الدعوة التي وجهتها هولندا في وقت سابق من هذا الشهر إلى رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني الليبي، فايز السراج لزيارتها، لا تخلو من أجندة خفية.

ظاهريا، اجتماع السراج مع رئيس الوزراء الهولندي مارك روتي لمناقشة الدعم السياسي كان بمثابة جرعة لحكومة الوفاق ، وهي حكومة لازالت تحتاج لإحكام قبضتها على طرابلس ، ناهيك عن بقية البلاد.

وبعد مرور أكثر من عام على وصولها إلى طرابلس، أصبحت حكومة الوفاق بمثابة عرض "رجل واحد"، وهي "حكومة" بالاسم فقط، في غياب وجود جيش خاص بها، وفي غياب السيطرة على البلد ، وهي التي تم تشكيلها بنية توحيده.

لكنني أعتقد أننا أمام لعبة أخرى أكبر: السراج يسعى للحصول على دعم هولندا بشأن مستقبل ليبيا لاعتبارين.

أولا، لتعبيد الطريق أمام شركة شل الهولندية الملكية للعودة إلى بلد انسحبت منه منذ خمس سنوات مع تصاعد القتال. فإنتاج النفط في ليبيا آخذ في التصاعد، ويلامس مليون برميل يوميا، حتى مع استمرار الحرب ، وشيل تريد حصتها من الكعكة.

والنقطة الثانية تتعلق بمسألة سيف الإسلام القذافي، ابن الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، الذي تم الإفراج عنه في الشهر الماضي ، والذي اتهمته المحكمة الجنائية الدولية - التي تتخذ من العاصمة الهولندية لاهاي مقرا لها- بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

 وبعد الإفراج عنه، قالت فاتو بنسودة، المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية: "ليبيا ملزمة باعتقال سيف الإسلام وتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية، بصرف النظر عن أي قانون عفو مزعوم في ليبيا".

 لكن أين هي أوامر الاعتقال في حق أعضاء داعش والإرهابيين المعروفين في ليبيا؟

مشكلة السراج هي أنه ليس في وضع يسمح له بتسليم سيف الإسلام. وحكومة الوفاق لا سلطة لها خارج طرابلس، والسلطة الوحيدة للسراج داخل العاصمة تتوقف على الميليشيات التي تقرر من يوم ليوم دعمه.

الزنتان، جنوب غرب طرابلس، تتناغم مع منافسي حكومة الوفاق، أي مجلس النواب في شرق ليبيا، وقائد الجيش القوي على الأرض خليفة حفتر الذي قام مؤخرا بتحرير بنغازي. وقد منح هذا البرلمان العفو لسيف الإسلام .

وهذا في الواقع يعطي سيف دورا سياسيا جديدا محتملا، من أجل نزع فتيل التوترات بين مختلف القوى في البلاد، وبعضهم دعم والده، وبعضهم عارضه: ليصبح صانع السلام.

ودعا سيف إلى لجنة للحقيقة والمصالحة لتحقيق هذه الغاية. ويقول مؤيدوه إنه لا يوجد دليل على أنه متورط في الجرائم التي تتهمه المحكمة الجنائية الدولية بارتكابها، وأن ذلك يمكن أن تثبته أي محاكمة في لاهاي. إلا أن التسليم إلى لاهاي يعني محاكمة طويلة، وتمديد فترة الاحتجاز.

ويبدو أن السراج وداعميه من الأمم المتحدة يريدون العكس: محاكمة طويلة، مهما كانت النتيجة، كسبيل لإخراجه من دائرة "التخمر السياسي" الليبي. وأعتقد أنه لهذا يشعرون أن العفو عن سيف الإسلام سيكون مفيدا لمجلس النواب، وليس لحكومة الوفاق، إذا ما سمح بتمتيعه بالحرية.

آخر قطعة من هذا اللغز تنطوي على الطاقة. فقد تعرضت مصالح شل في ليبيا لهجوم متكرر من قبل مختلف المتحاربين خلال ثورة البلاد عام 2011. ويزداد إنتاج النفط الليبي ليس بسبب حكومة الوفاق، بل بسبب مجلس النواب، والجيش الوطني الليبي الذي استولى على معظم صناعة النفط في البلاد من الميليشيات التي كانت تطلب مدفوعات للسماح بالتدفق النفطي.

 في الوقت الراهن ، سيف الإسلام يجد نفسه أمام وضع مسدود. إذ لا يمكن للمدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية إلغاء الاتهامات لأن مجلس الأمن وحده هو الذي يمكنه إلغاء الملاحقة القضائية. وبالمثل، لا يمكن للسراج، مع دعم هولندي أو بدونه، أن يأمل في القبض على سيف الإسلام.

ومنذ أكثر من عقد من الزمان، انضمت فرق كوماندوز هولندية إلى وحدات أميركية وبريطانية وفرنسية لاعتقال مجرمي الحرب الصرب المزعومين في البوسنة ونقلوهم لمحاكمتهم في لاهاي ، لكن اليوم بالنسبة لهولندا سيكون الأمر أكثر صعوبة وإثارة للجدل.

وأعتقد أن السياسة الأكثر استنارة التي ينبغي انتهاجها هو أن تقوم جميع الجهات الفاعلة بدعوة سيف الإسلام لإظهار ما يمكنه القيام به؛ والبدء في عملية المصالحة والمساعدة ضمن فريق من الليبيين لتحقيق السلام في البلاد.

والآن بعد أن تم تحرير بنغازي، وأزمة قطر واجتماع ترامب بوتين، حان الوقت ليصبح لدى ليبيا استراتيجية من أجل مستقبلها وليس مجرد بيدق على رقعة شطرنج بين ترامب وبوتين.

 

*ريتشارد غالوستيان مستشار سياسي وأمني بريطاني مقيم في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ ما يقرب من 40 عاما.

**بوابة افريقيا الإخبارية غير مسؤولة عن مضامين الأخبار والتقارير والمقالات المترجمة