لا زالت قوات الوفاق تبذل مساعيها، لاستعادة مدينة "سرت" من قبضة التنظيم الإرهابي "داعش"،وعلى الرغم من أن قادة عملية "البنيان المرصوص" التي تخوضها هذه القوات منذ شهر يوليو (تموز) الماضي أكدوا اقترابهم من تحقيق انتصار كبير على "داعش"، فان الحسم ما زال غائبا عن أرض المعركة.

الى ذلك، أكد المركز الإعلامي لعملية "البنيان المرصوص"، التابعة للمجلس الرئاسي،الإثنين 14 نوفمبر 2016، استهداف موقع تمركز قناصة تنظيم داعش الإرهابي، بواسطة دبابة في محور الجيزة البحرية آخر معاقل التنظيم بمدينة سرت، وذلك حسبما ذكرت الصفحة الرسمية لقوات "البنيان المرصوص" بموقع التواصل "فيسبوك" وبعد أن استهدفت دبابة تتبع قواتنا موقعاً يتمركز فيه عدد من قناصي داعش. وقالت إنه "في الوقت ذاته تقدمت القوات التابعة للمجلس الرئاسي على أكثر من محور في الجيزة البحرية".

وحققت القوات الحكومية تقدمًا سريعًا مع سيطرتها على المرافق الرئيسة في سرت التي تقع على بعد 450 كيلومترًا شرق العاصمة الليبية طرابلس بعد أقل من عام على سقوط المدينة في يد التنظيم المتطرف في يونيو (حزيران) 2015. ولكن هذا التقدم سرعان ما بدأ في التباطؤ مع وصول القوات المؤلفة من جماعات مسلحة ينتمي معظمها إلى مدينة مصراتة (200 كيلومتر شرق طرابلس) إلى مشارف المناطق السكنية في المدينة، لتتحول المعركة إلى حرب شوارع وقتال من منزل إلى منزل.

دروع بشرية

وما تزال فلول تابعة لداعش تتحصن في منطقة وصفتها حكومة الوفاق بأنها لا تزيد على بعضة أمتار وتقاوم بشراسة القوات الحكومية التي تقاتلها.وتقول هذه القوات إنها لا تستطيع التقدم بالشكل المطلوب حفاظا على أرواح المدنيين الذين يستخدمهم التنظيم دروعا بشرية.وكان مصدر عسكري بغرفة العمليات الميدانية في سرت قال إن "قوات البنيان المرصوص وجهت نداءً عاجلاً للنساء والأطفال المحتجزين مع تنظيم داعش كدروع بشرية في حي الجيزة البحرية بسرت، من أجل الخروج الفوري بعد توفير ممر آمن لهم من جهة البحر". وخروجهم من المدينة.

من جهته،أكد المتحدث الرسمي باسم عملية "البنيان المرصوص" العميد محمد الغصري في حوار مع "الشروق" ان المقاتلين يحاصرون داعش في مساحة ضيقة مشيرا الى ان تأخير الحسم سببه اتخاذ "داعش" المدنيين كدروع بشرية.وأكد الغصري "ان اقتحام آخر معاقل الدواعش في سرت ليس صعبا من الناحية العسكرية ولا يتعدى 24 ساعة لحسم المعركة ولكن عقيدتنا تمنعنا من ضرب الابرياء من النساء والاطفال والشيوخ الذين تأكدنا من وجودهم كدروع بشرية بعد تحريرنا 16 منهم نساء واطفال مغلوبون على أمرهم وعملية الحسم ستتم في أية لحظة بعد تخليص العدد الاكبر من هؤلاء المساكين".

التدخل الأمريكي

 تدخلت واشنطن في الحرب ضد تنظيم داعش بمدينة سرت بناء على طلب رسمي من حكومة الوفاق التي أعلن رئيسها فايز السراج بداية شهر أغسطس الماضي بدء ضربات عسكرية أمريكية محدودة.ومع أن تلك الضربات قد أضعفت شوكة التنظيم الإرهابي ومكنت قوات "البنيان المرصوص" من السيطرة على عدة أحياء في المدينة،إلا أن الحسم العسكري للمعركة لم يتم حتى الآن.

