شخصيات المغرب بدت خلال عام 2014 محكومة بثلاثية غريبة ورهيبة، تقوم أركانها على الفضيحة والموت والتميز. عديدة هي الشخصيات السياسية في المغرب التي كانت وبشكل غير مسبوق تحت رحمة فضائح همت هذه السنة على نحو خاص وزارء وموظفين كبار. فضائح إما جديدة ووليدة أنفاس العام الذي نودعه ، او كانت تحت رماد السنوات الماضية بانتظار ما ينفخ الروح في جذوتها.

أحدث هذه الفضائح طال وزير وزير الشباب و الرياضة محمد أوزين خلال شهر ديسمبر بسبب ما عرف بفضيحة المركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله بالرباط يوم 13 دجنبر، إذ تحول الملعب الذي صرفت عليه أموال طائلة، والعالم يتابع بطولة الأندية التي نظمت في المغرب ، إلى ما يشبه البِركة بسبب تساقطات مطرية قليلة في المباراة التي جمعت ما بين فريق كروز آزول وفريق وندرز.
حكومة عبد الاله بنكيران وبدل أن تفتح تحقيقا في الموضوع للوقوف على مكامن الخلل والمسؤول (أو المسؤولين ) عنه ، بادرت إلى التهوين من شأن الموضوع معتبرة على لسان رئيسها  عبد الإله بن كيران أن ما وقع لا يرقى إلى "الكارثة الوطنية"، وهو ما أثار حفيظة مغاربة كثيرين. وأمام الغضب الشعبي العارم من وقع الفضيحة وطبيعة رد بن كيران ، دخل الملك محمد السادس على الخط ليأمر بتعليق أنشطة الوزير أوزين ، مطالبا الحكومة بفتح تحقيق معمق حول فضيحة ملعب مولاي عبد الله بالرباط. في باقي المشهد، فضائح قديمة بعض الشيء تجدّدت فصولها ملاحقة أصحابها، غير أن الملاحظ أنه كلما فُتح تحقيق سرعان ما يقبر في مهده، أو يتواصل دون نتائج تذكر..

ومن الفضائح التي شهدت فصولا جديدة ، ما عرف شعبيا بـ فضيحة "مول الشكلاط" في إشارة إلى الوزير عبد العظيم الكروج المتهم باقتناء شكلاطة وحلويات بقرابة 34 ألف درهم (أي ما يعادل 3500 دولار) من نفقات الدولة، نزولا عند طلب والدته  للاحتفاء بمولود ذكر للوزير، في قصة تعود  أطوارها إلى عام  2012.. الوزير أقر بالمشكلة لكنه حمل مسؤوليتها للسائق الذي "يقف وراء الخلط بين ماهو للوزارة وماهو للعائلة".
من جانبه، وزير الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، محمد مبديع كان جر عليه دفاعه الضمني عن رئيس الوزراء الإيطالي السابق، سيلفيو برلسكوني، انتقادات واسعة واتهامات بالزج بالدولة في قضيّة خارجية لا تهم المغرب وينظر فيها القضاء الإيطالي. وكان الوزير قال إن بيرلوسكوني عندما مارس الجنس مع الراقصة المغربية المعروفة بـ "روبي"، لم تكن قاصراً ، مؤكدا أنه وقّع شهادة ميلادها سنة 1992، عندما كان رئيساً لبلدية الفقيه بن صالح التي تنحدر منها روبي. وأقر الوزير بأنه أرسل إلى إيطاليا عبر الحقيبة الدبلوماسية وثائق من سجل الحالة المدنية لروبي.

وفي خضم هذه الفضائح ، وفضائح أخرى أكثر حجما أو أقل، شهد شهر نونبر إقالة مدير عام صندوق الإيداع والتدبير أنس العلمي من منصبه المتابع في فضيحة عقارية ، عُرفت بقضية "باديس". ومقابل هذه الفضائح عرف المغرب خلال 2014 بعض الشخصيات التي اتسمت بالجدية والعمل ، لكن بدا "النهج الفضائحي" الأكثر قدرة على بصم العام في عيون المغاربة.

متميزون رغم "أعطاب التنمية"
يجمع  قطاع عريض من المغاربة على أن وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، يستحق أن يكون شخصية  2014، بالنظر إلى اهتمامه بإصلاح قطاعه والتزامه بالعمل ، بل ولدوره الحيوي في جلب الاستثمارات إلى البلاد .وقد اختارت أسبوعية “ماروك إيبدو أنترناسيونال” الوزير رجل سنة 2014. وبررت الأسبوعية، الاختيار بعمل الوزير الرميد على ترسيخ " ترسانة قانونية من شأنها أن تعكس تطلع المغرب إلى مجتمع حداثي، وبناء قضاء مستقل ومنصف". على أن هناك شخصيات أخرى استطاعت أن تنتزع تقدير المغاربة خلال عام 2014 ، كوزير الصحة، الحسين الوردي، الذي حرص على الضرب على أيدي المفسدين في قطاع الصحة بالبلاد. ورئيس مجلس النواب رشيد الطالبي العلمي، لحزمه ضد البرلمانيين المتغيبين، وعمر هلال سفير المغرب لدى الأمم المتحدة لنشاطه الدبلوماسي في ما يعرف بـ "دبلوماسية الصحراء" في نيويورك .. إلا أن المغرب لم يخل مما عرف بـ "أعطاب تنمية" على مستويات عديدة ، وهي أعطاب ومشاكل لم تفت العاهل المغربي التنبيه لها في خطابات ومناسبات متعددة ، حيث شدد على ضرورة إعادة النظر في أساليب التعليم وفي التفاوتات الاجتماعية الصارخة. كما وجه العاهل المغربي انتقادات لاذعة للطبقة السياسية والحزبيين في افتتاح الدورة البرلمانية.

