتة عن قرارها بوقف إطلاق النار من قبلها بناء على طلب من الهلال الأحمر، وذلك لإخراج العائلات العالقة بالمدينة، مشيرة في منشور عبر صفحتها على الفيس بوك أن الغرفة ليست مسؤولة عن أي خرق من الطرف الآخر.

وتجددت المواجهات العنيفة صباح الثلاثاء 19 سبتمبر 2017،وفق ما أفاد به مصدر عسكري رفيع المستوى فى تصريح لبوابة افريقيا الأخبارية.وأكد المصدر العسكري من غرفة عمليات محاربة تنظيم داعش سقوط قتيل و 12 جريح فى القوة المساندة لهم فيما جرح 8 عسكريين إصابة فى مواجهاتهم العنيفة ،الثلاثاء ،مع ميليشيا الدباشي التابعة لوزارة دفاع حكومة الوفاق.وأوضح المصدر العسكري ان انتشار القناصين على أسطح المباني من بينها المجمع الاداري وسط صبراتة هو ما أعاق تقدمهم للسيطرة بشكل كامل، مشددا على ان قوات الغرفة مستمرة فى عملياتها العسكرية ضد هذه المجموعات الخارجة عن القانونية.

طرفي النزاع

تأسست غرفة عمليات محاربة تنظيم الدولة (داعش) بصبراتة في مارس 2016، من قبل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، ويتكون معظم عناصرها من أفراد عسكريين نظاميين.وتنحصر مهمة الغرفة بملاحقة ورصد أي تحركات لتنظيم داعش في صبراتة وضواحيها.

وفي المقابل تعد ميليشيا "العمو" أكبر ميلشيا رئيسية في الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين إلى أوروبا،ويتزعم المليشيا أنس الدباشي المعروف بلقب  العمو،والذى نقلت عنه صحيفة ذا صنداي تايمز" البريطانية في أول سبتمبر الجاري،قوله  إنه أبرم اتفاقا مع حكومة الوفاق الوطني في طرابلس لوقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا.

ووفق الصحيفة فإن الاتفاق جاء مقابل سيارات وقوارب والاعتراف بقواته باعتبارها قوى أمنية شرعية، مضيفة أن الدباشي قابل مسؤولين من حكومة الوفاق الوطني، في يوليو الماضي، لمناقشة سبل إنهاء أنشطة الاتجار بالبشر عند سواحل ليبيا، وخلال اللقاء، اتفقوا على إسقاط التهم الجنائية الموجهة ضد قواته.

ولفتت ذا صنداي تايمز إلى أن كتيبة (أنس الدباشي) متهمة بالتورط في تهريب المهاجرين عبر سواحل ليبيا، وتعد من المجموعات الرئيسية المسيطرة على تلك الأنشطة في مدينة صبراتة.وكشفت تقارير غربية، أبرزها صحيفة "كورييري ديلا سيرا" الإيطالية، عن عقد السلطات الإيطالية اتفاقا مع أنس الدباشي، صفقة، تتضمن مكافحة قواته لقوارب الهجرة غير الشرعية المنطلقة من مدينة صبراتة، وإنشاء مركز إيواء بالمدينة، مقابل تقديم دعم مالي إيطالي يقدر بخمسة ملايين يورو.

لكن الدباشي نفى عقد أي اتفاق مع إيطاليا، ونفى التهم الموجهة إلى قواته بالتورط في تهريب البشر، وقال إن كتيبته، التي تضم 500 مقاتل، جزء من وزارة الدفاع التابعة لحكومة الوفاق، مؤكدا: أن ما يتردد حول حصولنا على أموال من حكومة إيطاليا مجرد شائعات لا أكثر، ونحن نعمل فقط على ضبط السواحل.

تحالفات

وفي إطار الصراع الدائر فيها،باتت مدينة صبراتة مسرحا لتحالفات الجماعات المسلحة،حيث ذكر شهود عيان لبوابة افريقيا الإخبارية، ان عناصر هاربة من سرايا دفاع بنغازي المصنفة بالإرهابية تساند ميليشيا "أنس الدباشي" فى المواجهات العنيفة ضد غرفة عمليات مكافحة ومحاربة تنظيم داعش المنطقة الغربية.وأكد شهود العيان فى حديثهم،الأحد، أن من بين العناصر الأرهابية من سرايا دفاع بنغازي قناصين على أسطح المباني المرتفعة، من اجل استهداف العناصر الأمنية والعسكرية.

هذه الرواية دعمها آمر غرفة عمليات محاربة تنظيم داعش فى حديثه مع بوابة أفريقيا الإخبارية، حيث كشف عن القبض منذ أكثر من أسبوع على عنصرين يحمل أحدهم يحمل الجنسية السنغالية والأخر الأثيوبية والسنغالية ينتميان إلى تنظيم بوكو حرام الإرهابي القريب من تنظيم القاعدة.موضحا خلال حديثه أن ما يعيق تقدمهم بشكل واسع إنتشار القناصين على أسطح المباني المرتفعة، ما عرقل تقدم القوات المسلحة، إلا أنه وخلال فترة قصيرة سيتم الحسم والقضاء عليهم بشكل كلى، وطمأن ابناء مدينة صبراتة بأن القوات تقاتل من أجل الحق ضد المجرمين.وفق تعبيره.

