منذ أن بدأت الحرب الأهلية الليبية، والسؤال الذي يحوم فوق كل شيء هو هل ستتدخل روسيا ؟ الجواب على هذا السؤال جاء عندما التقى رئيس حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة ، فايز السراج، مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في موسكو.

بعد بقائها بمعزل عن حرب أهلية فوضوية دخلت الآن عامها الثالث، قررت روسيا أن تسد الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة وأصبحت "الوسيط" الرئيس ليس فقط في ليبيا ولكن في الشرق الأوسط بأكمله وشمال أفريقيا.

الخبر السيء للسراج هو أن المستفيد الأكبر في ما يتعلق بليبيا من المرجح أن يكون منافسه الكبير، المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي.

أما الدور الذي يُتصور أن يلعبه الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة في ليبيا ، فهو مجرد وهم وسراب. الجهود الرائعة التي بذلها السفير البريطاني في ليبيا بيتر ميليت في محاولة دبلوماسية مكوكية بين أصحاب المصلحة في طرابلس ومصراتة وحفتر والجيش الوطني في شرق ليبيا لم تحقق شيئا غير تأكيد حقيقة أن موسكو وواشنطن هما صاحبتا "الطلقات الحاسمة".

للأسف أصبحت لندن لا صلة لها بالموضوع مثل بروكسل. كان حفتر من توجهت إليه موسكو في يناير الماضي، ودعته لإجراء محادثات عسكرية على متن حاملة الطائرات الاميرال كوزنتسوف، المبحرة قبالة ليبيا. وبنفس القدر كان هو سعيدا بتودد موسكو. المحادثات شملت عرضا عسكريا كاملا وعزف النشيد الوطني الليبي على متن السفينة، وهو أمر يؤكد للجميع الطرف الليبي الذي تريد روسيا التعامل معه.

ليس هناك شك في أن سياسة روسيا في ليبيا تزداد قوة وبطريقة إيجابية لجميع الأطراف المعنية.

موسكو لا تتحدث فقط مع جميع الأطراف ولكن تحاول أيضا إيجاد وسيلة لإذعان حكومة طرابلس لحفتر والعكس صحيح. وقالت المتحدثة باسم وزارة الشؤون الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا: "إننا نقوم بعمل يتماشى مع كل مراكز السلطة الرئيسية في ليبيا".

موسكو ليس على خطأ. معركة حفتر ضد المتطرفين في ليبيا جعلت منه بطلا قوميا بين الغالبية العظمى من السكان، وجلبت له انتصارات كبيرة. سحق الجيش الوطني الليبي تقريبا كوكبة من المتشددين المتعصبين الذين روعوا بنغازي وقتلوا السفير الأمريكي هناك في عام 2012.

والأهم من ذلك ربما، سيطر حفتر في سبتمبر الماضي على موانئ النفط الرئيسية في البلاد، مما أتاح له السيطرة على حقول النفط الشرقية - والتي تمثل ما لا يقل عن ثلثي الإنتاج النفطي في البلاد.

مصر قدمت مسبقا دعما قويا لحفتر، كما فعلت فرنسا، التي وفرت قوات خاصة تعمل مع جيشه في شرق البلاد.

ومع تذكرة النفط في جيبه، وارتفاع التأييد الشعبي له في بلد أنهكته مناوشات الميليشيات التي لا نهاية لها، بدلا من المعارك الحاسمة، بات حفتر يحمل الآن بوضوح مفاتيح السلطة. وما حصل الشهر الماضي في مصر كان له أكثر من دلالة ، عندما حاولت مصر دعوة حفتر إلى لقاء مع السراج في القاهرة.

ظهر الرجلان، لكن حفتر قال لا للاجتماع، وترك السراج عالقا في غرفة الفندق.

هناك سبب لرفض حفتر إجراء محادثات مع السراج: ببساطة لأن حفتر يتصاعد كقوة ، فيما السراج يتهاوى. حكومته ، حكومة الوفاق الوطني ، التي أنشأتها الأمم المتحدة، مزحة. إنها ليست حكومة، بعد أن فشلت في السيطرة على المؤسسات الرئيسية مثل البنك المركزي (مصرف ليبيا المركزي) والمؤسسة الوطنية للنفط.