وتترقب قوات حكومة الوفاق ما سيكون عليه الأمر عندما يبدأ الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب مهام عمله رسميا في إدارة البيت الأبيض، لمعرفة الحجم الذي سيكون عليه الدعم العسكري الأميركي لها.وفيما تشير تقارير صحافية أميركية إلى احتمال لجوء القوات الأميركية إلى تكتيك جديد للقضاء على "داعش"، فإن مصادر عسكرية لم تستبعد إمكانية وجود قوات أميركية خاصة في ميدان القتال في مرحلة لاحقة.

وفي هذا السياق،كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية النقاب عن وجود خطة ما زال يجري إعدادها لملاحقة عناصر تنظيم داعش الفارين من سرت، ونقلت عن مسؤولين عسكريين إن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تقوم حاليا بجمع وتحليل البيانات المتوفرة لديها حول فرار مقاتلين من سرت باتجاه مناطق مجاورة.ورصدت الوزارة فرار عشرات المقاتلين الدواعش من ساحة المعارك في سرت، علما بأنها المرة الأولى التي يعلن فيها البنتاغون عن رصد تجمع مئات المقاتلين خارج سرت؛ وسط مخاوف من احتمال تنفيذهم هجمات انتقامية ضد القوات الليبية.

وتخشى واشنطن من أن يعيد التنظيم الإرهابي تشكيل نفسه من جديد خاصة أنه لا توجد قوة عسكرية نظامية قادرة على مواجهة التنظيم.وكان الجيش الأمريكي قد أعلن نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم انتهاء العمليات العسكرية الأمريكية في سرت لكنه أبقى الباب مفتوحا للتدخل مرة أخرى في حال اقتضى الأمر.ويرى مراقبون أن التحضيرات لبدء عمليات تعقب المقاتلين في محيط سرت قد تأخذ بعض الوقت لتفادي وقوع ضحايا بين المدنيين وهو ما قد يثير امتعاض الليبيين ويضعف شرعية حكومة الوفاق الهشة.

حرب تطول

مرت ستة أشهر منذ انطلاق المعارك لتحرير مدينة سرت من قبضة داعش الذي يسيطر عليها منذ أقل من عامين.وقد أوقعت المعارك خسائر بشرية كبيرة في صفوف المقاتلين الحكوميين حيث بلغت الحصيلة 667 قتيلا و 3000 آلاف جريح؛ فيما يقدر المتحدث باسم غرفة عمليات تحرير سرت رضا عيسى ضحايا داعش بما بين 1.800 و 2000 قتيل.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن رضا عيسى، وهو أحد الناطقين باسم القوات الموالية لحكومة السراج، في معرض تبريره لتأخر حسم المعركة، تحولها إلى ما وصفها بـ"حرب شوارع شرسة جدًا يستميت (داعش) لإطالتها في أمتارها الأخيرة".وأضاف أن "الحرب طالت، لكنها في النهاية معركة وليست مباراة كرة قدم حتى نضع لها إطارًا زمنيًا محددًا. الأهم بالنسبة إلينا الحفاظ على حياة مقاتلينا وعلى المدنيين الذين يتخذهم "داعش" دروعًا بشرية، ولو تطلب ذلك التقدم ببطء".

وتنفذ عناصر "داعش" في سرت،عمليات انتحارية، مما يفسر ندرة تعرضها للأسر أو الاعتقال، كما يلجا التنظيم إلى استخدام القناصة والألغام.وفى مواجهة عشرات الهجمات الانتحارية والسيارات المفخخة ومئات الألغام التي زرعت على الطرقات وفي المنازل، تواجه القوات الحكومية خطرًا إضافيًا يتمثل في وجود أعداد كبيرة من قناصة التنظيم في سرت التي شكلت على مدى عام قاعدة خلفية رئيسية له.

وعلى الرغم من أن حكومة الوفاق ما فتئت تعلن عن اقتراب الحسم في سرت، إلا أن تلك الوعود تتأجل في كل مرة بسبب استماتة المقاتلين الذين لم يستطيعوا الفرار من ساحة المعركة.وعلى ما يبدو، فقد دخلت القوات البرية الليبية في حرب استنزاف مؤلمة في مواجهة متطرفين يستميتون لإطالة أمدها.وسيشكل اكتمال تحرير سرت انتصارا لحكومة الوفاق الوطني؛ لكن طول أمد المعارك قد يأتي بنتائج عكسية.