تشهد ليبيا هذه الأيام حراكا إعلاميا وحشدا عسكريا في الشرق والغرب للإغارة على معاقل تنظيم الدولة في سرت.وتبدو قوات حفتر اكثر جاهزية لخوض حرب سرت حسب الخبراء خاصة بعد  الخبرة التي اكتسبتها قواته بعد حرب بنغازي ضدّ الإرهاب على مدى العامين المنقضين.

إلى ذلك أكدت غرفة عمليات الجيش الوطني الليبي الأربعاء 4 ماي 2016، أن القائد العام للجيش الفريق ركن خليفة حفتر  أعطى أوامره بتحرك قوات الجيش الوطني نحو سرت. وأضافت أن، القوات المتجهة نحو سرت، ستنتظر أوامر القائد العام للبدء في معركة سرت الكبرى، لتحرير المدينة من قبضة تنظيم الدولة داعش الإرهابي.وبثت قناة ليبيا الحدث تسجيلاً يُظهر تحرك أرتال الجيش وهي في طريقها إلى سرت، وذلك بعد يوم من صد الجيش لهجوم شنته مليشيا تابعة لقوات ما يسمى بـ"فجر ليبيا"على منطقة زلة بوسط البلاد، وإرغامها على التراجع إلى مدينة الجفرة في جنوب غرب ليبيا.

وكان الناطق الرسمي باسم الجيش الليبي العقيد أحمد المسماري قد أعلن الثلاثاء، في مؤتمر صحفي عقده في بنغازي، أن واجب القوات المسلحة الليبية هو تحرير كل المدن الليبية من الإرهابيين.وأضاف: "بعد سرت سنلاحق تنظيم داعش أينما فرّ على الأرض الليبية، حتى القضاء عليه أو طرده خارج ليبيا إلى دول أو جهات قام بدعمها وجلبها إلى ليبيا".واعتبر أن معركة سرت هي بمثابة واجب وطني مقدس، لافتا إلى أن الوحدات العسكرية التي تتجه إلى المدينة هي من كل المدن الليبية ولا تتبع لأية مدينة أو قبيلة أو منطقة بل من كل المدن.وكشف المسماري عن مخاوف لدى الجيش من قيام تنظيم داعش باتخاذ سكان مدينة سرت كدروع بشرية وتدمير البنية التحتية، على غرار ما حصل في مدينة بنغازي.

وانزلقت ليبيا في دوامة الفوضى بعد ثورة 2011، وسيطر تنظيم "داعش" على عدة مدن،أهمها سرت التي أعلن التنظيم سيطرته الكاملة عليها منذ يونيو 2015 ، بعد انسحاب الكتيبة 166 المكلفة من قبل المؤتمر المنتهية ولايته، بشكل مفاجئ من قواعدها لتفسح المجال بذلك أمام تقدم العناصر المُسلحة لتنظيم "داعش" التي كان يقتصر وجودها على مناطق محاذية للمدينة منها منطقة "النوفلية". ومع انهيار نفوذ "داعش" في مدينة درنة معقله الأول في ليبيا، تحولت مدينة سرت إلى واحد من أهم معاقله، وقد أعلنها عاصمة له في نوفمبر من العام الماضي، نظرا لأهميتها الإستراتيجية بسبب قربها من حقول النفط الرئيسة، فضلا عن موقعها القريب من السواحل الإيطالية.

وشدد التنظيم الخناق على سكان مدينة سرت بشرق ليبيا بعد الأنباء حول اقتراب معركة تحرير المدينة التي أطلق عليها القائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر اسم "معركة سرت الكبرى". وقالت مصادر ليبية، وشهود عيان، إن مسلحي تنظيم "داعش" الإرهابي، يمنعون منذ فترة العائلات من الهروب من المدينة، وذلك بعد موجة نزوح كبيرة لأهالي المدينة تحسبا لاندلاع المعركة المرتقبة.وبحسب نازحين من مدينة سرت وصلوا الثلاثاء إلى العاصمة الليبية طرابلس، فإن تنظيم داعش أغلق بواباته الرئيسية على منافذ المدينة شرقا وغربا أمام العائلات التي تريد مغادرة المدينة إثر تزايد الحديث عن عمل عسكري وشيك للجيش ضد التنظيم في سرت. وأكدوا تلقيهم اتصالات ممن تبقى من أسرهم وأقربائهم في سرت تفيد بأن العناصر المسلحة لتنظيم "داعش"أرجعت كل العائلات التي ترغب في النزوح وأوقفت إعطاء الموافقات التي اشترطها على الأهالي في حالة مغادرتهم المدينة.