بروز الملك محمد السادس خلال 2014، إن داخليا بمشاريع تنموية واعدة ، أو خارجيا من خلال مبادرات اقتصادية أطلقها مع دول افريقية أخرى ، دفعت بيتر فام مدير "افريكا سانتر" التابع لمجموعة التفكير الأميركية المؤثرة "أتلانتيك كارتيل" إلى القول بأن سنة 2014 كرست ريادة المغرب بافريقيا باعتباره مركزا محوريا في القارة . أسبوعية "جون آفريك" الفرنسية ، أوردت من جانبها استطلاعا أفاد أن العاهل المغربي الملك محمد السادس ، يعد أحد أبرز القادة الدينين الأكثر تأثيرا في القارة الافريقية ، وذلك ضمن قائمة طغا عليها رجال الدين المسيحيون. كما حصل العاهل المغربي على وسام التميز لأكثر الشخصيات تأثيراً في العالم، بعد احتلاله الرتبة الأولى في التصويت الذي أجراه المجلس الدولي لحقوق الإنسان والتحكيم والدراسات السياسية والإستراتيجية، لإختيار الشخصية السياسية الأكثر تأثيرا في العالم.

الموت بالمرصاد
عام 2014 غيب وجوها عديدة في المغرب - طبعا لا يمكن أن نأتي على ذكرها جميعا في هذا التقرير، وما سنسوقه هو اعتباطي وعلى سبيل المثال لا الحصر - ،  منهم البرلماني الراحل أحمد الزايدي الذي يوصف بأنه "ممارس للسياسة بنبل". وأجمع القادة السياسيون على اعتبار موته المفاجىء غرقا في وادي الشراط في ضواحي الرباط خسارة حقيقية للمغرب ورزءا في سياسي وحزبي رزين ونظيف.

 وشاء القدر أيضا أن يلقى بعد أسابيع في المكان نفسه ، سياسي آخر بسبب قطار قاتل، في حادث أدخل المغاربة في صدمة ثانية.. يتعلق الأمر بوفاة من كان يوصف بحكيم حزب العدالة والتنمية الحاكم عبد الله باها الذي كان يشغل منصب وزير الدولة.
 وغيب الموت أيضا عن سن يناهز 81 سنة ، المهدي المنجرة ، الذي يعد أحد أبرز علماء المستقبليات العرب، والذي ترأس الاتحاد العالمي للدراسات المستقبلية، وشغل مناصب قيادية عديدة في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة .
وكان المنجرة من أكبر المراجع العربية والدولية في القضايا السياسية والعلاقات الدولية والدراسات المستقبلية، كما عرف بمواقفه المثيرة للجدل الموجهة لعدد من المنظمات الدولية، التي خبر أروقتها ومتاهاتها عربيا ودوليا. 
في مجال الفن ، كان آخر الفنانين الذين طوتهم 2014 ، الممثل محمد البسطاوي ، الذي تألق في اعمال مسرحية وسينمائية وتلفزية ، بأدوار نالت رضى الجمهور.

أما في المجال الرياضي ، فرحل في بداية عام 2014 الحارس السابق لنادي الجيش الملكي والمنتخب المغربي عبد القادر البرازي نهاية شهر يناير من هذه السنة، الذي كان أول مغربي يحترف بالدوري المصري من خلال تجربة مع نادي الإسماعيلي المصري استغرقت عامين (1998- 2000)، كأول مغربي يحترف بالدوري الممتاز المصري. ويأبى عام 2014 إلا أن يغيب المزيد من الرموز في لحظاته الأخيرة ، حيث فارقت الحياة في 27 ديسمبر العداءة فاطمة عوام التي شاركت في أكثر من 300 منافسة دولية رسمية لألعاب القوى. وكان من أهم إنجازاتها تحطيم الرقم القياسي العالمي في مسافة المايل المزدوج في إيطاليا سنة 1987 لتصبح أول مغربية وعربية وإفريقية تحطم الرقم القياسي لهذه المسافة. رحلت عوام وقبلها رحل رياضيون آخرون ، لتبقى الرياضة المغربية يتيمة ومجردة من إنجازات عصورها الذهبية ليس فقط لغياب الأبطال ، ولكن أيضا بسبب فضائح بعض المشرفين على القطاع.