 من جهة أخرى،نقلت وسائل إعلامية مصادر أمنية من مدينة صرمان،الثلاثاء،إنضمام كتيبة"الفاروق "التابعة لغرفة عمليات ثوار ليبيا بقيادة شعبان هدية المكنى"أبوعبيدة الزاوي"الى الاشتباكات الدائرة فى صبراتة.و قالت المصادر أن قوة قوامها ما يقرب عن 20 عربة مسلحة إحتشدت غربي مدينة الزاوية قرب مبنى التراخيص فى إتجاه صرمان ثم صبراتة لدعم الكتيبة 48 المعروفة باسم كتيبة" الشهيد انس الدباشي" التي يقودها أحمد الدباشي.

جديرٌ بالذكر أن "أبو عبيدة الزاوي" هو "أمير" أقوى الفصائل المسلحة غرب ليبيا المقربة من تنظيم القاعدة ويلقب بـ"ظواهري ليبيا" نسبةً إلى أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة نظراً للدور التنظيمي الذي يقوم به في ليبيا. اعتقلته السلطات المصرية عام 2013، على خلفية اختطاف سبعة دبلوماسيين مصريين من السفارة المصرية بطرابلس، قبل أن يتم الإفراج عنه مقابل إطلاق الدبلوماسيين المصريين السبعة.

و تعرف كتيبة الفاروق ايضاً باسم "كتيبة شهداء الزاوية" و قد أعتقلت السعودية يوم 28 يونيو آمرها محمد الخذراوي و آخرٌ يدعى محمود بن رجب هو قيادي بكتيبة "الشهيد حمدي بن رجب"  إضافة لحسين زعيط القيادي بكتيبة "الشهيد محمد الكيلاني" و جميعها تابعة لغرفة عمليات ثوار ليبيا.

يأتي هذا في وقت كشف مصدر قيادي فى غرفة عمليات محاربة تنظيم داعش فى غرب ليبيا خلال تصريح لبوابة أفريقيا الإخبارية، الثلاثاء،توقعه لوقوع هجوم مباغت من قبل الجماعات الإرهابية على مدينة صبراتة لمساندة مجموعاتهم المحاصرة ، مؤكدا فى نفس الوقت جاهزية كامل قواتهم على قطع دابر الميليشيات المؤدجلة والخارجة عن القانون والمنتمية للجماعات الإرهابية من داعش وأنصار الشريعة والليبية المقاتلة والإجرامية على حد قوله.

داعش على الخط

مع إحتدام المعارك في صبراتة،برز على السطح إسم تنظيم "داعش"،حيث أعلن آمر غرفة عمليات محاربة تنظيم الدولة في صبراتة ،العميد عمر عبدالجليل فى تصريح خاص لبوابة أفريقيا الإخبارية، أن معركتهم الحالية ضد عناصر إرهابية مختلفة من بينها تنظيم داعش الإرهابي.وأشار العميد " عبدالجليل " بأنه مع بدء المعارك أتضح للغرفة، أن من تقاتلهم هم عناصر من تنظيم داعش الإرهابية وليست مجموعة ليبية خارجة مجرمة خارجة عن القانون فقط، وكشف حقيقتهم، كان من خلال التحقيقات مع أحد الأفراد المعتقلين لديهم وهو ليبي الجنسية، حيث كشف عن وجود جنسيات أخرى تقاتل معهم من بينها العربية والإفريقية تنتمي لتنظيم داعش.

وكانت  غرفة عمليات محاربة تنظيم الدولة في صبراتة،كشفت عن مقطع فيديو لعملية تحقيق مع أحد مقاتلي سرية أنس الدباشي الملقب بـ"العمو"، مبينةً بأن المقاتل الذي تم القبض عليه بمحور العقوبي اسمه محمد علي العمامي .حيث قال العمامي خلال اعترافاته أنه من ضمن المقاتلين في سرية أنس الدباشي مقاتل تونسي الجنسية لم يذكر اسمه ، كاشفاً بأن المقاتل التونسي كان يقاتل ضد قوات غرفة مكافحة تنظيم الدولة وقد سمعه وهو يتحدث عبر هاتفه باللهجة التونسية.

ومثلت مصراتة هدفا رئيسيا لتنظيم داعش الذى سعى منذ تواجده في ليبيا الى السيطرة على المدينة في اطار خطط انتشاره وتمدده في البلاد.ففي 10 ديسمبر 2015،أعلن التنظيم أن صبراتة إمارة إسلامية وعاصمة له في ليبيا.وكانت المدينة شهدت قبل ذلك بساعات استعراض أرتال عسكرية قوامها 30 آلية مسلحة، ورفع خلالها المسلحون الرايات السوداء.وفي 19 ديسمبر 2015،قام عناصر من تنظيم داعش، بتفجير مبنى الاستخبارات في مدينة صبراتة ما أدى إلى إصابة شخصين.

ورغم إعلان تحريرها منذ 27 فبراير 2016،والحديث عن نهاية داعش في صبراتة واندحاره منها، فإن التحذيرات تواصلت حول إستمرار تواجد خلايا التنظيم وسعيه للعودة،وأشارت عدة تقارير الى أن التنظيم مازال يشكل خطرا على المدينة التي تمثل بالنسبة اليه موقعا استرتيجيا فهي لا تبعد كثيرا عن تونس، كما أنها تُعتبر عصب المنطقة الغربية في الأراضي الليبية. وتتضمن صبراتة منطقة مليتة الغنية بالغاز ومركز إنتاج الغاز الذي يُصدّر لأوروبا.