وقد فشلت بالتأكيد في كسب أي من القبائل الليبية الرئيسية. ليس هناك "وفاق"، و في الواقع، تقطعت السبل بالسراج داخل "رئاسته" في قاعدة بحرية في طرابلس، لأن الميليشيات هي القانون في العاصمة الليبية.

وما تبقى من وقته يقضيه في تونس. الأسوأ من ذلك، بالنسبة للسراج، تلك الميليشيات تقاتل بعضها البعض، في ظل دعم العديد منها لحكومة أخرى في طرابلس، تدعى حكومة الإنقاذ، في معارك شوارع بالدبابات والمدفعية الثقيلة ، وهو ما حول أجزاء من العاصمة إلى ساحة حرب حقيقية. فلا عجب أن يرفض حفتر تلبية رجل غير قادر على السيطرة حتى على مدينته.

رسميا، تتبنى روسيا جانب جميع الليبيين، وليس فصيل واحد، كما يقول لافروف: "نود أن نرى ليبيا دولة موحدة ومزدهرة معتمدة على مؤسسات حكومية مستقرة وجيش قابل للحياة"، ولكن روسيا تحس بفرصة ماثلة.

لقد كسبت بالفعل في الحرب الأهلية السورية، الأمر الذي عزز تحالفها مع الرئيس بشار الأسد في سوريا ومكنها من إجهاض الجهود الأميركية لدعم المتمردين. وهي الآن ، تتهيب لتفعل الشيء نفسه في ليبيا، وذلك على النقيض من الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا الذين كانوا يدعمون بلا هوادة حكومة الوفاق.

ولكن الحديث عن شقاق بين القوتين العظميين موسكو وواشنطن قد يكون سابقا لأوانه: شن المستشار السياسي الرئيسي في إدارة ترامب ستيف بانون حملة طويلة ضد جماعة الإخوان المسلمين، وهم الداعمون الرئيسيون لحكومة الوفاق، ومن المتوقع أن يقف البيت الأبيض ، مثل الكرملين، إلى جانب حفتر، وهي خطوة من شأنها أن تساعد أيضا أميركا في تحقيق هدفها المتمثل في التعامل مع روسيا.

حتى بريطانيا، المؤيدة بقوة للسراج، في حاجة إلى إعادة التفكير. قال وزير الخارجية بوريس جونسون الآن يجب العثور على مكان لحفتر في الحكومة الليبية.

وفي الوقت نفسه، نشرت لجنة الشؤون الخارجية البرلمانية في 2 مارس، تقريرا عن علاقات المملكة المتحدة مع روسيا، وحثت وزارة الخارجية على إجراء حوار هادف مع الكرملين.

وقال رئيس اللجنة، كريسبين بلانت: "رفضُ التعامل مع روسيا ليس خيارا سياسيا قابلة للحياة على المدى الطويل." هو على حق: موسكو تنشر جناحيها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ورغبتها في الانتقال إلى ليبيا تم التأكيد عليها بطريقة أخرى الأسبوع الماضي، عندما وقعت روسنفت، عملاقة النفط المملوكة للدولة، صفقة للاستثمار بشكل كبير مع شركة النفط الوطنية الليبية.

روسيا .. أخيرا "وصلت" إلى ليبيا (والمنطقة)، والقوى الغربية أصبحت تنتبه ببطء لهذه الحقيقة. وبلدان المنطقة تبحث أكثر وأكثر عن دور وساطة من قبل موسكو بدلا من الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة، وبالتأكيد ليس من قبل المملكة المتحدة أو الاتحاد الأوروبي. هذه حقيقة جديدة في القرن الـ21.

 

*بقلم ريتشارد غالوستيان ، وهو مستشار سياسي وأمني بريطاني مقيم في دول المنطقة منذ ما يقرب من 40 عاما

**بوابة افريقيا الإخبارية غير مسؤولة عن مضامين الأخبار والتقارير والمقالات المترجمة