ويقدر عدد النازحين الليبيين في داخل البلاد، واللاجئين خارجها، بنحو مليونين، في دولة نفطية شاسعة المساحة ولا يزيد عدد سكانها على نحو ستة ملايين نسمة. ومنذ خمس سنوات يعاني معظم الليبيين من غياب الأمن وتأخر الرواتب ومن شكوك في قدرة الفرقاء السياسيين على إنهاء الخلافات فيما بينهم، إلا أن السفر بين المدن بات من الكوابيس المزعجة. أدت الفوضى إلى تفرق ألوف العائلات والأسر بعضها عن بعض، خصوصا تلك التي تعيش في مدن يسيطر عليها "داعش" أو يسيطر على الطرق الرئيسية في البلاد، بما فيها طريق سرت الواصل بين الشرق والغرب، وطريق سبها بين الجنوب والشمال.

وتعاني سرت من حصار جعلها تفتقر إلى أبسط أساسيات الحياة اليومية والمعيشية، ومن بينها إغلاق البنوك لأكثر من عام بعد سرقتها ونهبها مرات عديدة؛ مما تسبب في نقص شديد في السيولة، فيما يبدي أهالي المدينة استيائهم من الوضع المتردي التي آلت إليه المدينة، وصعوبة الاتصالات الهاتفية واستخدام الانترنت، إضافة إلى إهمال المرافق الصحية والطبية.وزادت شراسة التنظيم في الأيام الماضية حيث أعدم قبل يومين شقيقين من منطقة "سلوق" كانا معتقلين لديه منذ نحو شهر، كما قام قبلها بأيام بإعدام ثلاثة مواطنين في بلدة بن جواد شرق سرت، بعد اتهامهم بالردة والتجسس لصالح الجيش الليبي.

ويسيطر التنظيم على الحدود الإدارية لسرت، وزحف بقواته إلى مناطق محاذية للهلال النفطي وطرد حراس المنشآت النفطية من عدة حقول للبترول، كما تمركز في مدينة هراوة التي تبعد نحو 90 كيلومترا شرق المدينة. ويقوم التنظيم بفرض ضرائب وإتاوات على المواطنين؛ سواء المقيمون أو العابرون، تحت مزاعم منها "جمع الزكاة" و"الجهاد بالمال".ويخشى مراقبون من سعي التنظيم لإستعمال العائلات كدروع بشرية في صورة ما إذا اقتحم الجيش الليبي المدينة أثناء معركة التحرير.

وتدور صراعات في البلاد بين حكومة الوفاق في طرابلس والبرلمان الليبي المعترف به دوليا في طبرق، على استمرار الجيش الليبي بقياد حفتر في منصبه، ولم يمنح البرلمان لحكومة الوفاق الثقة حتى الآن.وفي ظل هذه الخلافات يمكن اعتبار أن الرابح الأكبر محليا هو تنظيم داعش الإرهابي الذي يسيطر عليه الإرباك وهو يتابع حشد القوات من الغرب والشرق لاقتحام اكبر قلاعه العسكرية.حيث يعول التنظيم بدرجة كبيرة على اندلاع صدام ومواجهات بين قوات الشرق والغرب على أرض سرت، فرضية يراها داعش قائمة بقوة سيما بعد تصريحات آمر كتيبة الحلبوص مصراتة التي أكد فيها عدم استعداد كتائب مصراتة التفريط في الهلال النفطي لأي طرف سواهم.

وكانت فصائل ليبية مقاتلة،أعلنت في وقت متزامن وبشكل منفرد، إطلاقها معركة تحرير مدينة سرت، 450 كلم شرق طرابلس، من قبضة تنظيم داعش.ودفع التنافس المحموم، بين الفصائل الليبية، المجلس الرئاسي بقيادة فايز السراج إلى إصدار بيان يحذر فيه من أن"تتحول معركة تحرير سرت إلى مواجهة بين هذه القوى العسكرية، وقد تجر البلاد إلى حرب أهلية لا يعلم إلا الله مداها وتداعياتها، ويكون المستفيد الأول منها تنظيم داعش الإرهابي".وطالب المجلس الرئاسي بصفته القائد الأعلى، كل القوى العسكرية الليبية انتظار تعليمات القائد الأعلى بتعيين قيادة مشتركة للعمليات في مدينة سرت.

ولم تتمكَّن حتى الآن اتِّفاقية السلام المدعومة من قبل الأمم المتَّحدة من إنهاء الانقسامات السياسية في ليبيا. وهنا تتمثَّل نقطة الخلاف الرئيسية في دور الجيش في شرق ليبيا، حيث يقود قائده خليفة حفتر منذ عامين حربًا ضدَّ الجماعات المتطرِّفة.ويرى محللون أن الجدل الدائر حاليًا لا يصب في صالح الحرب على تنظيم داعش الذي ما كان ليكون له موطئ قدم في ليبيا لولا الانقسامات السياسية.